ليفني والوزراء العرب.. الوظيفي والتاريخي
وفقا للصحافة المصرية، كان وصَـف اجتماع ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية بالرئيس مبارك في القاهرة يوم 10 مايو الجاري، بالتاريخي، دون أن تشير إلى تقويم معيَّـن للقائها الأول مع وزيري الخارجية، المصري أبو الغيط والأردني الخطيب، باعتبارهما مفوضين من الجامعة العربية.
أما الصحافة الإسرائيلية، فقد أشارت إلى أن وصف التاريخي، كان للاجتماع بين الوزيرة الإسرائيلية و الوزيرين العربيين، باعتبارهما يمثلان الجامعة، ويفتحان بذلك أول لقاء بين الدولة العبرية وبين منظمة العرب الإقليمية.
قد يبدو هذا الاختلاف سطحيا وغير ذي معنى لدى العديد من الناس، ولكنه في الجوهر، تعبير عن خلاف في الرؤية والتقييم من جانب، ودليل على أن مضمون الحوار والرسائل المتبادلة بين الطرفين، لم يكن على الموجة نفسها من جانب آخر.
و لا خلاف على أن الوزيرين العربيين كانا مفوضين من قمَّـة الرياض للاتصال بإسرائيل، لحثها على التفاعل الايجابي مع المبادرة العربية للسلام والتعامل معها كوحدة واحدة بكل بُـنودها والتزاماتها المتبادلة، وهو ما حاول الوزيران بالفعل التأكيد عليه فى تصريحاتهما اللاحقة وفي الرسائل التي أرسلاها إلى الجامعة العربية والدول العربية وأعضاء الرباعية الدولية.
ووفقا لذلك، فهناك وجه للصحة بأن لقاء الوزيرين العربيين والوزيرة الإسرائيلية، فيه نوع من الاتصال غير المباشر مع الجامعة العربية، ولكنه من حيث المضمون، لا يصل إلى القول بأنه تاريخي بالمعنى الذي أرادته الوزيرة الإسرائيلية. لماذا؟
التاريخي.. لا زال غائبا
ببساطة، لأن الفعل التاريخي يترتَّـب عليه تغييرات كُـبرى ويقطع بين ما قبله وما بعده، ويؤسّـس لحركة جديدة تماما ذات أبعاد مختلفة عن تلك التي سادت لفترة طويلة سابقة، وهو ببساطة أيضا لم يحدث في هذا اللقاء، ومن غير المتوقع أن يحدُث، حتى لو ذهب الوزيران العربيان في غضون الأسابيع القليلة المقبلة ـ كما بشَّـرت بذلك ليفني ـ إلى إسرائيل، لاستكمال البحث فيما يجب عمله مستقبلا.
فالوضع العام يظل على ما هو عليه، بل أن كافة المؤشرات تقول إن مساعي ليفني بالدرجة الأولى، ومساعي رئيس وزرائها بالدرجة الثانية، تنحصر في استهلاك عنصر الزمن وتوظيف اللقاء لأهداف لا علاقة لها، لا بالمبادرة العربية ولا بالسلام ولا بالمفاوضات الجادة، وهي العناوين الكبرى التي يتحرك عليها، ووفَّـق لها المسؤولون العرب.
في أهداف ليفني اكتساب مواقع جديدة رمزية وسياسية فى معركتها المضمرة مع رئيس وزرائها من أجل إزاحته عن منصب رئيس حزب كاديما ورئيس الحكومة، وذلك على خلفية تأثيرات تقرير فينوغراد، أي أن دوافعها الرئيسية، داخلية بالأساس وحزبية بالدرجة الأولى، أما مسألة المفاوضات والسلام، فهي مجرّد مظلَّـة للتحرك هنا وهناك، ولذلك، كان مُـلفتا للنظر أنّ تصريحاتها في القاهرة، لم تتطرق إلى المبادرة ولم تُـشر إليها، وكان تركيزها على تأكيد حدوث اختراق لصالح إسرائيل بالطبع، لمجرّد الاجتماع مع أبو الغيط والخطيب كمفوضين من الجامعة العربية.
