ماذا حققت أمريكا من مغامرتها في العراق؟
لا زال الرئيس الأمريكي مُـصرا على أن قواته لن تترك العراق قبل تحقيق "المهمة"، وهي مهمة تتغير مع تغيير الظروف والأوقات. ولكن ما الذي جنته أمريكا من غزو العراق؟
سويس إنفو التقت بثلاثة خبراء في واشنطن في محاولة للوصول إلى جواب لهذا السؤال المحيّـر.
لا زال الرئيس بوش مُـصرا على أن قواته لن تترك العراق قبل تحقيق المهمة، وهي مهمة تتغير مع تغيير الظروف، من مهمة نزع أسلحة الدمار الشامل إلى مهمة منع العراق من أن يتحوّل إلى مرتع لعناصر الإرهاب الدولي، إلى مهمة تحويل العراق إلى نموذج يحتذى للديمقراطية في الشرق الأوسط. فما الذي جنته أمريكا من غزو العراق؟
في محاولة للوصول إلى جواب لهذا السؤال المحيّـر التقت سويس إنفو بثلاثة خبراء في واشنطن تراوحت وجهات نظرهم بين التشاؤم والتفاؤل المشوب بقدر من التحفظ.
كان اللقاء أولا مع جيمس إيكنز، السفير الأمريكي السابق في المملكة العربية السعودية، والذي عمل كذلك في السفارة الأمريكية في بغداد، فقال مبتسما “ما الذي تقصده بكلمة جنته أمريكا، إذا كانت نتيجة الغزو كلها خسائر.. خسائر بمئات المليارات من الدولارات راحت على تمويل تلك الحرب، وخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين، والتي زادت على ألفين وخمسمائة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى وعشرات الآلاف من المدنيين العراقيين الأبرياء، ومما يبعث على الحزن أن الهدف المعلن أولا لشن الحرب، كان يستند إلى الكذب والزيف والإيهام بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ثم عندما كشفت تقارير المفتشين عن عدم وجود تلك الأسلحة المزعومة، لجأ بوش إلى تغيير الهدف وربط التمرد والمقاومة العراقية، بما أسماه الحرب الدولية على الإرهاب، وسرعان ما عمّ التدهور الأمني في العراق وشاعت الفوضى وتقلص نفوذ أي سلطة عراقية، ليقتصر على مساحة المنطقة الآمنة الخضراء في قلب بغداد. وحتى عندما غيّـرت إدارة الرئيس بوش الهدف من مغامرتها العسكرية في العراق إلى تحويله إلى نموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، لم تنجح تجارب إقحام الانتخابات في تحويل العراق إلى نظام ديمقراطي وأسهم الغزو في تحول العراق إلى ساحة للعنف المتصاعد وتأصيل الخلافات الطائفية من تكرار الحديث الأمريكي عن المثلث السني وحقوق الأكراد في بترول كركوك، ونصيب الشيعة من عائدات بترول الجنوب”!
وتذكر الدبلوماسي الأمريكي المُـخضرم كيف أنه لم يسمع خلال السنوات الأربع التي عمل فيها في العراق، مثل تلك التقسيمات العرقية والطائفية. أما هدف السيطرة على بترول العراق، كما كان يحلم المحافظون الجدد، فلم يتحقق، وأصبح عدد حقول البترول العراقية المنتجة أقل بكثير مما كان عليه الحال في الماضي، ولن تستطيع أمريكا الاحتفاظ بما حلم به بعض مخططي الحرب من قواعد عسكرية أمريكية في العراق، إذ أن الشعب العراقي سيُـسقط أي حكومة تقبل باستمرار الوجود الأمريكي، إذا تمكنت حكومة وطنية من السيطرة على البلاد وتوفير الأمن والنظام، وخلص إلى أن هذا الثمن الباهظ الذي دفعته أمريكا في مغامرتها المستمرة في العراق، لم يسفر إلا عن الإطاحة برئيس دكتاتوري ارتكب حماقات عديدة، مثل غزوه للكويت، ولكن هذه النتيجة “لا تساوي كل تلك الخسائر”، حسب رأيه.
