لماذا قرر بوش التصعيد في العراق؟
كما كان متوقعاً على نِـطاق واسع، وضع الرئيس الأمريكي بوش نبيذ إستراتيجيته القديمة في العراق في قوارير جديدة وقدّمها إلى شعبه وإلى العالم على أنها "الخيار الوحيد" لإنهاء المأزق في العراق.
وكما كان متوقّـعاً أيضاً، ركًـز بوش على ثلاثة أمور..
الأول، أنه من الخَـطإ الجسيم، الإسراع في الانسحاب من العراق، لأن ذلك سيُـطلق إشارات خاطئة إلى “المتمردين العراقيين” (المقاومة) وإلى الجهاديين الدوليين في كل أنحاء الشرق الأوسط الكبير، وألمح إلى “الانتصار الأمريكي” في الصومال، بوصفه تأكيداً على شمولية الحرب العالمية ضد الإرهاب.
والثاني، أن الخُـطط الأمريكية في العراق، لم تستنفد خياراتها بعد، حيث لا زال بالإمكان العمل على بسْـط سُـلطة الأمن والنظام في بغداد، ومواصلة تدريب الجيش العراقي وتحقيق إقلاع اقتصادي في هذه الدولة، بفضل المساعدات الأمريكية السخية.
والثالث، الإعلان عن إرسال قوات أمريكية إضافية إلى العراق، رجَحت “نيويورك تايمز”، أن تتضمّـن إرسال 9000 جندي آخر إلى بغداد وخمسة كتائب يتكَـون كل منها من 3500 جندي إلى منطقة الأنبار الغربية.
لماذا يسير عكس التيار؟
بوادر مثل هذا التوَجه القديم – الجديد، برزت قبل أيام، حين دحرج بوش رؤوس الطاقم العسكري – السياسي الأمريكي المُـشرف على حرب العراق، من الجنرالين كاسي وأبو زيد، إلى السفير زلماي خليل زادة، وحين استبدلهم بعناصر عسكرية متطرّفة، كالجنرال ديفيد بترويس والأميرال وليام فالكن، إضافة إلى السفير ريان كروكر، الذي يُـعتبر أبرز خبير في الحروب الطائفية في الشرق الأوسط.
قبل ذلك، كانت تجري الوقائع الغريبة والمفاجئة لعملية إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والتي اتّـهم البعض المحافظين الجدد الأمريكيين بترتيبها تمهيداً لتفجيرات أمنية وعسكرية جديدة في بلاد الرافدين.
يتّـجه بوش إذن إلى التصعيد، ووضَـع جانباً تقرير بيكر – هاميلتون وتقارير البنتاغون ومجلس الأمن القومي، كما ضرب عرض الحائط بإحتجاجات الكونغرس، الذي بات ديمقراطياً والذي يطالب ببدء سحب القوات الأمريكية بدلا من زيادة عددها.
لكن، لماذا يسِـير الرئيس الأمريكي في عكس التيار على هذا النحو؟
ثمة تفسير يتيم: أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن وتل أبيب أقنعوه بطريقة ما أن النصر العسكري لا زال مُـمكناً في العراق، وبالتالي، من الخطأ الجسيم بدء الانسحاب الآن قبل تجربة هذه “الطلقة الأخيرة”، كل ما هو مطلوب، برأيهم، هو إبداء الإرادة والعزم، جنباً إلى جنب مع استخدام الهراوة العسكرية الثقيلة، أما الجانب السياسي، فسيتكفّـل به ريان كروكر، الذي تدرَّب طويلاً على تفجير التناقضات الطائفية في لبنان وبقية أنحاء الشرق الأوسط.
بيد أن حظوظ النجاح في هذه المحاولة الجديدة لن تكون في الغالب أفصل من “فرصة إبليس في دخول الجنة” مثلما يقال، فما لم يتمَكن 140 ألف جندي أمريكي من إنجازه خلال ثلاث سنوات، لن يستطيع 20 ألف جندي إضافي تحقيقه في ثلاثة أشهر.