اللقاء الوظيفي
وإذا كان مسؤولون في الجامعة لا يرون في هذا اللقاء نوعا من الاتصال بين الجامعة وبين إٍسرائيل، فهذا بدوره لا يلغي حقيقة ما جرى، فالأمر يتعلق بمحاولة عربية لجعل المبادرة عاملا يخضع للنقاش والأخذ والرد على المستوى الإقليمي، وتوظيف الزخم الذي نتج عن قمة الرياض، لتعويم المبادرة إقليميا ودوليا وإسرائيليا أيضا.
وحسب رؤية الملك الأردني عبد الله الثاني، إنْ لم نحشد الدعم للمبادرة وإن لم نتحرّك منذ الآن، فلن نجد ما نتفاوض عليه لاحقا (الأهرام 10 مايو 2007)، وهي رؤية متطابقة مع الرؤية المصرية، التي ترى أن اللقاء مُـهم وله وظيفة محدّدة في حث إسرائيل على الدخول بقوة في عملية سلام ومفاوضات مع الأطراف المعنية، وهي الفلسطينية والسورية واللبنانية.
في هذه الحدود، لا زال الأمر بعيدا جدّا عن أن يكون تاريخيا، بل هو وظيفي بالدرجة الأولى، وبالأحرى يى مراحله الأولى، التي لم تتعدّ بعدُ مرحلة جََـس النّـبض والعلاقات العامة الإقليمية.
صعوبات التحول
ولا شك أن تحول هذه اللقاءات، بافتراض استمرارها لاحقا، من الإطار الوظيفي إلى المعنى التاريخي، يواجَـه في الحقيقة بالعديد من الصعوبات، ليست فقط إسرائيليا، بل أيضا فلسطينيا وعربيا.
وإذا دمجنا هذه الصعوبات مع تلك التي تواجه إدارة الرئيس بوش، التي تتَّـجه إلى أيامها الأخيرة، غير مأسوف عليها، سواء في الملف العراقي أو الإيراني أو الفلسطيني نفسه، لَـأَدرَكنا أنّ ثمة شوط طويل جدا، يجب قطعه بكل دأب ونشاط.
إسرائيليا، لم تُـحسم بعدُ مسألة استمرار حكومة اولمرت في ضوء التحدّيات، التي يفرزها تقرير فينوغراد حول سوء الإدارة العسكرية والسياسية لهذه الحكومة إبّـان حرب العدوان على لبنان صيف عام 2006.
فهناك المتربِّـصون من كل حدب وصوب للإجهاز، إما على قيادة أولمرت نفسه أو على قيادة كاديما، الحزب للحكومة، بل أن الأصوات فيما بين حزبي كاديما والعمل بشأن طريقة التعاطي مع المبادرة العربية، متباعدة إلى حد كبير.
فأولمرت، الذي يرى أن المبادرة ذات عناصر إيجابية، ولكن لم يحِـن الوقت للتعامل الايجابي معها، يرى بيريز أنه لا يجب تفويت فرصة التعامل مع مبادرة عربية أصلها سعودي، لما لذلك من نتائج استراتيجية على وجود إٍسرائيل ذاته.
مفردة للجدل السياسي
والظاهر، أن المبادرة العربية باتت واحدة من مُـفردات الجدل السياسي الإسرائيلي، ولعل ذلك ما يوفِّـر أرضية مُـناسبة للعرب الذين يرون أن فرصة مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي والتأثير على توجُّـهاته التي انحازت إلى الأفكار اليمينية في السنوات العشرة الماضية، أرضية للقول أن تعويم المبادرة العربية إقليميا، لا يخلو من نتائج إيجابية، حتى وإن لم تتخذ حكومة أولمرت موقِـفا إيجابيا واضحا، لا لُـبس فيه تُـجاه المبادرة وأن المهم، هو المتابعة والمثابرة والدأب.
