ليس على حساب المزارعين السويسريين!
تبدي الأوساط الفلاحية السويسرية تخوفا من أن تضطر لدفع ثمن التنازلات المقدمة في مجال المفاوضات التجارية الجارية حاليا في منظمة التجارة العالمية.
كما ينتقد المزارعون “الضغوط المبالغة” الممارسة عليهم داخليا من طرف الأوساط الاقتصادية الراغبة في تسوية ملف مفاوضات الدوحة، ملوحين باللجوء إلى سلاح الاستفتاء الشعبي.
مع قرب انعقاد جولة يونيو للمفاوضات في منظمة التجارة العالمية حول وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق وفقا لما جاء في اتفاقيات الدوحة، تشهد الساحة الفلاحية السويسرية تشنجا بلغ ذروته في تعبير المزارعين السويسريين عن مخاوفهم من أن يدفعوا وحدهم ثمن هذه التسوية التي طال انتظارها منذ أختتام جولة مفاوضات الدوحة عام 2001.
اتحاد المزارعين السويسريين عبر عن قلقه بخصوص المنحى الذي بدأت تسلكه المفاوضات الزراعية داخل منظمة التجارة العالمية. وبالاعتماد على الاقتراحات المقدمة لحد الآن لرفع الدعم المقدم لمزارعي الدول المتقدمة، وتسهيل وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق، يقدر اتحاد المزارعين السويسريين الخسائر السنوية للقطاع الفلاحي بحوالي 2،5 مليار فرنك، وهو ما يعني “كارثة ذات عواقب وخيمة” على حد تعبير جاك بورجوا مدير الاتحاد.
صعوبات ومخاطر
أما الاتحاد السويسري لمزارعي الخضر، الذي عبر عن معارضته لهذه الحلول المقترحة في مظاهرة نظمها يوم 18 مايو الماضي في برن تحت شعار “مقبرة الخضر”، فيرى أن فتح حدود الكنفدرالية بوجه الواردات الزراعية الأجنبية يشكل قضاءا نهائيا على نشاطات مزارعي الخضر في هذا البلد.
ورغم تفهمه لضرورة التوصل إلى توحيد للنظام التجاري المتعدد الأطراف، يعتبر ميلخيور إيرلر، رئيس الاتحاد السويسري لمزارعي الخضر أنه “من الصعب الحفاظ من جهة على متطلبات المعايير السويسرية الصارمة في مجال الإنتاج الفلاحي، والقدرة من جهة أخرى على منافسة المنتجات الأجنبية”.
ومن الناحية العملية، سيؤدي فرض هذه الحلول المرفوضة من قبل المزارعين السويسريين إلى تهديد وجود حوالي 3150 وحدة إنتاج فلاحي، وإلى إحالة أكثر من 30 ألف عامل في القطاع الزراعي على البطالة.
خصوصية المعايير
ويمكن القول أن مشكلة النشاط الزراعي السويسري تتمثل في خضوعه لمعايير بيئية واجتماعية واقتصادية عالية جدا (من وجهة نظر الاتحادات المهنية) مقارنة مع ما هو معمول به في العديد من الدول المنافسة. إذ يرى مزارع من جنيف أن “أجور اليد العاملة الفلاحية في سويسرا مرتفعة جدا مقارنة مع ما تقدمه إسبانيا من أجور للعمال القادمين من شمال إفريقيا”.
أما من الناحية البيئية، يدعم “تجمع المزارعين السويسريين الملتزمين بزراعية بيولوجية”(أي التي لا تستعمل الأسمدة الكيماوية) مطالب مزارعي الخضر. لذلك فإن المسألة برأي رئيس الاتحاد ميلخيور إيرلر “لا تقتصر على تمديد النشاط الاقتصادي للمزارعين بل في الإجابة بالدرجة الأولى عن التساؤل التالي: أي فلاحة وأية أنواع من الخضر يرغب المجتمع السويسري في استهلاكها”؟.
