لــِـمَ تلتزم سويسرا من أجل استقلال كوسوفو؟
قدمت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري إجابتها عن هذا التساؤل في منبر نشرته مؤخرا صحيفة لوتون الصادرة بجنيف.
وجاء تسجيل هذا الموقف السويسري المعروف بعد أيام قليلة من انطلاق المفاوضات حول مستقبل وضع إقليم كوسوفو بقيادة المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ومن تعيين خبير سويسري مستشارا لفريق المفاوضين الصرب.
أكدت من جديد وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري خلال زيارة عمل قامت بها يوم الثلاثاء 29 نوفمبر إلى براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا، أن سويسرا “تدعم استقلال كوسوفو”.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها السلوفاكي إدوارد كوكان، قالت السيدة كالمي ري: “إن علاقات وثيقة تربط سويسرا وإقليم كوسوفو بما أن 10% من سكان كوسوفو يقيمون في سويسرا، وإذا ما حدث شيء في كوسوفو وتزعزع استقراره، فسينعكس علينا ذلك”.
وقد ضاعفت وزيرة الخارجية السويسرية تصريحاتها بشكل ملموس حول استقلال كوسوفو منذ أن انطلقت المفاوضات حول مستقبل وضع الإقليم رسميا يوم 21 نوفمبر الماضي، بعد وصول المبعوث الخاص للأمين العام للأمم والرئيس الفنلندي السابق مارتي آهتيساري المُكلف بقيادة المفاوضات.
وقد بدأ المبعوث الخاص للسيد كوفي أنان رحلته إلى المنطقة بزيارة عاصمة الإقليم بريشتينا حيث قضى ثلاثة أيام قبل توجهه إلى العاصمة الصربية بلغراد وعواصم الدول المجاورة.
استراتيجية وحجج
وفي منبر لوزيرة الخارجية السويسرية نشرته صحيفة “لوتون” الصادرة بجنيف (نسخة 25 نوفمبر 2005) بعنوان “لماذا تلتزم سويسرا من أجل استقلال كوسوفو”، لم تحد الوزيرة عن مضمون التصريحات التي أعادت تأكيدها الصيف الماضي والتي أثارت حادثا دبلوماسيا مع بلغراد.
السيدة كالمي ري شددت مجددا على أن سويسرا لا ترى حلا آخر بالنسبة لإقليم كوسوفو سوى نوع من الاستقلال الذي يضمن له بناء دولة ديمقراطية.
وفي تمهيدها لموقف برن الرسمي، ذكرت وزيرة الخارجية بأن منطقة البلقان الغربية من أولويات السياسية الخارجية السويسرية، وأن الحكومة الفدرالية أكدت ذلك من جديد خلال نقاش معمق في منتصف أكتوبر الماضي.
وكتبت السيدة كالمي ري أن الحكومة أكدت اعتزام سويسرا الترويج لمصالحها في تلك المنطقة الأوروبية، موضحة أن ذلك الخيار يدخل في إطار القرار الحكومي القاضي بتحديد قائمة الدول أو مجموعات الدول التي ستحظى بأهمية خاصة في السياسية الخارجية السويسرية خلال السنوات القادمة.
وفي استعراضها للحجج السويسرية الداعمة لمنح كوسوفو نوعا من الاستقلال، ذكرت الوزيرة بـأن منطقة البلقان الغربية قريبة جغرافيا من سويسرا، وأن تعداد جالية دول يوغوسلافيا السابقة المقيمين في سويسرا يناهز 400 ألف شخص من بينهم 150 إلى 200 ألف من إقليم كوسوفو. وأضافت “هذه المنطقة قريبة جغرافيا من سويسرا، وهي من أكبر الجاليات الأجنبية في الكنفدرالية.
وكتبت الوزيرة بهذا الشأن: “إن هذه الروابط الوثيقة لها انعكاسات مباشرة على موجات الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وبالتالي من مصلحتنا الترويج للسلام والاستقرار في منطقة البلقان الغربية”.
ونوهت السيدة كالمي ري إلى أن العلاقات السويسرية مع جنوب شرقي أوروبا تميزت بالتزامات مالية من قبل الكنفدرالية بين 1996 و2004، إذ دعمت دول المنطقة بـ1,5 مليار فرنك أنفقت على مجالات التعاون التقني، والحضور العسكري في كوسوفو والبوسنة، ودعم العودة الطوعية للاجئين، والمساعدة الإنسانية، والمساهمة في ميثاق الاستقرار.
وأوضحت وزيرة الخارجية أن النشاطات السويسرية في منطقة البلقان ستتركز خلال السنوات القادمة على تعزيز العلاقات السياسية ودعم الإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية وتعزيز السلام.
“الاستقلال هو الحل الأكثر واقعية”
أما الورقة التي ستسمح لسويسرا بالقيام بهذا الدور في المنطقة فتتجسد حسب الوزيرة كالمي ري في “الصورة الجيدة لسويسرا في المنطقة خاصة ضمن أعضاء الطبقة السياسية والجالية التي أقامت هنا”.
