“لدينا علاقات جيدة للغاية مع سوريا”
بهذه العبارة وصف السفير السويسري لدى دمشق جاك دو فاتفيل طبيعة العلاقة التي تجمع بين كل من سويسرا وسوريا.
جوانب العلاقة بين البلدين تشمل التعاونية والسياسية معاً، وسويسرا لها دور سياسي تسعى من خلاله “بتواضع إلى المساهمة في تفادي سوء التفاهم” بين سوريا والقوى الدولية.
علاقات سويسرا بسوريا قوية وترجع لسنوات طويلة، وصحيح أن الوضع السياسي في سوريا معقد، خاصة مع الضغوط الدولية التي تتعرض لها، إلا أن سويسرا ترى أن دورها يتمثل و “بتواضع” في مد الجسور بين دمشق والقوى الدولية الأخرى.
هذا هو ملخص الحديث الذي أجرته سويس انفو في دمشق يوم 19 سبتمبر مع السفير السويسري لدى سوريا جاك دو فاتفيل، الذي تبوأ منصبه قبل عامين، والذي أعتبر أن العنصر الأساسي في الدور السياسي السويسري في المنطقة يتمثل في حيازة الكنفدرالية “على وضع يمكن فيه لكل الأطراف المختلفة الثقة” بها. فيما يلي نص الحوار كاملاً:
سويس انفو: بداية، هل يمكنكم وصف العلاقة التي تجمع بين سويسرا وسوريا؟
السفير جاك دو فاتفيل: سويسرا لديها علاقات جيدة للغاية مع سوريا منذ فترة طويلة جداً، ولدينا الآن سفارة هنا، وهي نشطة بشكل كبير في مجالات عديدة.
كما تعلمين إن الوضع السياسي في سوريا معقد جداً، وهنا نحن نحاول أن نساعد مسار الإصلاح، وإلى هذا الحد بدأنا مفاوضات مختلفة في القطاع الإقتصادي للمساهمة في انفتاح السوق، ولدعم إصلاح الاقتصاد السوري وتطويره، كما تفعل دول أخرى بالطبع. إذن هذا جانب.
من جانب أخر، لدينا أيضاً بعض المشاريع في مجال التعاون التنموي، وبنفس الهدف بالمساهمة في تطوير الازدهار في هذا البلد، بتحديثه، وأيضاً المساعدة في مجال حقوق الإنسان، والتحرك في اتجاه ديمقراطية أكثر، وحريات أكثر للسكان، ومساعدة هؤلاء النشطين في هذا المجال لتنمية المجتمع المدني، ولكننا نفعل ذلك بالطبع دائما في إطار ووفقاً للسلطات والحكومة.
بالنسبة لنا من الهام جداً أن نكون واضحين وشفافين مع السلطات، وأن نعمل معهم كي ندعمهم وفقاً لاحتياجاتهم. لكن هذا هو الاتجاه الأساسي.
نحن لدينا أيضاً نشاطات متنوعة في المجال الثقافي، و هي تهدف أساساً إلى تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم المشترك والاحترام المتبادل، وهذا مكمل لما نفعله في القطاع السياسي.
وهنا (أي في القطاع السياسي) سويسرا نشطة في الشرق الأوسط كي تحاول بتواضع المساهمة في تعزيز السلام، وفي دعم مسار السلام في الشرق الأوسط، وسوريا هي لاعبة رئيسية في هذا الإطار، ولذا هنا أيضاً نحاول المساعدة في الحوار بين الأطراف المختلفة، وفي بعض الأحيان نقدم اقتراحات لتسوية المشاكل، آملين أن نجعل السلام العادل والقادر على الاستمرار أكثر قرباً في المستقبل المنظور، والمساعدة على تفادي المزيد من المشاكل في الإقليم.
سويس انفو: وصفتم جوانب متعددة للعلاقة بين البلدين، أهمها على الأقل من وجهة نظر سياسية تتعلق بمسار السلام. هل يساعد حياد سويسرا في تعزيز هذا المسار؟
السفير جاك دو فاتفيل: العنصر الأساسي هنا هو أن نحوز على وضع يمكن فيه لكل الأطراف المختلفة الثقة بك. وحقيقة أن سويسرا تتبع سياسة الحياد منذ خمسة قرون، وحقيقة أن سويسرا لا ماض استعماري لها، وحقيقة أن سويسرا ليس لها مصالح عسكرية أو جيو إستراتيجية في المنطقة، وأننا بلد صغير، ولا نخاف من أحد، وحقيقة أن لدينا سياسة متواصلة من الاحترام وتطبيق القانون الدولي والإنساني وقرارات الأمم المتحدة، يخلق وضعاً يتيح للناس في المنطقة الدخول في حوار معنا، بصورة أكثر انفتاحا مما هو عليه الحال مع دول أخرى ربما.
إذا كنت تمثل قوة كبرى فبالطبع هم يعتقدون أن لديك أجندة سرية، وأهدافك الخاصة، وان هناك خطر التلاعب في الوضع.
في حالة سويسرا هذا بالتأكيد ليس الوضع، ولذلك فأنه أسهل بالنسبة إيجاد صلات جيدة، وأيضاً علاقة ثقة، التي تسمح لنا بأن نكون أكثر نفعاً.
لذلك فإن الحياد هو جزء واحد منها، لكن المسألة أوسع من مجرد الحياد.
سويس انفو: وماذا عن مبادرة جنيف للسلام؟
السفير جاك دو فاتفيل: هذا عنصر هام. سوريا كانت مترددة تجاه مبادرة جنيف لأن سوريا لم تكن طرفاً فيها بصورة مباشرة، إذ كانت بين المجتمع المدني الفلسطيني والإسرائيلي. فالموضوع لم يكن مرتفعات الجولان، لم تكن جزءاً منها.
