مئات المليارات تحت مجهر القانون والإعـلام
سلّـطت قضية مصرف سويس فيرست الأضواء مجدّدا على ملفّ إدارة المبالغ الطائلة المودعة لدى العشرات من صناديق التقاعد في سويسرا.
وعلى إثر هذه القضية، التي حولت إلى محكمة جنائية في زيوريخ، يتّـفق اليمين واليسار على ضرورة تعزيز الشفافية حول أنشطة المتصرفين في هذه الأموال.
في سويسرا، التي تشهد منذ عشرات السنين عمليات إندماج واسعة في القطاع المصرفي، لا يثير “الزواج” بين مؤسستين ماليتين صغيرتين في العادة اهتمام أكثر من بضعة آلاف من الحُـرفاء أو المساهمين.
وهذا ما حدث أيضا في شهر سبتمبر من عام 2005، حيث اكتفت الصحف ببضعة أسطر للإشارة إلى الاندماج الذي حصل بين مصرفي سويس فيرست وبيلفيو، اللذين يعملان في زيوريخ.
وعلى الرغم من أن بعض الشكوك حامت حول سلامة العملية، بعد أن اشتُـبه في أن معلومات سُـرّبت من داخل المؤسستين قبل إتمام الصفقة، إلا أن الاهتمام بالموضوع ظل محدودا جدا.
ففي العادة، تُـفضّـل المؤسسات المعنية بمثل هذه الشُـبهات، أن تتم تسوية المخالفات المُـكتشفة بدون ضجيج. وإلى حدّ الآن، ظلت الأحكام الصادرة في قضايا من هذا القبيل بسيطة جدا.
في المقابل، استقطبت قضية سويس فيرست في الأسابيع الماضية اهتماما غير عادي من طرف وسائل الإعلام والرأي العام، ويبدو أن مردّ ذلك يعود إلى أن التفاصيل التي عُـرفت عنها كشفت عن بعض التصدعات في أسُـاسات صناديق التقاعد، وهي المؤسسات التي ترعى الثروة المتمثلة في الموارد المتأتية من الحيطة المهنية، وتقدر بحوالي 650 مليار فرنك.
تحقيق جنائي
تشير المعطيات المتوفرة، إلى أن عملية الاندماج بين المصرفين قد تكون تسبّـبت في إلحاق الضرر بستة من صناديق التقاعد. فقد أقدم المتصرفون فيها على بيع حِـزمة أسهم مصرف سويس فيرست التي كانت بحوزتهم قبل أيام قليلة من موعد الإعلان عن الاندماج، وهو ما أدّى إلى تفريطهم في أرباح تقدّر بـ 20 مليون فرنك، حيث ارتفعت قيمة تلك الأسهم بـ 50% في الأيام الموالية للاندماج!
لقد كان من المُـفترض أن يتوقّـع المتصرّفون في صناديق التقاعد المعنية، بحكم أنهم من الخبراء في مجال الاستثمار، الارتفاع المسجّـل في أسهُـم مصرف سويس فيرست، إلا أن بعض الصحف أشارت إلى أنهم قد يكونوا قد اقتنعوا ببيع أسهمهم إثر تدخّـل شخصي من المدير التنفيذي للمصرف توماس ماتّـر، الذي تمكّـن بالتالي من إنجاز عملية الاندماج دون الاضطرار إلى الترفيع في رأس المال.
المدّعي العام في كانتون زيورخ فتح الأسبوع الماضي تحقيقا جنائيا بحقّ توماس ماتّـر، الذي يُـشتبه في ارتكابه لجرائم الغِـشّ وخيانة مؤتمن والتحايل في عمليات المضاربة في البورصة. كما يشمل التحقيق بعض المتصرفين في عدد من صناديق التقاعد المعنية، الذين يُـشتبه في استفادتهم بشكل شخصي من العملية.
هذه القضية أدّت إلى تسليط وسائل الإعلام الأضواء بالخصوص على يورغ ماورر، المتصرف في صندوق التقاعد ريتر Rieter، الذي تمكّـن في ظرف أعوام قليلة، من زيادة ثروته الشخصية من بضع مئات من آلاف من الفرنكات إلى 70 مليون فرنك.
