ليس من حقك الاحتفاظ بالجنسية !
ضجة إعلامية ثارت فجأة .. ثم خفتت! دولة قطر تسحب الجنسية عن عدد كبير من مواطنيها، ممن ينتمون إلى فخيذة الغفران من قبيلة آل مرة.
الخبر صحيح، ويعبر عن ظلم فعلي تعرض له قطريون على أيدي دولتهم. لكن أسبابه تبقى غامضة وغير واضحة تماما.
الشيء الأكيد هو أن الخبر صحيح، مثلما أوضحته لسويس انفو عدة مصادر قطرية وغير قطرية. أما أسبابه فتظل محل أخذ ورد، وشد وجذب. كلٌ يقدم حججه، وكلٌ له دواعيه.
ما هو مؤكد هو أن السلطات القطرية اتخذت قراراً على مدى الأشهر الماضية بنزع الجنسية القطرية عن عدد كبير من ألأشخاص الذين ينتمون إلى فخيذة الغفران من قبيلة آل مرة، ثم سَحبت تداعيات هذا القرار على كل من ينتمون إليهم بحكم القرابة.
العدد الفعلي لمن نزعت عنهم الجنسية ليس معروفاً، لاسيما مع غياب تقديرات موثقة من مصادر رسمية. إلا أن بعض المصادر الإعلامية حددت العدد بألف شخص سُحبت منهم الجنسية القطرية، وخمسة ألاف شخص من أقاربهم، ممن تضرروا من القرار.
في المقابل، نشر موقع جديد على شبكة الإنترنت، يحمل أسم “حقوق الإنسان في قطر” (خصص محتوياته للتعريف بهذه القضية والدفاع عنها)، قائمة بأسماء “بعض” من تم إسقاط الجنسية عنهم من فخذ الغفران، بلغ عددهم 972 شخص، وعدد أفراد عائلاتهم المتضررة معهم، أي 5266 شخصاً، وأدرج أرقام بطاقاتهم الشخصية.
السبب “ازدواجية الجنسية”؟
أما ما هو غير مؤكد، فهو السبب الذي دفع بالسلطات القطرية إلى اتخاذ القرار، خاصة وأن العديد من الأسماء والشخصيات القطرية المعروفة، التي اتصلت بها سويس انفو للوقوف منها على خلفية الموضوع، لم تكن قادرة على الحديث عنه، إما بسبب “عدم الإلمام بجوانب الموضوع”، أو نتيجة “قلة المعلومات المعروفة والمنشورة عنه في قطر نفسها”.
لم يتحدث معنا سوى الدكتور نجيب النعيمي، القانوني ووزير العدل القطري السابق، الذي فسر القضية من زاوية “ازدواجية الجنسية”.
يقول الدكتور النعيمي: “إن أصل الخلاف الحالي حول موضوع الجنسية في قطر” يتصل بـ”الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون (الخليجي)”، والتي تدعو إلى تبادل “المعلومات الإستخبارتية عن الجنسيات وأسماء مواطني مجلس التعاون” بين وزارات الداخلية الخليجية.
أما جذور هذا القرار فتعود إلى الدورة الرابعة والعشرين لمجلس التعاون الخليجي، التي التأمت في الكويت في ديسمبر 2003، والتي أشار بيانها الختامي إلى حرص المجلس على “تعزيز التعاون والتنسيق الأمني المشترك لمكافحة الإرهاب”، وترحيبه بـ “قرار وزراء الداخلية بشأن توحيد بيانات جوازات السفر للدول الأعضاء”، وإحالته الموضوع إلى “الجهات المعنية لاستكمال المتطلبات الفنية”.
كما أشار البيان الختامي للدورة الخامسة والعشرين للمجلس، التي عقدت في البحرين في ديسمبر 2004، بوضوح إلى الاتفاقية الأمنية عندما أقر “ما توصل إليه وزراء الداخلية بشأن التوقيع على الاتفاقية الأمنية لدول المجلس”.
وعلى ما يبدو، فأن الجهات الخليجية المعنية، أي وزارات الداخلية، استكملت بالفعل “المتطلبات الفنية” للقرار، والذي أسفر عن تبادل العواصم المعنية لقوائم بأسماء من يحملون جنسيات مزدوجة.
من هذا المنطلق، والحديث الآن للدكتور النعيمي “أكُتشف (في قطر) أن هناك أعداداً ليست بقليلة تحمل جنسيات غير الجنسية القطرية، والقانون القطري يشير بكل وضوح أن من يحمل الجنسية القطرية، وحصل أو أخذ جنسية أخرى ستسقط عنه الجنسية القطرية. فبادرت السلطات لدينا بإسقاط الجنسية لأعداد كبيرة جداً من مواطنين قطريين سابقين”.
أم لعل السبب سياسي؟
هذا هو السبب إذن؟ ربما. لكن هناك تقارير صحافية تشير في المقابل إلى أن مبرر استهداف هذه الفخيذة بالذات، هو مشاركة بعض أفرادها في محاولة انقلاب فاشلة جرت عام 1996، حاول من خلالها أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني استعادة سلطته.
تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم التقارير التي تطرقت لهذا الملف في الأشهر الأخيرة نشرتها مؤسسات إعلامية مملوكة (بشكل كامل أو جزئي) لجهات سعودية، لذلك يرى مراقبون أنه يتوجب التعامل معها بقدر من الحيطة والحذر، خشية أن تكون جزءا من حملة إعلامية تندرج في إطار لعبة القط والفأر التي تلعبها الرياض والدوحة معاً منذ سنوات.
الدكتور النعيمي من جانبه، يرفض تفسير ما حدث من منطلق سياسي ويقول: “يجب أن لا نسبغ الصبغة السياسية على كل عمل نعتقد أنه مخالف للقانون”، ويفند ذلك الرأي قائلاً: “لو كان العمل يستهدف هذه القبيلة، لكانت اسُتهدفت في الفترة التي كانت فيها المحاولة الانقلابية”. ردٌ وجيه فعلاً.
لكن إذا كانت مشاركة بعض أفراد القبيلة في المحاولة الانقلابية لا تفسر القرار القطري، خاصة في ظل الفاصل الزمني الذي يفرق بين الحدثين، فإن مبرر “ازدواجية الجنسية” لا تكفي هي الأخرى لوحدها لتفسير سبب استهداف شريحة عرقية محددة من المجتمع القطري.
موقع “حقوق الإنسان في قطر”، الذي يديره شخص يطلق على نفسه أسم محمد المري، قدمَّ تفسيراً أخراً. فهو يقول: “السبب الحقيقي هو العمل على إعادة هيكلة المجتمع القطري، بحيث يتم إحداث توازن في مجلس الشورى (البرلمان القطري القادم)، وذلك لمنع أي تكتل قبلي داخل المجلس، والذي قد يعيق السياسة الانفتاحية التي تنتهجها الدولة حالياً، وذلك نظراً لكون التوجه القبلي هو توجه محافظ، وخصوصا عند قبيلة المرة التي تشكل نسبة كبيره في عدد السكان”، حسبما هو منشور على الموقع.
الظلم حدث!
التفسيرات عديدة إذن. ولعل الحقيقة، كما هي عادة، تقف في موقع وسط، يجمع ملمحاً من هذا وذاك. أما المؤكد فهو أن هناك ظلماً وقع على بعض أفراد المجتمع القطري.
حتى الدكتور النعيمي لا ينكر هذا الأمر. فهو يقول إن ما يعترض عليه “كمواطن وكوزير سابق”، هو انسحاب العقاب على أقرباء وأهل “من له الجنسية”.
ويردف بالقول: “نفترض أن هناك أبا، طبعاً أولاده قطريون وولدوا في دولة قطر، وحصلوا على الجنسية القطرية ولا يعرفون إلا قطر، وهذا الأب كان له جنسية أخرى، ولم يسقطها، (..) القانون يجب أن يذهب إلى الأب ولا ينصرف بأثر إلى الأبناء، هذا هو الاعتراض الشخصي القائم. (…) يجب أن لا ينصرف هذا العقاب إلى أن يكون عقاباً إجتماعياً شاملاًُ عاماً على من يخلف هذا الرجل، هناك ظلم في هذه الحالة، (و) انتهاك حقوق الإنسان”.
ولكن ألا يحق للمتضررين استئناف القرار؟ نعم، يحق لهم ذلك، على حد رأي وزير العدل القطري السابق. ويقول: “يحق لهم استعادة الجنسية في إطار مجموعة من الشروط القانونية. أولا أن لا يكون لهم جنسية ثانية. يعنى عندما تأخذ الجنسية القطرية فولاؤك لقطر، وليس ولاؤك لأي دولة أخرى. الشرط الثاني، أنه يجب أن يثبت بأنه لا يكون له مخالفات جنائية. الشرط الثالث، أنه يثبت حسن نية، (أي) يثبت بانتمائه لدولته ومواطنته. هذه الشروط الثلاثة إذا توافرت، من حقه أن يسترد الجنسية”.
رغم ذلك، فإنه يحق الاستغراب أن تشترط دولة خليجية، عضو في مجلس للتعاون طالما أكد على وجود “هوية خليجية” موحدة، عدم ازدواجية الجنسية، خاصة إذا كانت تلك الجنسية “خليجية” هي الأخرى.
كما أن هذا الشرط قد يبدو فارغاً من فحواه، وغير قادر على إقناع مواطني الخليج بجدواه. فإذا كان من السهل بمكان، وبجرة قلم، أن تنزع الجنسية عن أي مواطن، فالأحرى بذلك المواطن أن يتحصن بأكثر من جنسية، كي لا يستيقظ يوماً ليجد نفسه بلا “هوية”.
وفي انتظار حسم الموقف من طرف أعلى سلطة في دولة قطر، تظل التساؤلات قائمة حول أسباب وأهداف خطوة من هذا القبيل في بلد يرفع منذ سنوات لواء “الإصلاح” و”التحديث” في منطقة الخليج.
إلهام مانع – سويس انفو
تنص المادة 41 من الدستور القطري المعدل لعام 2003 على التالي:
“الجنسية القطرية وأحكامها يحددها القانون. وتكون لتلك الأحكام صفة دستورية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.