ماذا بعد مؤتمر الوفاق العراقي؟
هل تحققت معجزة صغيرة في القاهرة؟ وهل نجح المؤتمر الوفاقي العراقي حقاً في وضع أسس إنتقال بلاد ما بين النهرين من جبهات الحرب إلى طاولة مفاوضات السلام؟
محاولة أولية للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها..
الإنطباع الاول لمجريات المؤتمر، ومن ثم حيثيات بيانه الختامي، توحي بشيء من ذلك:
– فقد إتفق المؤتمرون الذين ضموا، إلى رئيسي الجمهورية والوزراء، العديد من ألوان الطيف السياسي والطائفي في مقدمهم “هيئة علماء المسلمين في العراق” السنّية، على عقد مؤتمر وطني موسع آخر في شهر مارس المقبل.
– وهم أقروا، للمرة الاولى، مبدأ “الإنسحاب التدريجي” للقوات الأمريكية من البلاد، برغم ان الحكومة العراقية ما تزال تربط ذلك بمدى جهوزية القوات العراقية.
– ثم ان الاطراف الشيعية والكردية أسقطت رفضها المطلق السابق لأية مشاركة بعثية في محادثات السلام وقبلت، للمرة الأولى أيضاً، بأن تتم هذه المشاركة على صعيد الكوادر البعثية الدنيا التي “لم تشارك في جرائم الحرب” الصدامية.
الضباط البعثيون
هذه التطورات الإيجابية، ترافقت مع تطور لافت آخر كشفت عنه مؤخراً صحيفتا “نيويورك تايمز” و “واشنطن بوست” ، تمثلّ في التراجع الأميركي عن القرار الذي اتخذه الحاكم الامريكي السابق للعراق بول بريمر بحل الجيش العراقي (400 ألف جندي وضابط) وإستبعاد كل البعثيين من هيكلية الجيش الجديد. وقد ترجم هذا التراجع نفسه في إعادة أكثر من 2500 ضابط بعثي سابق إلى المؤسسة العسكرية مع إحتفاظهم برتبهم السابقة إبان عهد الرئيس صدام حسين.
بالطبع، هذه الخطوة(على أهميتها) لم تعن أن واشنطن في وارد التفكير بإعادة السلطة إلى سنّة العراق، كما فعل البريطانيون بعيد الحرب العالمية الأولى وغداة ثورة العشرين الشيعية العراقية. فالضباط البعثيون العائدون ينتمون إلى كل الطوائف السنية والشيعية والمسيحية. وقيادة قوات الأحتلال الأميركية حريصة (كما قال الجنرال ديفيد بيترايوس المسوؤل الأميركي السابق عن بناء الجيش العراقي) على تشكيل وحدات مختلطة من كل المذاهب والأثنيات “لأن أعادة هيمنة السنّة على الجيش قد يكون أمراً مستحيلاً “، على حد قوله.
ثم أن الجيش المعاد بناؤه، والذي بلغ عديده الآن 100 ألف جندي مع فرقة مدرعة واحدة زودت مؤخراً بـ 77 دبابة ثقيلة من طراز تي- 72، له وظيفة وحيدة بالنسبة للامريكيين: محاربة ما يسمونه “التمرد”، أي المقاومة العراقية. وهذا يمكن أن يتحقق، برأيهم، عبر زيادة اعداد السّنة في المؤسسة العسكرية.
ومع ذلك، يبقى هذا التطورالعسكري لافتاً لانه يسير جنباً إلى جنب مع التوجه السياسي القاضي بفتح مؤتمر القاهرة لأبواب الحوار مع فصائل من البعثيين.
هذه نقطة.
وثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية: مؤتمر القاهرة ذاته الذي دعت إليه الجامعة العربية، عقد بموافقة (والبعض يقول بإيعاز) أمريكية، خاصة بعد التحذيرات التي أطلقها سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وغيره من القادة السعوديين حول “انفلات النفوذ الإيراني في العراق من عقاله” . وهذه الموافقة بالتحديد هي التي”لينّت” مواقف قادة الشيعة والأكراد الذين رفضوا في البداية مبادرة الجامعة العربية خشية أن تصب في مصلحة السنّة.
