ليبيا: تسريع التطبيع مع أمريكا وتأجيل الانفتاح السياسي
ما من شك بأن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي كان من أسعد الناس بسيطرة الديمقراطيين على الأكثرية في مجلس النواب، اعتبارا من يوم الخميس 4 يناير الجاري.
ومن المرجح أن تسريع نسق التطبيع مع واشنطن وعقد صفقات تسليحية ضخمة مع باريس، سيُـسيطران على الأجندة الليبية لعام 2007.
ما من شك بأن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي كان من أسعد الناس بسيطرة الديموقراطيين على الأكثرية في مجلس النواب، اعتبارا من يوم الخميس 4 يناير الجاري.
فالأغلبية الجمهورية السابقة في المجلس هي التي فرضت يوم 30 يونيو الماضي إدخال تعديل على موازنة وزارة الخارجية لسنة 2007 حال دون تخصيص الإدارة أي اعتمادات تتعلّـق بتطبيع العلاقات مع ليبيا.
وكان الهدف من الخطوة، التي تمّـت بمبادرة من النائب الجمهوري جون سويناي، عرقلة فتح سفارة في طرابلس طالما لم يُستكمل دفع التعويضات لضحايا الطائرة الأمريكية التي تفجّـرت في سماء “لوكربي” عام 1988.
ومن هنا، ينبغي توقّـع تسريع خطوات التطبيع الدبلوماسي بين طرابلس وواشنطن في العام الجديد، والعقبة الوحيدة المتبقِّـية في طريق هذا المسار، هي قضية المُـمرضات البلغاريات، التي سيجد القذافي حلا لها على طريقته.
وحتى إعلان ليبيا الحِـداد ثلاثة أيام على إثر إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لن يعكِّـر أجواء التطبيع، رغم الانزعاج الأمريكي من الخطوة، خاصة أن أيّـا من العواصم العربية لم تحْـذُ حذوها.
وربما لم ينس الأمريكيون أن وكيلة الخارجية الأمريكية للديمقراطية والشؤون الدولية باولا دوبريانسكي، كانت تختتم زيارة مُـهمة لليبيا على رأس وفد كبير في اليوم الرابع من العُـدوان الإسرائيلي على لبنان، في إطار التطبيع الدبلوماسي، الذي انطلق مع تخلّـي ليبيا عن برامجها الخاصة بتطوير أسلحة الدمار الشامل.
كما كان لافتا أيضا، أن الوفد المغاربي الوحيد الذي حضر فعاليات المنتدى الاقتصادي السنوي العربي – الأمريكي في هيوستن العام الماضي، كان وفدا ليبيا، فيما غابت بُـلدان معروفة بعلاقاتها العريقة مع أمريكا، مثل المغرب وتونس.
والأرجح، أن قطار التطبيع سيزداد سُـرعة في العام الجاري، بعدما سحبت الإدارة الأمريكية اسم ليبيا من لائحة البلدان الراعية للإرهاب في العام الماضي، مما شكّـل علامة قوية على مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، وظهرت نتائج تلك النّـقلة، من خلال كثافة الاستثمار الأمريكي في البلد وكثرة الوفود الليبية، الرسمية والخاصة، التي باتت تزور الولايات المتحدة.
مع ذلك، ينبَـه مُـحللون إلى أن استمرار بعض السّـحب في سماء العلاقات الثنائية لا زالت تشكِّـل عقبات تحُـول دون تكريس تطبيع كامل بين العاصمتين، مُستدلّـين بتأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس لدى إعلانها عن التطبيع الكامل مع ليبيا في 15 مايو الماضي، أن السفارة الأمريكية في طرابلس “ستُعيد فتح أبوابها في وقت وشيك”، وهو ما لم يتم.
علاقة خاصة مع فرنسا
ومع أوروبا، يمكن القول أن العلاقات مُقبِـلة على آفاق أكبر، إذا ما تمّـت تسوية ملف الممرضات البلغاريات والتفاهم على إدارة ملف الهجرة غير الشرعية في إطار “السياسة الحازمة واليقظة”، التي طرحها الجانب الأوروبي في الندوة الوزارية الأوروبية – الإفريقية، التي استضافتها ليبيا في العام الماضي.
ولئن لعبت إيطاليا برُودي وبريطانيا بلير دورا مُـهما في دعم طلب ليبيا الانضمام إلى مسار برشلونة، بعدما ظلّـت خارجه بسبب العقوبات التي أقرها في شأنها مجلس الأمن بالقرارين 748 و883، فإن فرنسا هي المُرشحة لكي تكون الشريك المفضّـل لليبيا في عام 2007.
فقد قطعت البلدان شوطا كبيرا في سلسلة من الصفقات الرامية لشراء طائرات عسكرية ومدنية وخافرات سواحل وأجهزة رادار في تطور أعاد العلاقات إلى شهر العسل، الذي سبق تسلم الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران الحكم عام 1981، وربما شكّـل الفوز المرتقب للمرشحة الاشتراكية سيغولين روايال، الإطار الجديد لاستعادة العلاقات الوثيقة السابقة مع اليمين الديغولي.
