مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لا مـفــرّ من ” التّــغيـيـر”..

رياض الترك اشهر سجين سياسي سوري، حصل مؤخرا على حق حرية التنقل والسفر Keystone

افتتح الرئيس السوري بشار الأسد عامه الرابع في الحكم بإصدار عفو عن عدد من المنفيين والمعتقلين السياسيين وسجناء الرأي. وشمل القرار إلغاء حظر السفر عن العديد من المواطنين.

وأدى تزامن هذا القرار مع إعادة انتشار القوات السورية في لبنان إلى إعطاء انطباع بأن الإصلاح الداخلي يظل مرتبطا بالمتغيرات الخارجية.

لم تكن 3 سنوات من حكم دولة بمكانة سوريا سهلة على رئيس شاب، تعلّـقت به الآمال ليقود البلاد إلى مرحلة جديدة، تتخلص فيها من أعباء ثقيلة داخلية وخارجية، ولم يكن من المنتظر أن يحمل بشار الأسد عصا سحرية يقضى بها على كل السلبيات بين عشية وضحاها.

بيد أن المراقب للمشهد السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية يصل إلى صورة متفاوتة الأبعاد. تُـستهلّ بمحاولات الإصلاح والإعلان عن الرغبة في ذلك، ويبدو ظلّ الحرس القديم (الذي لا يريد التفريط في مكاسب وثوابت العهد السابق) ثابتا في خلفيتها، أما على الطرف الأخر من الصورة، فقد اتخذت الضغوطات الخارجية شكل مطالب واضحة ومحددة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الإصلاحات بدأت بخطوة هامة أتاحت قدرا من حرية الرأي والفكر، وتداول المعطيات حول خطط وبرامج المستقبل وسمحت بتفعيل دور بعض أطراف المجتمع المدني ليساهم في مسار “التجديد والتحديث”.

وأمل الكثيرون في أن تكون هذه البداية افتتاحا لربيع دمشقي دائم يُـذيب جمود السياسات القديمة، كما أعرب قطاع واسع من المعارضين في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في المشاركة في حركة النهضة والتصحيح، مثلما جاء في الوثيقة المهمّـة التي صدرت عن مؤتمر لندن الذي انعقد في صيف عام 2002، والتي عبّـرت فيها معظم القوى المعارضة على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية عن رغبتها في العمل المشترك لصالح تقدم سوريا.

الاعتقال التعسّـفي مستمر

لكن سرعان ما عادت حليمة إلى عادتها القديمة، حيث شنّـت السلطات حملة من الاعتقالات شملت العديد من نشطاء حقوق الإنسان والسياسيين والمثقفين الذين عبّـروا عن آرائهم بحرية لم تُستسغ في منتديات الحوار أو في تصريحات أدلوا بها إلى وسائل الإعلام العربية والأجنبية.

واستمرّت التقارير السنوية الصادرة عن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان مثل اللجنة السورية لحقوق الإنسان، (ومقرها في لندن) أو منظمة العفو الدولية في التأكيد على أن الإعتقالات لا زالت متواصلة، وعلى أن “تعذيب السجناء السياسيين في سوريا وإساءة معاملتهم أمر مألوف”.

وفي حديث خاص مع سويس انفو، يقول الدكتور هيثم مناع، الناطق باسم المنظمة العربية لحقوق الانسان، (ومقرها باريس)، وأحد الذين شملهم العفو الرئاسي الأخير، “إن قوائم اللجنة تضم قرابة ألف سجين رأي في سوريا، على رأسهم 10 أشخاص يشكلون مراجع ذهنية ويمثلون للمجتمع المدني السوري، وأن بقائهم في السجن يشكل عبءً على سوريا وعلى أي توجه إصلاحي في البلاد، وأن خروجهم من السجن هو مؤشر أساس لتحول سياسي في البلاد، كما هو الحال مع 34 سجين في حالة صحية متردية”.

وتعد المنظمة العربية لحقوق الانسان حاليا عريضة تحمل اسم “لماذا هم في السجون ومتى يتم الإفراج عنهم؟” تنشر فيها أسماء سجناء الرأي والمعتقلين بدون سبب في سوريا، وتجمع التوقيعات عليها من خلال شبكة الانترنت، حيث تعتزم تقديمها إلى السلطات السورية في محاولة منها لتحريك ملف الاعتقال التعسفي في سوريا.