والسؤال المطروح هنا: هل يمكن لهذه الدينامكية العربية أن تلعب دورا في إعادة تشكيل توجهات الرأي العام الإسرائيلي؟ ليست هناك إجابات واضحة، ولذا، فالأمر بالنسبة لكثيرين من قبيل المحاولة، فربََّـما يحدث المطلوب، وربما لا يحدث شيئا محدّدا، ولكنه قد يدفع نحو بدائل عنيفة لا شك في ذلك.
تراجع التماسك الفلسطيني
على الجانب الفلسطيني، ورغم أولوية الحديث عن المفاوضات لإنهاء الصِّـراع والحصول على الحقوق الوطنية، فإن مؤشرات التماسك الفلسطيني، حتى في ظل حكومة الوحدة الوطنية المشكَّـلة في مارس الماضي، تميل إلى التراجع وليس التقدّم إلى الأمام، بل أن ما يُـقال عن الانفلات الأمني، يطرح بدوره إشكالية كبرى تتعلق بمدى قدرة المنظمات الكبرى على منع الانزلاق إلى انقسام مجتمعي خطير بكل المقاييس، جنبا إلى جنب الانقسام المؤسسي الآخذ في التفاقم.
نشير هنا إلى حوادث الاقتتال والاختطاف، التي تجري بين الحين والآخر بين المنتسبين إلى فتح وحماس، وهي حوادث خطيرة بكل المقاييس، وبجانبها حوادث أخرى لا تقل خطورة.
يمكن الإشارة هنا، إلى خطف مراسل بي بي سي البريطاني لمدة تقترب من الشهرين، دون معرفة الجاني، وتلك المجموعات الصغيرة التي نشطت مؤخرا واستهدفت محال بيع المصوغات الذهبية ومحال الحلاقة ومحال بيع أشرطة الفيديو ومدارس خاصة، يعمل بها مدرسون أجانب، وهو ما تم تبريره بشعارات دينية، كالاستحلال وأن هذه المحال مَـنبعا للفجور والرذيلة، يجب التخلّـص منها أو أنها تروِّج لقيَـم غير إسلامية، وهي نفسها الشعارات التي كانت تطرحها جماعات العنف الديني في مصر والجزائر في عقد التسعينات، إبَّـان صراعها مع الدولة فى هذين البلدين.
أكثر من مجرد انفلات
مثل هذا التطور يعني أن الأمر أكثر من مُـجرد انفلات أمني عابر، إنه تطور سلبي بكل المقاييس، يزداد حدّة حين يشمل أيضا الجريمة المنظمة وعصابات مسلحة لترويج المخدرات، التي باتت منتشرة جدا حسب وصف الدكتور مصطفى البرغوثى، وزير الإعلام الفلسطيني، وعصابات أخرى للاستيلاء على ممتلكات الغير من أراضي ومحال وبيوت وسيارات.
وحين تتقاتل المنظمات الكبرى فيما بينها، والتي تنضوي تحت مظلة حكومة واحدة، ويُـترك المجتمع الفلسطيني نهبا للعصابات المسلحة وجماعات دينية متشددة، تستبيح العنف بكل أشكاله، يصبح بالضرورة موضوع التفاوض مع إسرائيل، سواء قبلت المبادرة العربية أو لم تقبل، مسألة فيها نظر، فمن لا يمكنه السيطرة على قطاع وعدّة بلدات، كيف يمكن له أن يبني دولة ويتعهَّـد بالالتزامات الكبرى إزاء شعبه وإزاء الإقليم ككل. فالداخل إذن هو التحدي الأكبر.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
غزة (رويترز) – استقال وزير الداخلية الفلسطيني هاني القواسمي يوم الاثنين 14 مايو الجاري، مما يهز حكومة الوحدة الفلسطينية، التي شكلت قبل شهرين بعد أن جدَّد أدْمى تفجُّـر للاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية منذ شهور، المخاوف من اندلاع حرب أهلية.