وبعد استنفاد الطلقة الأخيرة، سيجد بوش نفسه مضطَـراً إلى العودة إلى الحلول الأولى للجنة بيكر – هامليتون الواقعية، لكنه سيفعل ذلك بعد أن يتسبّـب في المزيد من المآسي والكوارث وحمامات الدّم في العراق، وهذا بالمناسبة، الصلف الإمبراطوري الشهير وقد وضع قيد العمل للمرة الألف.
عولمة أم إمبريالية؟
هذه التطورات تطرح على بساط البحث مسألة في غاية الدقة، إن لم يكن الخطورة: هل بات الاستخدام الدائم والمفرط للقوة العسكرية في كل أنحاء العالم، هو السمة الأبرز لتوجّـهات السياسة الخارجية الأمريكية؟
ردّة فعل الديمقراطيين الأمريكيين على قرار الرئيس الجمهوري بوش بإرسال المزيد من الجنود، يشي بذلك. فهؤلاء، وبرغم، تأييدهم شبه الجماعي لإعادة نشر القوات الأمريكية في بلاد ما بين النهرين، قرروا معارضة خطوة بوش “بشكل رمزي” فحسب. لماذا؟
قادة الديمقراطيين قدَّموا مُـبررات دستورية حيث قال عميد سياستهم الخارجية السيناتور جوزف بايدن: “لا نستطيع أن نفعل شيئاً. لا أحد يستطيع. الرئيس، هو القائد الأعلى للقوات ويستطيع اتخاذ قرار الحرب بمفرده”، بيد أن هذا التبرير أبعد ما يكون من الحقيقة.
فالدستور الأمريكي ينُـصّ في مادّته الأولى على أن السلطة التشريعية هي التي تملك قرار الحرب، والكونغرس الديمقراطي يستطيع وقف الحرب في أي لحظة يريد، مثلاً عبر رفض تخصيص أموال جديدة للعمليات العسكرية أو بإصدار قانون يحظر على الرئيس إرسال المزيد من القوات أو بتقليص فترة الخِـدمة في أرض المعركة.
ثم، في حال اتّـخذ الديمقراطيون مثل هذه الخطوات الجذرية، لن يكون هذا انتحارا سياسياً، لأن 17% فقط من الأمريكيين يؤيِّـدون خطوات بوش التصعيدية. لماذا إذن يتردد هؤلاء في التحرّك لوقف الحرب؟ هذا السؤال يثير سؤالاً آخر: هل أمريكا تقاتل بصفتها إمبراطورية جديدة (العولمة) أم بكونها إمبريالية من الطراز القديم؟
الأمور تبدو ملتبسة. فحرب أمريكا في العراق وتدخُّـلاتها في إفريقيا وآسيا الوسطى على سبيل المثال، تحمِـل كل سِـمات الحروب القومية الإمبريالية أو الاستعمارية، فيما حروبها في البلقان وأمريكا اللاتينية ونفوذها العسكري في آسيا – المحيط الهادي، عليه دمغة عولمة واضحة سبق للإستراتيجي الأمريكي ريتشارد بورث أن أوضح طبيعتها بقوله: “أي دولة أو أمة ترفض الاندماج بالعولمة، ستجد عند الصباح قوات المارينز في عاصمتها”.
لكن هناك مخرج من هذا الالتباس يمكن إسناده إلى المعادلة التالية: أمريكا إمبريالية بالتأكيد، لكنها إمبريالية من نوع خاص بسبب التقاطع الشديد بين مصالحها القومية الاقتصادية في العالم وبين دورها كشرطي للنظام الدولي يعتاش من هذا الدور.
بكلمات أوضح: أمريكا متعولمة لأنها إمبريالية، وبما أنها قد تفقد وظيفتها في العولمة (وبالتالي، في الاقتصاد العالمي) إذا ما تخلّـت عن دورها الإمبريالي العنيف، فهي مضطرة لشن الحروب بشكل دائم.
