لولا أنها إسرائيل…!
"إن مايحدث هنا ما كان يمكن قبوله لو حدث في منطقة أخرى"، قائل هذه العبارة هو ممثل سويسرا الدبلوماسي لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله نيكولاس لانج. ورددها من بعده أعضاء الوفد البرلماني السويسري في مؤتمر صحفي إثر عودتهم يوم الاثنين من زيارة إستغرقت أربعة أيام إلى المناطق الفلسطينية المحتلة.
“لم كل هذا العنف”؟ كان ذلك السؤال هو القاسم المشترك في كل ما سرده أعضاء الوفد البرلماني السويسري الثلاثة عن انطباعاتهم التي خرجوا بها من زيارتهم إلى المناطق المحتلة. فقناعتهم أن “نوعية العنف” الذي شاهدوه هي مربط الفرس في الأزمة القائمة.
“هناك أنواع مختلفة من العنف، وما شاهدناه في الأراضي المحتلة هو عنف من نوع أخر، عنف صارخ.. وشرس” تقول البرلمانية السويسرية آنا كاثرين مينيتريه. كيف يمكن للعنف أن يكون صارخا؟ عندما يخرج عن نطاق التدمير المباشر إلى محاولة سحق هوية الخصم وكيانه. ساعتها يتحول إلى عنف متعمد ومنظم.
“لم يقشعر بدني لرؤية البيوت التي هدمتها الجرافات الإسرائيلية، رغم بشاعة منظرها” يردف البرلماني أندريا هامرللي “بقدر ما أرعبني رؤية الدمار الذي لحق بكل ما له علاقة بالحياة اليومية للفلسطيني”.
فما الداعي على سبيل المثال إلى استهداف المنظمات الإنسانية والطبية بالتدمير؟ ولم يكلف الجنود الإسرائيليون أنفسهم عناء كسر أجهزة الكمبيوتر المتواجدة في المباني التي هدمتها دباباتهم؟ ثم كيف يمكن تبرير اقتلاع كل الأشجار المتواجدة في حقل فلاح فلسطيني.. هكذا أمام عينيه؟ ناهيك عن تدمير شبكات المياه التي تمد المواطنين بمياه الشرب.. وإلى المدى الذي حرم سكان قطاع غزه “الذين يعيشون في سجن كبير والمعزولين عن العالم الخارجي” من مياه الشرب. أما المستوطنون اليهود في القطاع (الذين يبلغ عددهم ستة آلاف مستوطن مقابل مليون ومائتي ألف فلسطيني) فإن المياه تصل إليهم “بالطبع” بدون مشاكل.
“ليس الأمن هو الهدف..”
لا يبدو أعضاء الوفد السويسري، الذين ينتمون إلى الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، مقتنعين بأن الهدف من الممارسات العسكرية الإسرائيلية هو تحقيق الأمن. “ليس الأمن هو الهدف.. بل كرامة الفلسطيني” يقول السيد هامرللي.
يشير الوفد بالتحديد إلى نقاط التفتيش التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للشعب الفلسطيني. “يقفون طوابير طوابير.. في صمت وصبر لا حول لهم ولا قوة.. في انتظار المرور بنقاط التفتيش” تقول البرلمانية روث جابي فيرموت. ينتظرون لساعات وأحيانا لأيام كي يتمكنوا من العبور من منطقة إلى أخرى.
“لو رأيتم طوابير المنتظرين في قالانديا، التي تقع بين القدس ورام الله، لفهمتم جوهر الأزمة، ولتفهمتم منطق الانتحاريين” يقول السيد هامرللي. هذا لا يعني أن الوفد يؤيد العمليات الانتحارية الفلسطينية. فهو يدينها بلا تحفظ. لكنه أبدى في الوقت ذاته تفهما لأسبابها ودوافع نشوئها:”عندما تعيش في ظل تلك الأوضاع فإنك بالتأكيد ستفقد الأمل” تقول السيدة فيرموت.
أما الغريب في كل ذلك، كما يشرح السيد هامرللي، أنه مقابل كل نقاط التفتيش المتواجدة، والتي يفترض أنها تحقق الأمن للمواطن الإسرائيلي، توجد مناطق في الضفة الغربية يستطيع المرء العبور من خلالها بلا رقابة!
“هكذا تمكنا من التسلل من الخط الأخضر إلى مخيم جنين عبر إحدى تلك المناطق” بعيدا عن أعين القوات الإسرائيلية. واستطاعوا لذلك أن يشاهدوا حجم الدمار الذي لحق بالمخيم وإلى المدى الذي دفع بالسيدة فيرموت إلى أن تجهش بالبكاء أمام عدسات الكاميرا، ولتصف شعورها عند عودتها إلى بيرن بأنها لم تشعر في حياتها ب”العجز” كما شعرت في تلك اللحظة.
لا بد من تدخل دولي..
كرر أعضاء الوفد في مؤتمرهم الصحفي، الذي عقدوه مباشرة إثر عودتهم من رحلتهم صباح الاثنين، ما قاله لهم نيكولاس لانج ممثل سويسرا الدبلوماسي لدى السلطة الوطنية الفلسطينية والمقيم في رام الله “إن ما يحدث هنا ما كان يمكن قبوله لو حدث في منطقة أخرى”.
ولأن الأمر كذلك، يجد الوفد صعوبة في تصور إمكانية التوصل إلى حل “عادل” للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. غير أن هذا لم يمنعه من تحديد عدد من المطالب التي يراها لازمة لنزع فتيل الأزمة. فهو يؤكد أولاً أن أي حل للنزاع لا بد أن يبدأ بتحقيق هدفين: إزالة نقاط التفتيش “المهينة”، وإزالة المستوطنات اليهودية التي “شرذمت المناطق الفلسطينية وفتتتها”. ويعتبر أن التدخل الدولي وإرسال قوات دولية للسلام إلى المنطقة خيار ضروري لا يمكن تجنبه.
على الجانب السويسري، كرر الوفد مطالبته الحكومة الفيدرالية قطع علاقاتها العسكرية مع تل أبيب. وأعتبر أن عليها دورا يجب أن تقوم به: فهي ملزمة أدبيا بالدعوة إلى إجراء تحقيق دولي فيما حدث في مخيم جنين، واقتصاديا بالمساهمة المباشرة في إعادة بناء البنية التحتية الفلسطينية ودعم الجمعيات غير الحكومية.
في مقابل تلك المطالب، وجد الوفد لزاما أن يعبر في ختام مؤتمره الصحفي عن الانطباع الأخير الذي بقي راسخا في نفوس أعضاءه أي “مقدرة الفلسطيني على الابتسام رغم كل شئ”. تجلت تلك المقدرة في حادثة عايشوها في مخيم جنين. فإثر استكمال زيارتهم، دخلوا مقر عمدة المخيم. هناك استمعوا إلى نشرة أخبار إذاعية، جاء فيها أن الرئيس الأمريكي جورج بوش وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون أنه “رجل سلام”.
“بدت المفارقة كبيرة ونحن نستمع إلى تلك العبارة. ففي ذات تلك اللحظة بدأت القوات الإسرائيلية في قصف مقر عمدة جنين الذي نجلس فيه. لم يعلق العمدة بكلمة على عبارة الرئيس بوش. اكتفى بالابتسام وهو يقول لنا: أعتقد أنه قد حان وقت ذهابكم”.
إلهام مانع – برن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.