لا إبداع بدون دور قوي للدولة
في دافوس، دافع رئيس الكنفدرالية السويسرية موريس لوينبرغر عن دور الدولة أثناء افتتاح الدورة الحالية للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي رده على شعار المنتدى “ضرورة الإبداع” قال إن الجائع والمضطهد والجاهل لا يمكنه الإبداع وهي خدمات لا يمكن لمنافسة السوق ان تحققها بالنسبة للجميع في غياب دور الدولة.
في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح دورة عام 2006 للمنتدى الاقتصادي العالمي، قدم الرئيس السويسري أمام قادة العالم السياسيين والاقتصاديين الحاضرين في منتجع دافوس، خطابا يليق بالدرجة الأولى بالمنتدى الاجتماعي البديل في بورتو أليغري، حيث شخص في كلمته عيوب النظام الاقتصادي الحالي الذي لعب منتدى دافوس دورا حيويا في الترويج له وإرساء قواعده.
إبداع رواد دافوس
انطلق الرئيس السويسري من تاريخ منتجع دافوس لكي يبرهن على أن الأفكار الطوباوية قد تتحول الى واقع معاش بفضل الإبداع والعزم وتوفر الظروف الملائمة.
وقد استشهد بتجربة الطبيب الألماني اليكساندر سبينغلر الذي طلب اللجوء في قرية دافوس المتواضعة هربا من اضطهاد النظام النازي وهو الذي استطاع ان يبتكر ويطور علاجا ضد مرض السل. وقد أضاف أحد أبنائه لبنة في هذا الصرح بحيث أسس دورة سبينغلر العالمية في دافوس للعبة الهوكي عل الجليد والتي أصبحت من أكبر التظاهرات الدولية في صنفها.
هذه الأمثلة استخدمها الرئيس السويسري ليشرح من خلالها أمام القادة الاقتصاديين، نجاحات وإخفاقات النظام الاقتصادي العالمي، ومتعرضا إلى المسار الذي سلكه منتدى دافوس الذي تحول من منتدى متواضع الى محفل دولي يفرض ببرودة وأنانية معاير السوق، قبل أن يتطور من جديد الى ساحة نقاش يتبادل فيها قادة العالم من سياسيين واقتصاديين ومثقفين، ومن بلدان الشمال والجنوب والشرق والغرب، الأفكار والتوجهات المستقبلية للعالم.
لا حلول وابتكارات بدون دور الدولة
ردا على شعار المنتدى “ضرورة الابتكار لحل مشاكل العالم”، أوضح الرئيس السويسري في خطابه، بأن مشاكل العالم تتطلب حلولا مبتكرة. ولكنه أوضح في نفس الوقت بأن “البعض يعتقد بأن المنافسة واليد الخفية لاقتصاد السوق بإمكانها أن تبتكر بطريقة سحرية حلولا شاملة”.
لكن الرئيس السويسري، المنتمي الى الحزب الاشتراكي، يؤمن بأن “التحديات الداخلية والخارجية تتطلب وجود دور قوي للدولة”، يسمح بمراعات احتياجات كل مكونات المجتمع بدون تهميش، ويقوم بدول “الحكم لتقنين المنافسة وهذا حتى في صالح الاقتصاد نفسه”.
وفي لفتة الى مشاكل العالم النامي (وإلى بعض مكونات المجتمعات المتقدمة) التي تعاني من طغيان نظرة دعاة الليبرالية المفرطة، أوضح الرئيس السويسري بأن “الانسان الجائع ليس بإمكانه أن يبتكر، لأن كل جهده منصب على كيفية البقاء على قيد الحياة”. وفي هذه الحالة فإن “من واجب الدولة تطوير شبكاتها الاجتماعية الضرورية”.
كما أن “الإنسان المضطهد ليس بإمكانه الابتكار، لأن كل جهده يصرف في كيفية الإفلات من عقاب قد يتعرض له بسبب رأي او تصريح او تصرف”. وفي هذه الحالة يكون “من واجب الدولة ضمان حرية الرأي والتعبير”.
أما “الانسان المحروم من التعليم والمعرفة، فليس بإمكانه الإسهام في الابتكار، لأنه يفتقر الى ادنى المقومات”، لذلك فإن تعميم التعليم والمعرفة للجميع لن يتوفر إلا بفضل خدمات الدولة.
وانتهى الرئيس السويسري الى خاتمة مفادها أن “الدولة هي التي عليها القيام بدور الحكم شأنها في ذلك شأن حكم مباراة الهوكي”.
دور الدولة في مجال الطاقة
وتماشيا مع المواضيع المختارة لدورة هذا لعام في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، والتي خصصت حيزا كبيرا لموضوع التزود بالنفط او بالطاقة عموما، تطرق الرئيس السويسري الى موضوع عزيز عليه وعلى وزارته، أي موضوع مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الهوائية أو المستنبطة من الحرارة الجوفية.
في هذا السياق يرى الرئيس السويسري أيضا ان للدولة دورا حيويا في تحويل هذه الأفكار الطوباوية إلى واقع ملموس، لأن حرية الأسواق وحدها قد لا تسمح لهم بذلك نظرا لارتفاع التكاليف.
وفي تلميح الى رغبة البعض في تغيير قواعد اللعبة على الساحة الدولية، أورد الرئيس السويسري بأن لعبة الهوكي على الجليد رغم خشونتها تتطلب تواجد حكم. وفي إشارة الى العلاقات الدولية ، أوضح السيد لوينبيرغر “أن احتقار الحكم سواء من قبل لاعبي الهوكي الأقوياء او من قبل دولة قوية هو أمر خطير”.
يبقى ان خطاب الرئيس السويسري أمام منتدى دافوس الاقتصادي المعروف بكونه بوتقة تطور الأفكار الليبرالية المنادية بتقليل وتحجيم دور الدولة والقطاع العام لحساب مبادرة القطاع الخاص، يرى فيه البعض انه في غير محله وقد يوصف بمثابة خطاب عام لن يسترعي اهتمام الغالبية، بينما رأى فيه البعض الآخر جرأة قد تترك بصماتها على مستقبل منتدى أرغمته أصوات التظاهرات المعارضة في المنتديات الاجتماعية البديلة من بورتو أليغري بالبرازيل الى بومباي في الهند وأخيرا الى باماكو في مالي ، الى البحث عن مسار وسط بعيدا عن إفراط في ثقة عمياء في قوانين السوق.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.