لذلك، في البداية، احتفظت سوريا بمسافة تجاه هذا المسار. لكننا شرحنا لهم، إن هذا عنصر واحد، وهو جزء من صورة أكبر بكثير، وسويسرا هي نشطة ليس فقط من خلال مبادرة جنيف، ولكن أيضاً من خلال مبادرات أخرى التي هي أكثر كتماناً (تدور بصورة أكثر كتماناً) لتعزيز الحوار في الإقليم.
ومبادرة جنيف وضعت سويسرا في موقع أكبر من مجرد المراقب، فمن خلال مبادرة جنيف بدا أن سويسرا كانت أيضاً فاعلاً، طبعاً فاعل متواضع، لكنها رغم ذلك تبقى دولة تحاول أن تفعل أفضل ما لديها، ومساعدة مسار السلام، ودعم الحوار بين الأطراف المختلفة.
وإلى حد الآن، بالنسبة لي في دمشق فإن مبادرة جنيف كانت هامة جداً، وأيضاً تجاه السلطات السورية أظهرت أن سويسرا قادرة على القيام بشيء ما، وهي مستعدة للقيام به، ومستعدة للمساعدة. وهذا يتم تثمينه بصورة كبيرة.
سويس انفو: في هذه الفترة، تتعرض سوريا إلى ضغط دولي، سواء من قبل مجلس الأمن أو من قبل الولايات المتحدة، لأسباب متعددة، خاصة ما يتعلق منها بالملف اللبناني. هل هناك أي دور لسويسرا في هذه الفترة؟
السفير جاك دو فاتفيل: نعم، ولكن بمعنى أننا نستطيع بتواضع المساهمة بتفادي سوء التفاهم بين الأطراف، أعتقد أن هذا في حد ذاته يمكن أن مفيداً جداً. لأن هناك نقصاً في الحوار، وإذا لم تتحدث الأطراف معاً بشكل كاف فإن الكثير من سوء الفهم قد يظهر.
وطبعاً، إذا كان لديك صورة خاطئة عن الوضع، فأنك ستتخذ قرارات خاطئة. وهذا يمكن أن يكون له عواقب كثيرة. لذلك في نشاطاتنا هنا نحاول أن نساعد الحوار، وضمان مساعدة كل طرف على فهم الطرف الأخر بصورة أفضل، ونأمل أن يساعد هذا.
سويس انفو: الكثير ممن قابلتهم هنا قالوا إن الدفع من أجل الديمقراطية كأجندة لن يكون مفيداً إذا كان مفروضاً من الخارج، لأنه يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عكسية، ويضربون بالعراق مثلاً. كيف تنظر إلى سياسة الرئيس بوش بتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط؟
السفير جاك دو فاتفيل: هذه قضية معقدة للغاية، ومن الصعب تقديم إجابة قصيرة وجيدة لهذا السؤال. لكن من الواضح أنه هنا هناك فهم سيء لما تفعله الولايات المتحدة في المنطقة. والناس يشعرون هنا أن (الأمريكيين) يسعون وراء مصالحهم، وأن قضية الديمقراطية هي مجرد أداة وربما ليست السبب الحقيقي لما يفعلونه، وأنهم يهتمون أكثر بالبترول والنفط، والدفاع عن مصالح إسرائيل، والتمويل والمشاريع والقوة من حقوق الإنسان. هذا ما يشعر به الناس هنا.
طبعاً في واشنطن هناك الكثير من الناس الذين يدافعون فعلاً وبصدق من أجل الديمقراطية، لكن هناك مصالح متناقضة. إذا أخذت مصر ولديك ديمقراطية فعلية، وأيضاً هنا في سوريا، إذا كان هناك ديمقراطية فعلية، الآن هناك نظام علماني، المرأة لديها حقوق أكثر من العديد من الدول العربية، وإذا كان لديك ديمقراطية فعلية فإنه قد يصبح لديك نظاماً إسلامياً، ربما سيحدث هذا وربما لن يحدث، لكن هناك مخاطرة، وفي نظام إسلامي هل ستكون أكثر ديمقراطية بالصورة التي لدينا في الدول الغربية أم لا؟ ماذا سيكون وضع المرأة مقارنة لما هو قائم الآن؟ هل سيكون هناك تطور أم لا؟ من الصعب جداً الحكم.
لذا فالمسألة ليست سهلة جداً. وعندما تنظر إلى ما يحدث الآن إلى العراق، إلى التطور الحادث فيما يتعلق بوضع المرأة، إلى التطور الحادث فيما يتعلق بوضع المسيحيين، يمكن للمرء التساؤل هل هذا فعلاً ما أردناه في البداية؟ لذا المسألة تعتمد أيضاً على ما نسميه ديمقراطية، هل الأولوية لحقوق الإنسان، هل هي للحرية، هل هي للمساواة بين الرجل والمرأة، أم أنها تعني فقط حكومة منتخبة من أغلبية السكان؟
لذلك أنا دائماً حذر مع هذه الكلمة “ديمقراطية”، لهذا أو لذاك، لأنه يجب أن تعرف ما تعنيه بشكل محدد، وما الذي ستغيره بالنسبة للحياة اليومية للناس، وعندها ربما سيكون لدينا تقييم أخر للوضع.
أجرت الحوار في دمشق إلهام مانع – سويس انفو
السفير جاك دو فاتفيل:
تولى موقعه في السفارة السويسرية بدمشق منذ عامين.
عمل في إقليم الشرق الأوسط، وبالتحديد في لبنان، قبل 27 عاماً مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
زوجته مولودة في حلب، وترعرعت في لبنان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.