“لا” للانتحار
تحتضنُ جنيف أول مؤتمر دولي حول الوقاية من انتحار الشباب. وليس بالأمر الغريب تنظيمُ الملتقى في سويسرا التي تتصدر، إلى جانب فنلندا ودول من أوربا والوسطى والشرقية، قائمة الدول الأكثر تضررا من هذه الظاهرة.
يجتمعُ في جنيف وعلى مدى ثلاثة أيام مُختصون في المجالات الطبية والاجتماعية والسياسية والتربوية قدموا من مختلف أنحاء العالم لمحاولة فهم دوافع ومفهوم الانتحار عند الشبان. ويسعى المؤتمر إلى بحث السُّبل الكفيلة بضمان وقاية أفضل من ظاهرة الانتحار التي ظلت لمُدة طويلة من بين المُحرمات ولم تحظ بالاهتمام الكافي على الرغم من خطورتها.
ونُظم المؤتمرُ الذي تشاركُ فيه وزيرةُ الداخلية السويسرية روت درايفوس ووزيرُ الصحة الفرنسي برينار كوشنر، من طرف مؤسسة Children Action الخاصة والمستشفى الجامعي بجنيف.
وتقول الأخصائية في علم النفس ماجا بيريت كابيتوفيك، المكلفةُ بوحدة البحث والوقاية من الانتحار في المستشفى الجامعي بجنيف: “إن الرسالة البسيطة التي نريد إبلاغها هو أن الوقاية من الانتحار أمر ممكن. ولم يكن أحد ليُصدق هذا الأمر قبل خمس سنوات.”
فما هي إذن أنجع طريقة للوقاية من الانتحار؟ “التحدث عن الظاهرة والاستماع للأسباب” تجيب الأخصائية النفسانية في تصريح لـ”سويس انفو”.
100 إلى 150 حالة انتحار سنويا في سويسرا
يعد معدل الانتحار في أوساط الشباب في سويسرا من بين أعلى المعدلات في أوربا والعالم. فهذه الظاهرة، التي تعاني منها بصفة خاصة الدول الصناعية، تعتبرُ السبب الرئيسي في وفاة الشبان التي تتراوح أعمارهم 15 و24 سنة في سويسرا. وتوضح الإحصائيات أن ما بين 100 و150 شابا من أبناء الكونفدرالية ينتحرون كل سنة.
غير أن الخبراء والمهتمين بقضية الانتحار على قناعة أن الأرقام التي تكشف عنها الإحصائيات لا تعكس إلا جزء من الحقيقة حيث يعتقدون أن نسبة قد تتراوح ما بين 15% و 20% من حالات الانتحار مازالت تُفسر على أنها وفاة طبيعية لاعتبارات شخصية مثل تحفظات أسرة الشخص المنتحر على الإعلان عن السبب الحقيقي للوفاة.
وهنالك عامل آخر يُعزز نظرية هؤلاء المختصين ألا وهو محاولات الانتحار التي يستحيل تقريبا تعدادها، حتى إن كانت بعض التحقيقات غير المستوفاة قد أظهرت أن 5% من الشبان المستجوبين يُقرون أنهم حاولوا وضع حد لحياتهم.
الدوافع معروفة والحلول مستعصية
وعن محاولات الانتحار، يقول البروفيسور فرانسوا لادام، رئيسُ اللجنة العلمية لمؤتمر “لا للانتحار” والطبيب المسؤول في وحدة المراهقين بأقسام علم النفس في المستشفيات الجامعية بجنيف: ” مع الأسف، لا يستفيد سوى شاب واحد من اصل خمسة من نظام رعاية طبية متخصصة بعد محاولة انتحار.”
بعبارة أخرى، مازال الشبان الذين تفصلهم أشبار عن الانتحار والمستفيدون حاليا من التأطير الطبي المناسب يشكلون أقلية. ويقرُّ الأخصائيون بعدم توفرهم على ما يكفي من الوسائل لمحاربة ظاهرة الانتحار حتى وان كانوا قد تعرفوا على عوامل الأخطار المؤدية إلى استغناء شاب عن روحه.
ومن بين هذه العوامل، هنالك الانهيار أو الاكتئاب اللذان باتا من أمراض العصر. وعن الانهيار يقول البروفيسور لادام: “مع كامل الأسف، مازال العديد من الأشخاص مقتنعين بان نظرة الشبان للعالم لا يمكن أن تكون متشائمة لأنهم يعتقدون أن عالم الشباب وردي وخال من المصاعب، ومازال العديد يُفاجئ ويعبس عندما يعلم أن نسبة كبيرة من أعراض الانهيار سُجلت في أوساط الشبان الذين تقل أعمارهم عن سن الخامسة والعشرين.”
صرخات طلب النجدة قد تكون صامتة
الجو العائلي والتهميش الاجتماعي من بين أهم العوامل التي قد تساهم في تدهور الحالة النفسية للشبان ودفعهم إلى الانتحار. في هذا السياق، يشرح رئيس اللجنة العلمية لمؤتمر “لا للانتحار”: “قبل غوصهم في عالم الاكتئاب، تنبعث من الشبان مؤشرات واضحة تدل على طلبهم النجدة.” من بين هذه المؤشرات الأرق وفقدان الرغبة في أي شيء والانطواء على النفس.
ومن هنا يتضح أن أسس الوقاية من الانتحار تتمثل في التعرف على الأعراض والتمكن من متابعة ودعم الشبان المحتاجين للإغاثة. وجدير بالذكر أن مبادئ الإغاثة هذه طُبقت منذ خمس سنوات في جنيف.
تجربة جنيف في مجال الوقاية من الانتحار
يشدد البروفيسور لادام على “انه بفضل الشراكة بين القطاع العام في جنيف ومؤسسة Children Action الخاصة، استطعنا إنشاء وحدة استشفاء ومركز وقاية متخصص. وهذا يعد سابقة في سويسرا.”
ويوضح البروفيسور لادام أن هذه البادرة تهدف على وجه الخصوص إلى تأطير أقرباء الشبان المكتئبين بهدف إنشاء نوع من حزام الأمان حولهم وذلك في انتظار اقتناع هؤلاء الشباب بأنهم يحتاجون إلى مساعدة طبية مباشرة.”
ويصعب في الوقت الراهن تقدير نتائج هذا النوع من الوقاية بصفة ملموسة، لكن الشيء الأكيد هو أن عدد حالات الانتحار في أوساط الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 قد تراجع خلال الخمس وعشرين سنة الماضية بنسبة 25%.
سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.