وهذا يعني أن واشنطن مهتمة بشكل مباشر في عملية ضم السنّة إلى مشروع إعادة بناء الدولة العراقية، بعد ان فشلت في إخماد الانتفاضة المسلحة في وسط العراق.
فرص ومخاطر
الان، وبعد قول كل شيء عن هذه “المعجزة الصغيرة”، هل ثمة فرص لتحولّها إلى “معجزة كبيرة” تنهي الحرب وتبني السلام في هذه الدولة العريقة التي شهدت ولادة اولى الحضارات البشرية؟
الأمر كله تقريباً رهين بما تنوي واشنطن فعله: الاستمرار في سياسة الإنفتاح الدبلوماسي الراهنة التي دشنتها كوندوليزا رايس منذ استلامها وزارة الخارجية قبل أشهر، أم مجرد استخدام هذا الانفتاح السياسي لخدمة أهداف أمنية.
المعيار الرئيس هنا سيكون في كيفية تعاطي الإدارة الأميركية مع طرفين رئيسيين في الحرب: الدول الإقليمية المحيطة بالعراق التي لا يمكن أن يتحقق السلام العراقي من دونها، والمقاومة المسلحة العراقية.
في ما يتعلق بالطرف الأول، قام مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية البريطاني مؤخراً بعقد مقارنة بين سلام البوسنة وفق إتفاقيات دايتون، وبين فرص السلام في العراق، خرج منها بالخلاصات الأتية:
1- الدرس الاول للتجربة البوسنية هي أن السلام الدائم، ممكن فقط بدعم من القوى الإقليمية التي تتدخل بكثافة في النزاع المحلي. وهكذا، لولا الضغوط الهائلة التي بذلتها الولايات المتحدة على صربيا وكرواتيا، لما تحقق السلام.
2- ثمة حاجة أيضاً لإشراك الأتحاد الاوروبي والحلفاء والمجتمع الدولي في جهود حل الصراع، وهذا على كل المستويات السياسية والعسكرية والأقتصادية.
3- كل هذا يعني بالنسبة للعراق أن الولايات المتحدة في حاجة لادارج الدول الإقليمية المحيطة به – خاصة إيران – في العملية السلمية إذا ما أرادت تحقيق نتيجة إيجابية، خاصة عدم التدخل الخارجي في تطور العراق السياسي.
هذا على صعيد الطرف الإقليمي. اما بالنسبة للمقاومة العراقية، فإنها يجب أن تكون الطرف الرئيس الثاني على طاولة المفاوضات المباشرة وألا يقتصر الأمر على تمثيلها بشكل غير مباشر. وهذا أمر لا يبدو في متناول اليد حتى الآن بسبب تصلب كل من المقاومة والسلطة الحالية في مواقفهما، كما أظهر ذلك بيان منظمات المقاومة المسلحة الأربع الرافض لنتائج مؤتمر القاهرة، وكذلك تصريحات المسؤولين العراقيين الذين يضعون شروطاً قاسية على المشاركة المباشرة للمقاومة.
الـكـوة
ماذا يعني كل ذلك؟ .. أمران أساسيان:
الأول، أن مؤتمر القاهرة خرج على نحو غير متوقع بنتائج إيجابية، برغم انه لم يكن على شاكلة مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية في لبنان العام 1989 والذي عقد آنذاك بمشاركة واسعة عربية إقليمية ودولية أمريكية- أوروبية.
والثاني، أن حسم الامور في العراق لا زال في يد موازين القوى وليس في يد توازن الرغبات والمصالح. وهذا أمر مرشح للإستمرار، طالما لم يوضع حد لتدخل القوى الإقليمية في الشأن العراقي، وطالما أن الأهداف الأمريكية من وراء كل هذه التحركات الدبلوماسية يبقى أمنياً في الدرجة الاولى، وسياسياً في الدرجة الرابعة أو الخامسة.
بيد أنه يمكن القول، على الأقل، أن مؤتمر القاهرة فتح كوة أمل يمكن أن يدخل منها لاحقاً مزيد من النور إلى النفق العراقي المظلم الراهن.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.