مأزق العمل الإنساني في العراق
لا زالت المنظمات الإنسانية تنتظر الحصول على الإذن الرسمي بالعودة إلى العراق لاستئناف مهامها الإغاثية ومواجهة أزمة تتصاعد من ساعة لأخرى في أرجاء البلاد.
وفي انتظار العودة، يظل تقييم مبعوثي اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتقارير عمال الإغاثة المحليين، المصدر الرئيسي المتاح لفهم أبعاد الكارثة المحتملة.
تعتمد التصريحات الصادرة هذه الأيام عن المتحدثين باسم المنظمات الدولية المعنية بمتابعة تدهور الأوضاع الإنسانية في العراق، من عمّـان، حيث المركز الإقليمي للتعامل الإنساني مع الأزمة، أو في مقـرّي الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك، على تقييمات مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بغداد، وهي المنظمة الإنسانية الدولية الوحيدة، التي قررت الاستمرار في العمل في العراق بعد اندلاع الحرب.
فقد قرر الأمين العام للأمم المتحدة قبل بدء الحرب بفترة وجيزة سحب كل الموظفين الدوليين التابعين للمنظمات الأممية، معللا ذلك بأسباب أمنية، وهو قرار قوبل بانتقاد من جانب بغداد، التي أكّـدت أن ضمانات أمنية قُـدِّمت لموظفي الأمم المتحدة لإبقائهم في العراق.
جدية قرار الانسحاب
لاشك في أن الاستعدادات التي سبِقت اندلاع الحرب في العراق غير مسبوقة في تاريخ الحروب إذ من النادر جدا أن يتم التحضير مُسبقا وبشكل دقيق لأزمة إنسانية قبل حدوثها، كما أنه من غير المعتاد أن تصدر نداءات لجمع أموال، وأن تعقد ندوات لمناقشة كيفية معالجة أزمة إنسانية لم تحدث بعد، مثلما وقع قبل الأزمة الحالية.
ومع ذلك، فإن المنظمات الإنسانية وجدت نفسها على هامش الأحداث مضطرة لمراقبة تطورات الأزمة عن بعد، ومن خلال تقارير أو تقييمات مبعوثي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعدد من الموظفين المحليين، الذين امتدحهم، يوم الجمعة في جنيف، ممثل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة في العراق كاريل دوروي، بقوله: “إن لنا زملاء من الموظفين المحليين يواصلون القيام بمهامهم الإنسانية على أحسن وجه”.
لكن هذه الوضعية “الغريبة” تُثير قلق العاملين في المنظمات الإنسانية، الذين يطرحون – بهمس – تساؤلات حول مدى جدية قرار الانسحاب من العراق، وحول مبررات التباطؤ في إصدار قرار العودة.
وتُـذكّـر مصادر قريبة من هذه المنظمات الإغاثية الدولية، بأن لها تقاليد في العراق تعود إلى حوالي 20 عاما، سمحت لها ببناء قنوات اتصال مهمة، إضافة إلى اعتمادها على شبكات توزيع مدربة، تتمتع بمعرفة جيدة بالفئات الأكثر حرمانا في المجتمع العراقي.
العودة في أي إطار؟
ويصطدم قرار عودة الموظفين الدوليين العاملين في المنظمات الإنسانية الدولية إلى العراق بعقبتين رئيسيتين. تتمثل الأولى في ضرورة تحديد الإطار الجديد الذي سيتيح للأمم المتحدة استئناف عملها الإنساني في العراق. (وهو ما تتم مناقشته حاليا داخل مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق بخصوص تعديلات تسمح باستئناف برنامج النفط مقابل الغداء المتوقف حاليا).
أما العقبة الثانية، فتتعلق بكيفية الفصل بين العمل العسكري والعمل الإنساني، في الوقت الذي تتشبث فيه الولايات المتحدة بالإشراف على أي تحرك قد يضفي على تدخلها لمسة إنسانية تساهم في التغطية على وضعها كقوة غازية لدولة ذات سيادة.
ففي الوقت الذي تُـصر فيه المنظمات الإنسانية على ضرورة إبقاء العمل الإغاثي بعيدا عن رقابة العسكريين، تُبدي أمريكا وبريطانيا حرصا شديدا على تسريع وتيرة وصول المساعدات الإنسانية إلى ميناء أم قصر جنوبي العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج النفط مقابل الغذاء الذي شرع في التعامل به في عام 1996، يعتمد عليه أكثر من 80% من السكان، بل يمثل مصدر الإغاثة الوحيد لحوالي 60% من العراقيين. ونظرا لإبرام الاتفاق المتعلق بهذا البرنامج بين الحكومة العراقية ومنظمة الأمم المتحدة، يتساءل الجميع اليوم عن مدى استعداد الولايات المتحدة وبريطانيا للاستمرار في التعامل مع حكومة بغداد في الفترة القادمة؟
وفي انتظار التصويت في مجلس الأمن على القرار الذي تقدمت به ألمانيا (مدعومة من فرنسا وبريطانيا)، من أجل اعتماد صيغة جديدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء، يرى عدد من المراقبين في جنيف أن مسألة استقلالية العمل الإنساني عن العمل العسكري قد تطرح في اجتماع الخبراء الذي دعت إليه سويسرا لمناقشة الجوانب الإنسانية للأزمة العراقية في 2 من شهر أبريل القادم، والذي أعلنت الولايات المتحدة مشاركتها فيه.
محمد شريف – سويس انفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.