وبالرغم من هدنة، توسطت فيها مصر، قتل مسلحان فلسطينيان في اشتباكات في غزة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة فتح، المتناحرتين قبل ساعات من إعلان مسؤول حكومي، أن رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية قبل استقالة القواسمي.
وبصفته وزيرا للداخلية، كان يجب أن يُـشرف القواسمي على الخدمات الأمنية الفلسطينية، ولكن مسؤولين قالوا إن الأكاديمي السابق واجه منافسة من مسؤولي الأمن، المنتمين لفتح، على السيطرة على الأجهزة الأمنية.
وقال القواسمي في مؤتمر صحفي، “قلت للجميع إنه يجب أن تكون كل الصلاحيات في يدي، أنا لا أقبل أن أكون وزيرا شكلا لا مضمونا.”
وتُـلقي الاستقالة بشكوك جديدة حول ما إذا كانت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي جرى الاتفاق عليها بين حماس وفتح ستستمر، والاتفاق على من يشغل منصب وزير الداخلية، كان أحد أبرز العقبات التي واجهت تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية.
وقال غازي حمد، المتحدث باسم مجلس الوزراء الفلسطيني “مجلس الوزراء سيناقش الاستقالة اليوم ونتمنى أن نتوصل إلى حل في أقرب وقت ممكن.”
وصرح مسؤولون بأن هنية، وهو أحد زعماء حماس، سيتولى مؤقتا الإشراف على وزارة الداخلية.
وكانت مصادر من حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذكرت في وقت سابق أن التوترات الناجمة عن تجدد العنف مع حماس، بالرغم من هدنة توسطت فيها مصر في وقت متأخر من مساء يوم الأحد، قد تؤدي إلى انهيار حكومة الوحدة الوطنية خلال أيام.
وقال رجل يركب دراجة، وهو يمر قرب مسلحين ملثمين أغلقوا شارعا رئيسيا في غزة، “كلام الليل مدهون بالزبد يسيح مع طلوع الشمس”، مشيرا إلى مفاوضات الهدنة.
وذكر مسؤولو مستشفى، أن مدنيا أصيب بالرصاص في اقتتال داخلي بين فتح وحماس يوم الأحد لقي حتفه متأثرا بجروحه، مما يرفع عدد القتلى منذ أحدث جولة من الاشتباكات التي اندلعت في مطلع الأسبوع إلى سبعة وأصيب 40 آخرون على الأقل.
وبموجب الهدنة التي توسطت فيها مصر، سيقوم الطرفان بسحب مسلحيهم من الشوارع قبل يوم من إحياء الفلسطينيين ذكرى النكبة.
وأكدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، التي تدلي بشهادتها أمام لجنة برلمانية، موقف إسرائيل من أنه مع وجود حماس، التي وصفتها “بالجماعة الإرهابية” في السلطة، فإن الوقت ليس مناسبا لإجراء مفاوضات شاملة بشأن قيام دولة فلسطينية.
وفي مشهد أعاد للأذهان الاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية قبل تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية بوساطة سعودية، قام مسلحون ملثمون بدوريات في شوارع غزة، في الوقت الذي فضل فيه المواطنون الفلسطينيون العاديون البقاء في منازلهم وعدم إرسال أطفالهم إلى المدارس.
وأغلقت المتاجر أبوابها وحرص سائقو سيارات الأجرة على تفادي المرور عبر نقاط تفتيش، أقامها الفصيلان المتناحران.
وكان الفلسطينيون يأملون أن يؤدي بدء نشر الشرطة الفلسطينية في غزة في الآونة الأخيرة، تماشيا مع خطة أمنية جديدة، إلى الحد من حالة غياب الأمن وتهدئة التوترات بين فتح وحماس.
ولم تتمكّـن عمليات انتشار سابقة للشرطة في تأمين كل أجزاء قطاع غزة، الذي انسحبت منه إسرائيل عام 2005 .
المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 مايو 2007
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.