في المقابل، يهتم المستهلك السويسري بالجانب الثالث من المسألة أي بالسعر، وفي هذا المجال لا مفر من الإعتراف بأن الإنتاج الزراعي السويسري غير قادر على منافسة الطماطم الإسبانية أو المغربية. وهو ما تقر به الاتحادات المهنية السويسرية نفسها.
تحذير للمفاوضين
من جانبها، تحرص الاتحادات المهنية الفلاحية السويسرية على جلب الانتباه – داخليا وخارجيا- إلى ضرورة مراعاة خصوصية القطاع الزراعي في الكنفدرالية. وتتمثل هذه الخصوصية برأي جون ديبرا، ممثل الاتحاد السويسري للمزارعين في “الأوجه غير التجارية للنشاط الفلاحي”، كالحفاظ على الطبيعة من خلال ممارسة النشاط الفلاحي، والحيلولة دون نزوح اليد العاملة من الأرياف إلى المدن، وتعزيز الترابط الاجتماعي عبر الإبقاء على مزارع عائلية صغيرة وغير مربحة.
لذلك ترغب الأوساط الفلاحية السويسرية في مواصلة تمويل هذه “الخصوصيات” من قبل أنظمة الدعم المباشر وغير المباشر الحكومية، مع إبداء شيء من الليونة فيما يتعلق بقبول تخفيضات إضافية فيما يتعلق بالدعم الحكومي المقدم للمنتجات الزراعية، أو بإلغاء نهائي على المدى البعيد للدعم الذي تحصل عليه الصادرات الزراعية بمختلف أنواعها.
في المقابل، حذرت الأوساط الفلاحية – على لسان الناطقين باسم الاتحاد السويسري للمزارعين – المفاوضين السويسريين المشاركين في مفاوضات منظمة التجارة العالمية من مغبة مراعاة مصالح القطاع الاقتصادي وحده على حساب القطاع الفلاحي.
كما ناشد رئيس الاتحاد ميلخيور إيرلر رئيس الكنفدرالية جوزيف دايس “تحليل الأوضاع بدون تحيز ووفقا لمطالب جميع القطاعات وعدم الاكتفاء بمطالب القطاع الاقتصادي وحده”.
“سـلاح الإستفتاء”
يُذكر أن جولة الدوحة أقرت في عام 2001 جملة من الإجراءات المنصفة للدول النامية تسمح لها بإيصال منتجاتها الزراعية إلى أسواق البلدان المتقدمة. ومن أهم العقبات التي كانت تحول دون بدء تنفيذها ضخامة الدعم المباشر والمقنع الذي تقدمه الدول الصناعية إلى قطاعاتها الزراعية وهو ما يحول دون منافسة نزيهة في الأسواق.
ومع اقتراب الموعد النهائي لغلق ملف جولة الدوحة (أي شهر يناير 2005)، بدأت الأفكار تتبلور، إثر تداول الدول المعنية للعديد من الاقتراحات التي وصلت إلى حد الإعلان قبل أسابيع قليلة في بروكسل عن احتمال رفع كامل للدعم.
من جهة أخرى، تجري هذه الأيام مفاوضات بين “مجموعة العشرين” للبلدان النامية، وبلدان مجموعة “كيرنز” المصدرة للمنتجات الزراعية، بغرض الرد على الاقتراحات الأمريكية والأوربية في هذا المجال.
هذا وتطالب الأوساط الفلاحية السويسرية بترك مجال مناورة يسمح للدول بحماية بعض القطاعات الإنتاجية الحساسة فيها من خلال الاعتراف بـ “الخصوصية الجغرافية للنشاط الفلاحي”. ومن القطاعات الحساسة بالنسبة لسويسرا في هذا المجال قطاعات إنتاج الخضر واللحوم والحليب، مع استبعاد لقطاع الأجبان.
وفي حال عدم وجود آذان صاغية سواء داخلية او خارجية لهذه المطالب، يهدد الاتحاد السويسري للمزارعين على لسان نائب رئيسه جون ديبرا باللجوء إلى “سلاح الاستفتاء الشعبي”..
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.