مأزق حلف شمال الأطلسي
عجزت الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي عن إيجاد مخرج للمأزق الذي تسبب فيه لجوء فرنسا وألمانيا وبلجيكا لاستعمال حق النقض للمرة الأولى في تاريخ المنظمة.
وفي انتظار “اتضاح الصورة” بعد عرض هانس بليكس ومحمد البرادعي تقريرهما أمام مجلس الأمن يوم الجمعة 14 فبراير، تتواصل دبلوماسية الأروقة في محاولة لتجاوز الأزمة.
مع تواصل المأزق وتفاقمه يوما بعد يوم، تزداد الرؤيا ضبابية أمام الدول الـ 19 الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. وقد نجم المأزق غير المسبوق في تاريخ المنظمة بعد أن عجز في سلسلة الاجتماعات التي عقدها في الأيام الأخيرة في بروكسل عن إيجاد صيغة تُـوفّـق بين طلبات الولايات المتحدة وتركيا في أن يتولى الحلف دورا في الحرب القريبة ضد العراق، وموقف فرنسا مدعومة من ألمانيا وبلجيكا، الداعي إلى ضرورة استنفاذ فرص الحل السلمي لأزمة الأسلحة العراقية.
وفيما يحاول المسؤولون الرسميون التخفيف من حدة الانقسام والشرخ المتسع في جسم العلاقات الأوروبية الأطلسية، تحدث إيف برودير، المتحدث الرسمي باسم الحلف، عن “وجود أرضية لمواصلة التشاور”، وهي صيغة تحاول التغطية على جمود الموقف داخل الحلف في انتظار “نضج” النقاشات الدولية.
وتركزت دبلوماسية الأروقة والمشاورات المكثفة التي يقودها الأمين العام للحلف جورج روبرتسن حول طلبات قدمتها تركيا في مطلع الأسبوع، من أجل توسيع أنظمة الإنذار المبكر وتزويدها ببطاريات صواريخ “باتريوت”، وأن يوفر حلفاؤها وحدات متخصصة في مكافحة أسلحة الدمار الشامل. إلا أن الفيتو الفرنسي، مدعوما من بلجيكا وألمانيا يحول منذ أيام دون الاستجابة لطلبات تركيا، كما ترفض البلدان الأوروبية الثلاثة الانسياق الآن في ما تسميه “منطق الحرب”.
حماية تركيا ومستقبل الحلف
ويعتقد أحمد غولدينير الخبير التركي في بروكسل في أن السؤال الرئيسي “لا يتعلق بما تريده تركيا أو بحمايتها، وإنما بمستقبل الحلف ككل، والتساؤل حول قدرته على تجسيد تضامنه الفعلي مع أحد أعضائه الذي يكون في حاجة للمساعدة”.
وتعتمد تركيا على قواتها المنتشرة في المناطق المجاورة للعراق التي تتجاوز 60000 جندي، بالإضافة إلى نحو 40 ألف من القوات الأمريكية. وتمتلك حكومة رئيس الوزراء عبد الله غول إمكانية تعبئة 100 ألف من جنود الاحتياط في ظرف قصير.
ويرى الأستاذ في الأكاديمية العسكرية الملكية في بلجيكا لوك ديفوس، بأنه “لا يصح الحديث عن وجود خطر قد يتهدد تركيا من جانب العراق”، لأن انقره تمتلك قوات كبيرة منظمة ومدربة “تفوق قدرات كافة دول منطقة الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل”.
لذلك، فإن الأزمة الراهنة داخل الحلف لا تتعلق بحماية تركيا، بقدر ما تمس جوهر العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية، وبشكل خاص فرنسا. وفي حال استمر الخلاف، فإن تركيا ستلجأ إلى تلبية حاجياتها على صعيد ثنائي بطائرات الأواكس الأمريكية والتزود ببطاريات صواريخ باتريوت من ألمانيا وهولندا اللتين وعدتاها بذلك، ووحدات مكافحة أسلحة الدمار الشامل من جمهورية التشيك وسلوفاكيا.
ولتعزيز حظوظ الإجماع داخل حلف شمال الأطلسي حول تعزيز دفاعات تركيا، تخلت الولايات المتحدة – في الظرف الراهن على الأقل – عن طلباتها بأن تحل قوات أوروبية محل القوات الأمريكية في البلقان، وأن يتم تعزيز حماية أمن القواعد الأمريكية في أوروبا. لكن التراجع الأمريكي بدا غير كاف في نظر فرنسا، خصوصا مع اقتراب موعد انتهاء مداولات مجلس الأمن بشأن التقرير النهائي للمفتشين الدوليين في العراق.
خلاف حول الدول المستقبلي للحلف
وتعتقد الخبيرة في مركز أبحاث السلام في بروكسل، كارولين بالي، بأن الولايات المتحدة “مصممة على مهاجمة العراق، وقد ترد على جمود الموقف في الحلف بالتحرك المنفرد ورفض النقاش، سواء كان داخل الحلف أو داخل الأمم المتحدة”.
ويتركز جوهر الخلاف اليوم بين طروحات الولايات المتحدة التي تستعجل الحسم العسكري بدعم الشرعية الدولية، وحلفاء شمال الأطلسي أو من دونهم، وطروحات تقودها فرنسا وألمانيا وتتمسك بها بلجيكا من أجل استنفاذ كافة جهود المفتشين قبل اتخاذ قرار استخدام القوة ضد العراق.
ويستند الخلاف الجوهري بين الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية إلى الجدل الدائر منذ سنوات، وخاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر، حول الدور الذي يفترض أن يتحمله الحلف في عهد ما بعد الحرب الباردة.
وبينما يتطلع الأوروبيون إلى تشكيل قوة عسكرية تحت راية الاتحاد الأوروبي تكون مكلفة بمهام حفظ السلام بالاستناد إلى الشرعية الدولية، فإن الولايات المتحدة تسعى – خاصة بعد حرب أفغانستان – إلى استخدام الحلف باعتباره واحدة من آليات السياسة الخارجية الأمريكية التي كثيرا ما تصطدم بطروحات أوروبية مختلفة، مثلما هو الشأن بالنسبة لخيارات حسم الأزمة العراقية.
وكانت الولايات المتحدة تفضل أن يضطلع الحلف بدور ما في إدارة أزمة العراق أسوة بدوره في حرب البلقان وفرض استقرار المنطقة. إلا أن بعض البلدان الأوروبية – وبشكل خاص فرنسا – ترفض من الناحية المبدئية تدخّـل الحلف خارج نطاق نفوذه الجغرافي، ومن دون الاستناد إلى الشرعية الدولية.
وسيظل مستقبل الحلف ومصير تماسك أعضائه رهين الاختلاف الذي انكشف للجميع في الأيام الأخيرة بين هذين الطرحين، إلا أن العديد من المراقبين لا يعتقدون في إمكانية حدوث قطيعة بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين، على الرغم من التباين القائم بشأن تفاصيل التعاطي مع المسألة العراقية.
نورالدين الرشيد – بروكسل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.