حساب الأرباح والخسائر
أما المؤرخة الأمريكية المشهورة الدكتورة فيبي مار، المتخصصة في تاريخ العراق وأستاذة التاريخ بعدد من الجامعات الأمريكية، فأعربت لسويس إنفو عن عدم رغبتها في كيل الانتقادات لأخطاء الإدارة الأمريكية في العراق، رغم اعترافها بأنها كانت أخطاء فادحة، ولكنها قدّمت تقييمها الخاص لحساب الخسائر والأرباح الأمريكية في العراق فقالت: “إن المكسب الأساسي من الحرب في العراق، تمثل في التخلص من الرئيس صدام حسين الذي كان يشكل تهديدا لأمن منطقة الخليج وترهيبا لشعبه، ولكن الهدف المُـعلن لتلك الحرب كان التخلص من أسلحة الدمار الشامل، وهو ما لم يعثر عليه أحد، غير أن الثمن كان باهظا، سواء بالنسبة للشعب العراقي أو للولايات المتحدة، ويبقى الأمل في أن يتمكن الشعب العراقي خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة من إعادة تشكيل مستقبله، رغم العنف الذي اندلع بشكل متزايد في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق”.
وتعتقد الأستاذة فيبي مار، أنه من المنظور الأمريكي، يتساءل الأمريكيون، هل أسفرت الحرب عن توفير قدر أكبر من الأمان للأمريكيين، وهل تساوي الأرباح كل تلك الخسائر المادية والبشرية؟ ولماذا وقعت الإدارة الأمريكية في تلك السلسلة الطويلة من الأخطاء في العراق؟
وأعربت الخبيرة الأمريكية عن اعتقادها بأنه في جانب الخسائر التي لا يتحدث عنها كثيرون نتجت خسارة عن شن الحرب على العراق، تمثلت في تشتيت الانتباه وبَـعثرة الجهود الأمريكية التي كانت تستهدف الإرهاب الدولي الذي ضرب الأمن القومي الأمريكي من خلال تنظيم القاعدة الإسلامي المتطرف، ولذلك، يتعين أن يبدأ حوار داخلي في الولايات المتحدة حول كيفية اتخاذ قرار شن الحرب على العراق، ولماذا وكيف يمكن تحسين الوضع في العراق مستقبلا، ليس لتوجيه اللوم، ولكن للاستفادة من الأخطاء في المستقبل.
وتطرقت الخبيرة الأمريكية إلى طنطنة الرئيس بوش مرارا وتكرارا حول تحويل العراق إلى نموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط فقالت: “عبارة الديمقراطية في العراق، عبارة غامضة وفضفاضة. فرغم الإطاحة بنظام حكم قمعي، وممارسة الناخبين العراقيين لحقهم في التصويت عدة مرات في انتخابات حرة، ومع تأسيس أحزاب سياسية جديدة في العراق، فإن التصويت تم على أسُـس عرقية وطائفية، وليس استنادا إلى البرامج السياسية، كما أن التدهور الأمني واستمرار العنف يحُـول دون جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، ويصعب الحديث عن تحويل العراق إلى نموذج للديمقراطية مع افتقاره إلى مكونات الديمقراطية الأساسية، مثل حكم وسيادة القانون، وتواجد نظام قضائي مستقل، وتوفير الأمن والأمان للمواطنين”.
وترى البروفيسور فيبي مار أن الشعب الأمريكي لم يحصل على قدر كاف من التفسير لطبيعة المهمة التي تحاول القوات الأمريكية تحقيقها في العراق، ولا يوجد اتفاق على ما الذي يشكّـل عنصر النجاح في تحقيق تلك المهمة، غير أنها قالت لسويس إنفو: “إن المحافظين الجدد استندوا في تأييدهم لغزو العراق على نظرتهم لمكانة أمريكا في عالم اليوم، ترتكز على انفرادها بزعامة العالم وقوتها العسكرية، ولكن الخسائر والأخطاء التي اقترنت بالتوجه العسكري إلى الحرب الاستباقية، أجبرت الإدارة الأمريكية على التراجع التكتيكي الذي يظهر من إصرار وزيرة الخارجية في فترة بوش الثانية على مدّ يد الدبلوماسية إلى أوروبا، والتوجه إلى التعامل دبلوماسيا مع الأزمات، مثل أزمة الطموح النووي الإيراني وأزمة البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية، كما أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم، قد تشكّـل درسا جديدا للجمهوريين، إذا فقدوا أغلبيتهم في أي من مجلسي الكونغرس”.