وكانت باريس توصّـلت إلى صفقة مع ليبيا لتحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج إف1، كانت اشترتها منها قبل فرض حظر على تصدير الأسلحة إليها. وتعهّـدت شركتا “أستراك” و”داسو للطيران” بمتابعة المفاوضات الفنية التي ستُـحدِّد سِـعر كُـلفة التحديث، والتي تراوح بين 10 و20 مليون يورو لكل طائرة، بحسب مستوى التجديد الذي سيطلبه الجانب الليبي، وتتميّـز هذه الفئة من الطائرات بأنها مجهَّـزة بصواريخ جو جو من طراز “ماجيك”، كذلك أبرمت مجموعة “إيدس” EADS)) للتصنيع الحربي صفقة مع ليبيا لتجهيزها بنظام رادار لمُـراقبة الحدود والمواقع النفطية، وأبدى الليبيون مَـيلا لنظام الدِّفاع الجوي المعروف بأستر (Aster).
ولم تقتصر خُـطة التّـحديث العسكرية الليبية على القوات الجوية، وإنما شمِـلت الدِّفاعات البحرية أيضا، إذ وقَّـع الليبيون بالأحرف الأولى في يوليو الماضي على صفقة مع شركتي “تيليس” (Thales) و”المنشآت الميكانيكية” في مقاطعة نورماندي (شمال)، لبناء ست خافرات سواحل مجهَّـزة بالصواريخ الفرنسية – الإيطالية “أوتومات” بقيمة 400 مليون يورو، فيما توصّـلت مجموعة “إيدس” إلى اتفاق مع مؤسسة “ليبيا أفريكا بورتوفوليو” لإقامة مركز للتّـدريب والصيانة في مجال الطيران الحربي.
وشملت الصفقات مع فرنسا اتِّـفاقا مبدئِـيا بين مجموعة “إيدس” EADS)) والخطوط الليبية (الإفريقية)، يخُـص شراء 14 طائرة من طرازي إيرباص أ319 وإيرباص أ320، وست طائرات أخرى من طراز إيرباص أ 330، وتقدّر قيمة هذه الصفقة بـ 1.7 بليون دولار، وتُـعتبر هذه الصفقة، الأكبر التي حصدتها المجموعة الفرنسية منذ ثلاثين عاما، ويسعى الفرنسيون للحصول على حصَّـة رئيسية من المشاريع العسكرية الكبيرة، التي تخطط لها ليبيا للمرحلة المقبلة، والتي قدروا مُـوازنتها الإجمالية بنحو 20 بليون دولار.
وأعطت الحكومة الفرنسية، التي تأمل الحصول على حصّـة لا تقل عن عشرين في المائة من الصّـفقات العسكرية الليبية، مُـوافقتها على بيع طائرات جديدة من طِـرازي “رافال” و”تيغر” لليبيا، لكنها اشترطت أن تمر من خلال اللِّـجان الوزارية المُـشتركة المكلّـفة بـ “دراسة تصدير العتاد الحربي”، ويعتبِـر الفرنسيون أنهم تأخَّـروا في قطف ثِـمار المتغيِّـرات المتمثلة في رفع الحظر على تصدير السلاح إلى ليبيا منذ سنتين، ولذا، من المتوقّـع أن يعملوا خلال عام 2007 على “كسب الوقت الضائع”.
غير أن الأمريكيين حققوا سبْـقا من نوع آخر، عندما استضافوا في سياتل طيارين ومهندسين من شركة “البُراق” الليبية الخاصة للطيران، لتلقّـي تدريبات على جيل جديد من طائرات “البوينغ 800 – 737″، وهو ما أكّـده مدير الشركة محمد أبو بيضة في شهر سبتمبر الماضي.
فرملة الإصلاح
أما على الصعيد الداخلي، فيبدو عام 2007 عسيرا بالنسبة للإصلاحيين، إذ يأتي بعد تنحِـية رئيس الوزراء الليبرالي الدكتور شكري غانم مطلع شهر مارس 2006 واستبداله بالوزير المُـخضرم البغدادي المحمودي، واعتُـبرت تلك الإقالة ضربة قوية لفريق الإصلاحيين بزعامة سيف الإسلام، النجل الأكبر للعقيد القذافي.
وتعزَّز هذا المُـنحى بابتعاد سيف الإسلام نفسه عن التعاطي مع الملفات السياسية وسفره إلى خارج ليبيا، مما اعتُـبر مؤشرا على إرجاء فتح ملف الإصلاحات التي تُـطالب بها المعارضة في الداخل والخارج على السواء.