العالم الفرنسي إيمانويل تود سبق أن ألمح إلى هذه الفرضية، حين أوضح بالأرقام والمعطيات الاقتصادية كيف يمكن لأمريكا أن تنزل عن عرش الزعامة العالمية، إذا ما فشلت في مواصلة إقناع الدول الأخرى بأنه لا غِـنى عن دورها كشرطي العالم، وهي في سبيل ذلك، لن تتورع عن اختراع الحروب، في حال لم يتوافر أي منها في أي وقت.
هل هو استنتاج متطرف؟ ربما، لكن عشرات الحروب، التي شنتها أمريكا ولا تزال في العالم منذ نهاية الحرب الباردة، تُـوحي بأن ثمة قدراً كبيراً من “الاعتدال” في هذه الحصيلة المتطرفة!
سعد محيو – بيروت
أبلغ الرئيس جورج بوش الامريكيين المتشككين يوم الاربعاء 10 يناير انه سيرسل نحو 21500 جندي أمريكي آخرين الى العراق، وقال في اعتراف نادر أنه أخطأ في الماضي بعدم إشراكه عددا أكبر من الجنود في الحرب التي لا تحظى بتأييد شعبي.
وقال بوش في كلمة من البيت الابيض على شاشات التلفزيون “الوضع في العراق غير مقبول للشعب الامريكي وغير مقبول لي. وحيثما وقعت أخطاء فان التبعة تقع على كاهلي”.
ومع الاستياء المتزايد بين الامريكيين من اسلوب ادارته الحرب، قال بوش انه سيمارس صغوطا أكبر على العراقيين ليعيدوا الامن والنظام في بغداد واستخدم ألفاظا قاسية لتحذير رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من ان “التزام امريكا ليس مطلقا”.
وقال بوش “اذا لم تنفذ الحكومة العراقية وعودها فسوف تخسر تأييد الشعب الامريكي وستخسر تأييد الشعب العراقي”.
وأضاف قوله ان استراتيجيته الجديدة التي تقضي بان يتولى العراقيون مسؤولية الأمن في كل المحافظات الثماني عشرة بحلول نوفمبر الماضي بدلا من ثلاث محافظات فحسب في الوقت الحالي “لن تؤدي الى نهاية فورية للتفجيرات الانتحارية” وحوادث العنف الأخرى.
وقال “العام الحالي سيتطلب مزيدا من الصبر والتضحية والحزم”، وأضاف بوش ان محاولات سابقة لتأمين بغداد باءت بالفشل لانه “لم تكن توجد قوات عراقية وامريكية كافية لتأمين الاحياء التي تم تطهيرها من الارهابيين والمتمردين” وان القوات هناك تخضع لقيود كثيرة، وكان ذلك اعترافا نادرا بالخطأ من جانب بوش. وقال ان قادته العسكريين راجعوا الخطة الجديدة وأكدوا له انها تعالج المشكلات، واتهم ايران وسوريا بالسماح للارهابيين والمتمردين باستخدام اراضيها في دخول العراق والخروج منه وتعهد “باننا سنقطع تدفق الدعم من سوريا وايران”.
وقبل زيارة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للشرق الاوسط قال بوش ان السعودية ومصر والاردن ودول الخليج “يجب ان تفهم ان هزيمة امريكا في العراق ستخلق ملاذا جديدا للمتطرفين وخطرا استراتيجيا على بقائها”.
وجاء قرار الرئيس إرسال مزيد من القوات الأمريكية الى الحرب التي مضى عليها نحو أربعة أعوام .. 17500 الى بغداد و4000 الى محافظة الانبار المضطربة تحديا للديمقراطيين الذين وصفوه بانه تصعيد للحرب. ولم يحدد بوش جدولا زمنيا لنشر قوات جديدة.
وقال مسؤولون كبار في الحكومة الامريكية ان بوش سيطلب من الكونجرس تخصيص حوالي 5.6 مليار دولار لتمويل زيادة القوات و1.2 مليار دولار اخرى لبرامج الاعمار والتوظيف التي تهدف الى ايجاد فرص عمل للعراقيين ومنعهم من الانضمام الى صفوف الميليشيات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.