الحصاد المر
ويرى الدكتور عبد السلام مغراوي، مدير مبادرة العالم الإسلامي في المعهد الأمريكي للسلام أن حصاد الغزو الأمريكي للعراق كان مزيجا من التحديات الضخمة، التي أجبرت الإدارة الأمريكية على خفض سقف التوقعات لما يمكن تحقيقه في العراق، وبحيث يصعب الحديث عن صافي الربح، ويصبح من الواقعي الحديث عن تقليص الخسائر، وهو ما عكسته أحدث استطلاعات لرأي الشعب الأمريكي، حيث أظهرت زيادة مطردة في تشكك الأمريكيين في جدوى المغامرة الأمريكية في العراق، خاصة مع عدم تحسن الأوضاع هناك بشكل متسارع، واستمرار تكبّـد القوات الأمريكية لخسائر في الأرواح.
وحتى بالنسبة لهدف تحويل العراق إلى نموذج للديمقراطية في العالم العربي، يرى الدكتور عبد السلام مغراوي أنه تراجع، حيث أصبح حديث الإدارة الأمريكية منصبا على توفير الاستقرار والمصالحة والوحدة الوطنية، وتقليص حجم العنف في العراق لتمهيد الطريق أمام استئناف جهود إعادة الإعمار. وهكذا، فإنه حتى هدف تحقيق الديمقراطية تعرّض إلى خفض في سقف التوقعات.
وحتى لو تمكّـنت الحكومة العراقية من تحقيق الوحدة الوطنية، وتفاوضت مع الجماعات المتمردة لوقف العنف، فإن العراق لن يصبح نموذجا يحتذى للديمقراطية في العالم العربي، وإنما سيتمكن فقط من تحقيق نوع من تشجيع الممارسة السياسية للعراقيين.
وسيلزم وقت طويل جدا قبل أن تبدأ الديمقراطية خطواتها في العراق، إذ سيلزم أوّلا توفير حكومة تفرض سيطرتها على كامل التراب العراقي، وجيش موحد، وليس ميليشيات متعددة، وتوفير الاستقرار والأمان، ثم ممارسة الناخبين لحقوقهم السياسية في ضوء وعي سياسي ببرامج الأحزاب، والقبول بتداول السلطة عن طريق صناديق الانتخابات.
ويرى الدكتور مغراوي أن التحدّيات التي واجهت المغامرة العسكرية الأمريكية في العراق أظهرت محدودية جدوى اللجوء إلى القوة العسكرية الأمريكية، وضرورة التصرف في مواجهة الأزمات في إطار المجتمع الدولي والقانون الدولي، ولذلك، فإن الحصاد الأهم هو الدرس المستفاد من شن الحرب الاستباقية على العراق، وليس تنفيذ استراتيجية المحافظين الجدد التي تستند إلى جبروت القوة العسكرية الأمريكية.
وأعرب الدكتور عبد السلام مغراوي عن اعتقاده بأن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر القادم قد تضع الجمهوريين في موقع الدفاع عن الحزب الذي وقف مع سياسات إدارة بوش، ولذلك، يشعر الجمهوريون بضغط عصبي شديد مع كل تدهور أو أخبار سيئة تأتي من العراق. فإذا وقع هناك شيء سيئ قبل الانتخابات، فستكون له نتائج مباشرة على الأغلبية التي يتمتّـع بها الجمهوريون حاليا في مجلسي الكونغرس. غير أن عدم وجود حلول أو أجندة واضحة من الحزب الديمقراطي للتحديات في العراق، قد يقلص من تأثير الوضع في العراق على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.