ومن باب المُزاح، حمَل بعض السياسيين الليبيين المسؤولية لموقع غانم على شبكة الإنترنت، الذي خصّـص قسما منه لتقويم أدائه الحكومي فأعطى نتائج سلبية، ما جعل بعض زوار الموقع ينصحوه بإقفاله خِـشية استخدام النتائج من قِـبل خصومه في مؤتمر الشعب العام للتخلص منه.
وعلى رغم تكليفه بحقيبة، لا يسلِّـمها القذافي إلا لمن يثق فيه ثقة كاملة، والمتمثلة في إدارة ملف النفط، الذي يُعتبر في قلب العلاقات الليبية – الغربية، فإن تنحِـيته من رئاسة الوزراء، شكّـلت مع ذلك ضربة للجناح الإصلاحي داخل خيمة الحكم.
كما أن سحب المِـلف السياسي من يدَيْـه، يُعتبر تقويضا للجُـهود التي بدأها لمكافحة الفساد، إذ كان شكّـل إدارة جديدة كي تتولى مهام البحث والتحرّي عن حقيقة ثروات الشخصيات الاعتبارية العامة والخاصة، بُـغية إخضاعها للتشريعات النافذة.
ولم يكن غانم مُـتعارضا في هذا الخيار مع سياسة القذافي الأب، الذي أطلق دعوة لمحاربة الفساد في يناير الماضي خلال حضوره جلسةً لمؤتمر الشعب العام، مُـطالِـبا بتشغيل جِـهاز استخبارات مالي “لمكافحة هذه الظاهرة في جميع أشكالها وصورها”، أردفها بتحذيره في الشهر الماضي من اندلاع ثورة الجياع في ليبيا، وهو الموقف الذي اعتبره مراقبون مُـحاولة لامتصاص الغضب من ارتفاع تكاليف الحياة في بلد ينعم بثروة نفطية ضخمة.
ويمكن القول أن إحدى تداعِـيات انتِـكاسة الإصلاحيين، تمثلت في تجميد مِـلف الحِـوار مع جماعات المُـعارضة، وخصوصا التيارات الإسلامية في الداخل والخارج، التي قطع نجل الزعيم الليبي معها أشواطا مُـهمة في تطبيع الأوضاع.
وفيما أطلِـق عددٌ من السُّـجناء وعاد معارضون من الخارج في السنة الماضية، تكشفت حدود لعبة الانفتاح القائمة على مقايضة الإفراج عن المعتقلين (أو عودة المنفيين) بالتخلّـي عن أي نشاط معارض.
أكثر من ذلك، عادت الأوضاع إلى التأزُّم في العام الماضي مع أحداثِ مُعتقل أبو سليم (في جنوب طرابلس)، التي أدّت إلى مقتل أحد السجناء وإصابة آخرين، من بينهم رجال أمن، ودفعت خطورة الاعتصام، الذي نفّـذه مَـن سمّاهم بيان رسمي بـ «الزنادقة» يوم 10 أكتوبر الماضي، إلى «الاستعانة بقوة إضافية من الأمن العام، التي تمكّـنت، بالتعاون مع مجموعة حراسة السجن، من إعادتهم إلى عنابرهم بعد جُـهد كبير»، طِـبقا لما جاء في البيان نفسه.
وكان أفراد المجموعة “المتمرِّدة” مثَلوا أمام محكمة الشعب (التي أُلغيت لاحقاً)، بتُـهمة الانتماء إلى تنظيم محظور ومُـمارسة أعمال القتل والتخريب والإرهاب وسرقة الأسلحة والتزوير، وأحِـيل المتّـهمون بعد ذلك إلى محكمة الجِـنايات التخصصية، وهي محكمة متخصِّـصة في مُـكافحة جرائم الإرهاب، وباشرت النظَـر في القضية في جلسات عدّة خلال العامين الماضيين. وينتمي مُـعظم المعتقلين إلى «الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا»، المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وقد صدَرت في حقّ أكثر من مائة من أعضاء الجماعة، عقوبات بالسجن فترات طويلة، بما في ذلك السجن مدى الحياة.
ونظم السجناء الاحتجاج، بحسب السلطات، للضغط من أجل تلبية مطالب تتعلّـق بتحسين أوضاعهم في السِّـجن وتوفير طعام أفضل والتعجيل بإجراءات المُـحاكمة للسُّـجناء المعتقلين منذ أعوام من دون محاكمة.
والأرجح، أن الاشتباكات التي شهدتها تونس في الأيام الأخيرة، وكذلك اعتقال 26 عنصرا متّـهمين بالانتماء لتنظيم “القاعدة” في المغرب، تشكِّـل حوافز على بلورة موقف مغاربي، يعتمد المزيد من التشدّد في التعاطي مع الجماعات السلفية المسلحة، ويستبعد في الوقت نفسه أي تفاهم مع الحركات الأصولية المعتدلة، أقلّـه في ليبيا وتونس.
تونس – رشيد خشانة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.