وأضافت في هذا السياق: “لقد استقبلنا مئات آلاف اللاجئين خلال حرب يوغوسلافيا السابقة (…) كنا متواجدين في عين المكان بدون انقطاع خلال النزاع من خلال المساعدات الإنسانية. هذا الإطار يجعل سويسرا تحتل مكانة جيدة لتشجيع الحوار السياسي في المنطقة”.
ومن الميزات التي تشجع الدور السويسري في المنطقة في تصور السيدة كالمي ري، الطابع الفدرالي للبلاد وتجربتها الطويلة في مجال لا مركزية السلطة واحترام الأقليات، وهي عناصر رئيسية في النقاش الجاري حول مستقبل كوسوفو.
وبكلمات واضحة لا لُبس فيها، كتبت السيدة كالمي ري: “هنالك شرطان شرعيان يجب احترامهما، حق الأقلية الصربية في العيش في أمان وبدون تمييز، ورغبة غالبية سكان كوسوفو في تقرير المصير. في ظل هذه الظروف، يظل الحل الأكثر واقعية هو استفادة كوسوفو من استقلال رسمي في النهاية”.
مصالح .. وأولويات
من جهة أخرى، أكدت وزيرة الخارجية السويسرية أن ترويج برن لهذا الهدف “لا يعني التخلي عن دعمها لتحسين ظروف العيش لكافة الأقليات في كوسوفو، ولا الموافقة على إجراءات نصفية في مجال تطبيق المعايير المتمثلة في توفير ظروف مؤسساتية وعملية تضمن حقوقا متساوية لجميع سكان كوسوفو”. وهي معايير تطالب سويسرا بضمانها بشكل دائم.
وأضافت السيدة كالمي ري بهذا الشأن أن سويسرا ستواصل تسهيل الحوار بدعم القوى السياسية التي تبحث عن تسوية لمسألة كوسوفو تكون مقبولة بالنسبة لكافة الأطراف. وتعتزم برن التعاون مع الممثل الخاص للأمم المتحدة الذي يقود المفاوضات حول مستقبل إقليم كوسوفو.
كما تحدثت الوزيرة السويسرية بشكل مفتوح عن مصالح سويسرا في كوسوفو واصفة إياها بالـ”الأمنية” على المديين القصير والمتوسط، وبـ”الاقتصادية والسياسية” على المدى الطويل.
وتظل السيدة كالمي ري على قناعة بأنه “طالما ظل وضع كوسوفو غير محدد، لن يمكن تحديد حقوق الملكية ولن يمكن تحقيق أي استثمار أجنبي، وستظل إمكانيات الهجرة مرتفعة”، خاصة وأن البطالة تمس 70% من شباب إقليم كوسوفو، مما يجعله “أرضا خصبة لكافة الخطب الشعبوية”، على حد تعبير الوزيرة السويسرية التي أضافت “لا يوجد حل آخر غير الاستقلال، والاندماج الأوروبي – يوما ما- إذ هما العنصران اللذان سيتيحان توفير فرص لكوسوفو لتحسين اقتصاده بشكل دائم”.
مستشار سويسري للمفاوضين الصرب
في الأثناء، تم تعيين المحامي والأستاذ توماس فلاينر الذي يدير منذ عام 1984 معهد الفدرالية في جامعة فريبورغ، مستشارا قانونيا لفريق المفاوضين الصرب حول مستقبل وضع كوسوفو.
وفي حديث لسويس انفو، أوضح الخبير فلاينر أن حكومة جمهورية صربيا-الجبل الأسود لجأت إليه نظرا لإلمامه بالأنظمة الفدرالية، وللتعدد الثقافي والقانون الدولي. وسيقوم بدور المستشار القانوني للفريق الذي عينته حكومة بلغراد والمكون من ثلاثة عشر مفاوضا.
الخبير فلاينر أضاف في وصفه لمهمته ضمن ذلك الفريق “يمكن أيضا أن أقدم نصائح وأفكارا حول الحلول الممكنة في ضوء أمثلة أخرى للحكم الذاتي والتعدد الثقافي الموجودة في العالم”، مشيرا إلى أن الهيكلة الفدرالية لسويسرا “نموذج ممكن ضمن نماذج كثيرة”.
ويتوقع أن يقوم الخبير فلاينر خلال الأشهر القادمة، برحلات منتظمة بين سويسرا وصربيا والجبل الأسود، لكنه أوضح مسبقا أنه “لن تكون له مشاركة نشطة في المحادثات السياسية المحضة”.
إصلاح بخات – سويس انفو
انطلقت المفاوضات حول وضع كوسوفو رسميا يوم 21 نوفمبر 2005، بعد وصول المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتي آهتيساري إلى بريشتينا عاصمة الإقليم.
يجمع الخبراء على أن المفاوضات يجب أن تؤدي إلى منح نوع من الاستقلال لكوسوفو، لكن بلغراد تستبعد تماما فكرة الاستقلال.
منذ 1999، انتشرت قوات حفظ السلام الدولية “كي فور KFOR” في الإقليم تحسبا للمواجهات بين الأغلبية الألبانية والأقلية الصربية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.