نقص في المراقبة؟
“كيف يمكن لمتصرفين في صناديق التقاعد الاستثراء بهذا الشكل، في الوقت الذي يجب فيه على المؤمّـنين تحمّـل النتائج في صورة إدارة سيئة الحظ لودائعهم”؟ هذا سؤال من بين عشرات الأسئلة التي أثارتها في سويسرا قضية مصرف سويس فيرست.
ليست هذه المرة الأولى التي توجَّـه فيها الانتقادات لأداء المتصرفين في أموال المتقاعدين. فخلال الأزمة، التي مرت بها الأسواق المالية عامي 2001 و2002، بالغت العديد من صناديق التقاعد في المخاطرة بالأموال المودعة لديها في البورصة، وهو ما أدّى تعرضها إلى خسائر فادحة.
وفي ذلك الوقت، طالبت الحكومة والأغلبية البورجوازية في البرلمان – سعيا منها لإعادة التوازن المالي للصناديق المتضررة – أصحاب المعاشات بالقبول ببعض التضحيات، مثل تقليص نسبة الفائدة الدُنيا المقررة على أموال الحيطة المهنية. أما اليوم، فإن اليسار والنقابات الذين هاجموا بشدة حينها ما أسموه “سرقة المعاشات”، يجدّدون المطالبة بضرورة تعزيز إجراءات الرقابة على صناديق التقاعد.
وتقول كوليت نوفا، الأمينة العامة لاتحاد النقابات السويسرية، إننا على قناعة بأن أغلبية صناديق التقاعد تُـدار بشكل جدّي، إلا أن الأمر يتعلق بعمليات معقدة جدا، لا يُـترك المجال لمراقبتها بسهولة، لذلك، يجب اعتماد قواعد للشفافية للمتصرفين فيها، مثل تلك التي تُـطبّـق على المتصرفين في الثروات في المجال البنكي.
تشريعات جديدة؟
هذا الموقف يجد تأييدا من طرف بعض أحزاب اليمين، حيث عبّـر عدد من البرلمانيين القريبين من الدوائر الاقتصادية في الأيام الأخيرة، عن تأييدهم لاعتماد “تعديلات قانونية”. لذلك، يبدو أن قضية سويس فيرست، التي انطلق التحقيق الجنائي بشأنها، قد تخلّـف وراءها بعض التأثير في المجال التشريعي.
فقد طالبت يوم الثلاثاء 29 أغسطس لجنة المؤسسات السياسية في مجلس الشيوخ السويسري بإجماع أعضائها بـ “اعتماد سريع لإجراءات قانونية للردّ على الشكوك التي أثارتها قضية سويس فيرست”.
وفي هذا الصدد، يوضّـح عضو اللجنة ورئيس مجلس الشيوخ رولف بوتّـيغر (من الحزب الراديكالي)، “من جهة، يجب تعزيز القوانين لمكافحة الجرائم المتعلقة بالتحايل في البورصة. ومن جهة أخرى، هناك حاجة إلى تحسين الشفافية حول العلاقات المالية للمتصرفين في صناديق التقاعد، وخاصة عندما تكون هناك علاقات مع مصارف أو مؤسسات مالية أخرى”.
سويس انفو – أرماندو مومبلّـي
(ترجمه وعالجه كمال الضيف)
يرتكز نظام الحيطة الاجتماعية السويسري على ما يُـعرف بمبدأ الأعمدة الثلاث.
العمود الأول، يضم التأمين على الشيخوخة والباقين على قيد الحياة والتأمين على العجز ويُـفترض أن يضمن الحدّ الأدنى الحيوي لكافة سكان سويسرا بعد بلوغ سن التقاعد.
العمود الثاني، الذي يُـفترض أن يتيح لكل شخص الحفاظ على مستوى معيشته المعتاد، يتشكل من موارد الحيطة المهنية التي يدّخرها كل شخص من مرتبه طيلة حياته العملية. وتدير صناديق التقاعد السويسرية هذه الموارد التي تقدّر بـ 650 مليار فرنك.
العمود الثالث، يتشكّـل من المدّخرات الشخصية ومن التأمينات الخاصة بكل فرد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.