صراع بين “الأمني” و”المدني”

أدّى وأد “ربيع دمشق” في مهده إلى انهيار الآمال التي تعلقت بعهد جديد يُثمّـن حرية الرأي وحقوق الإنسان، وعطّـل إلى حدّ كبير احتمالات تنشيط الأوضاع الاقتصادية التي يُـعاني السوريون بشدّة من تدهورها. واتجهت أصابع الاتهام إلى من يُـلقّـبون بالحرس القديم، الذي يقول المعارضون والمراقبون أنه يمثّـل العقبة الرئيسية بوجه أية محاولة لتغيير المنهجية السورية في الحكم، وتحديدا على صعيد السياسات الداخلية.

ويرى أصحاب هذا الاتهام أن المعادلة التي يُـطبّـقها الحرس القديم تتمثّـل في الاستمرار بالإمساك بكل أوراق اللعبة بيد واحدة نظرا لتخوفه من أن يؤدي الانفتاح الداخلي إلى فتح باب الحوار والنقاش على مصراعيه، مما سينعكس مطالبة قوية بتعديل الأوضاع الراهنة، وهو مسار يعتقد الحرس القديم أنه سينعكس حتما على سياسة سوريا الخارجية، مما يُـهدد بالمسّ ببعض الثوابت الراسخة.

وينفي النشطاء الحقوقيون والسياسيون وجود أي تعارض بين إطلاق الإصلاحات الداخلية، والتمسك بالثوابت الخارجية. ويؤكّـدون أن الاصلاحات الجديّـة وتمكين المواطنين من حقوقهم ومن حرية التعبير عن آرائهم ستُـسهم في إشاعة أجواء إيجابية في البلاد، مما سيدعم موقف السلطة في القضايا الخارجية. ويُـلخّـص الدكتور مناع الوضع الحالي بأنه “صراع بين الاتجاه الأمني والاتجاه المدني، التي ترى أن رأب الصدع بين السلطة والمجتمع المدني هو اذي سيعمل على تحقيق الامن”.

إصلاحات أم استجابة للضغوط؟

على صعيد آخر، وضعت المتغيّـرات العنيفة التي هزّت الجوار السوري المباشر إثر إسقاط الولايات المتحدة لنظام الحكم البعثي في العراق الجميع في دمشق (المدافعين عن الإصلاح والحرس القديم) أمام مفردات وضع جديد يتلخّـص في أنه لا مفرّ من التغيير، لاسيما بعد إعلان واشنطن عن قائمة طلبات واجبة التنفيذ.

فليس من قبيل المصادفة أن تُـعيد سوريا نشر قواتها في لبنان، في الوقت الذي تُـصِـرّ فيه المطالب الأمريكية على ضرورة إنهاء “الاحتلال” السوري للبلد المجاور. كما لا يتردّدُ المتابعون للشأن السوري على اعتبار خطوات أخرى من قبيل الإعلان عن إغلاق مكاتب أغلب الفصائل الفلسطينية المعارضة لمسار التسوية، ومغادرة معارضين فلسطينيين بارزين دمشق إلى جهات أخرى، استجابة سوريّـة للمطالب الأمريكية.

ويذهب البعض إلى أن هذه التنازلات ليست سوى مقدمة تُـمهّـد “لحوار هادئ” مع واشنطن، دعا إليه مؤخّـرا وزير الخارجية فاروق الشرع. ويُـلفت آخرون الأنظار إلى ما رافق التحركات السورية لبنانيا وفلسطينيا من قرارات داخلية شملت بعض التغييرات في النظام التعليمي، وفي سياسة حزب البعث الداخلية.

على العكس من ذلك، يرى آخرون أن تلك الخطوات ليست سوى قراءة سورية عميقة في تداعيات ما حدث في العراق، وأنه لا مفر من التغيير، حتى وإن كان ذلك لمجرد ذرِّ الرماد في العيون. ويستند هؤلاء إلى وجود عدة تناقضات في التحركات الأخيرة.

فبينما أعلنت دمشق عن قانون جديد للتعامل في العملات الأجنبية والترخيص بتأسيس مصارف خاصة، لم تلغ القوانين الني تقيد الحركة الاقتصادية والاستثمار. وفيما تردّد عن إمكانية منح تراخيص لصحف وإذاعات خاصة، يظل التساؤل قائما حول أسباب الإبقاء على سجناء الرأي في غياهب المعتقلات؟

وفي انتظار تحويل الوعود الجديدة إلى حقائق ملموسة، يظل التحدّي الرئيسي الذي يواجه الرئيس بشار الأسد القُـدرة على إنجاز مصالحة تاريخية بين السلطة والمجتمع، تكفل لسوريا الخروج من حالة الانسداد، وتخفيف الضغوط الخارجية، وإطلاق الطاقات التنموية والاقتصادية، أي بكلمة مختصرة: إحياء الأمل بمستقبل أفضل لشعب أغلبيته الساحقة من الشباب.

تامر أبو العينين – سويس انفو

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية