مارك ريتش و”شبكة عنكبوت” المافيا الروسية
أثارت معلومات وردت في وثيقة الإتهام الصادرة عن مكتب المدعي العام في مدينة بولونيا الإيطالية الشكوك مجددا حول رجل الأعمال الشهير مارك ريتش المقيم في سويسرا..
امتدت خيوط “شبكة العنكبوت”، وهو الإسم الذي أطلقته أجهزة الأمن الإيطالية على أكبر عملية تعقب واقتفاء أثر لشبكات المافيا الروسية نفذت في سبع دول غربية على الأقل، لتشمل منذ يوم الإثنين الماضي مدينتي جنيف (غربا) وسانت غالن (شرقا) وكانتون تيشينو (جنوبا) في سويسرا وشخصية دولية بارزة في مجال الأعمال تحمل اسم مارك ريتش.
سويس إنفو اطلعت على تقرير الإتهام الذي يقع في ست مائة صفحة واتضح أنه يتضمن أسماء مائة وخمسين متهما ومئات الشركات المتورطة في كل أوروبا. وإلى حد الساعة، تم إلقاء القبض على خمسين شخصا وفتش ثلاثمائة محل واحتجزت ممتلكات تصل قيمتها إلى مائة مليون يورو.
ويكشف نفس التقرير عن وجود علاقات بين رجل الأعمال مارك ريتش المقيم في سويسرا وبين غريغوري لوتشانسكي الذي يزعم أنه أحد عرابي المافيا الروسية لكن اسمه لم يرد ضمن أكثر من مائة وخمسين شخصا أدينوا من طرف مكتب المدعي العام في مدينة بولونيا الإيطالية. وقد اتصلت سويس لإنفو بكتابة السيد ريتش لكنها رفضت اتخاذ أي موقف بخصوص التحقيقات الإيطالية. في الوقت الحاضر على الأقل!
تفاصيل الشبكة
وقد انطلقت هذه القضية المتشابكة الخيوط في الواقع منذ عام 1997 عندما بدأت العدالة الإيطالية في إجراء تحقيق حول شبكة عنكبوتية (تنتشر في العديد من البلدان من ضمنها سويسرا) لإعادة استعمال أموال مكتسبة بصفة غير مشروعة في روسيا تتعلق بالمافيا الروسية. وتهدف العملية الواسعة التي قامت بها قوات الشرطة في بداية الأسبوع إلى تفكيك الشبكة ووقف نشاطاتها الإجرامية.
من الناحية العملية، تتلخص الطريقة المستعملة في إرسال مبالغ مالية ضخمة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا إلى مصارف غربية بواسطة فواتير أو أوامر دفع بنكية مزورة. وبعد أن تتم عملية “تبييض” الأموال، تبعث مجددا إلى الجهات المرسلة أو يتم تحويلها إلى مقتنيات متنوعة كالأثاث الفاخر أو المعدات الزراعية أو الملابس الثمينة.
وقد اكتشف المحققون أن الأسلوب المتبع استند إلى شبكة واسعة من الشركات المرتبطة ببعضها على غرار “العلب الصينية”. وتوصلوا إلى أن شركة “بريما” التي يوجد مقرها في مدينة ريميني الإيطالية كانت تعمل في مجالات متعددة كالتسويق والتصرف والمعلوماتية والتجارة الدولية والعقارات طبقا للقوانين التجارية المعمول بها.
هذه الشركة الإيطالية التي لعبت دورا “محوريا” في عمليات “تبييض” مبالغ هائلة من الأموال كانت مسيرة من جانب الأخوين أوليغ وإيغور بيريزوفسكي الروسيين. وطبقا لما جاء في وثيقة الإتهام الإيطالية، فان شركة “بريما” كانت تتوفر على عدد كبير من العملاء.
من بين هؤلاء العملاء ذكر المحققون شركتي “ترانسرايل هولدينغ (Transrail Holding) في سانت غالن و “كاماسا” (Camasa) في التيشينو ومؤسستين ماليتين في جنيف هما أولمبيا للإستثمارات (Olympia Investments) و “في أند أي فينينشال” (V&I Financial) اللتان تم تفتيشهما من قبل المحققين السويسريين.
من جهة أخرى أدين العديد من مسيري هذه الشركات، من بينهم رجال أعمال سويسريون من سانت غالن ومن التيشينو وروس مقيمون في سويسرا وفي فرنسا. ووجهت إليهم السلطات الإيطالية بالخصوص تهم “تكوين عصابة مفسدين” و”تبييض أموال مكتسبة بصفة غير مشروعة” كما طلبت من الجهات المعنية في فرنسا وسويسرا إلقاء القبض عليهم وتسليمهم إليها.
أي دور لمارك ريتش؟
من الأسماء التي لفتت الأنظار إليها في قائمة الأشخاص المطلوبين للعدالة في هذه القضية غريغوري لوتشانسكي وهو أوزبكي يبلغ سبعة وخمسين عاما من العمر يقيم في النمسا. وتفيد معلومات صادرة عن الشرطة الدولية “إنتربول” أن رجل الأعمال هذا قد أسس في عام تسعة وثمانين شركة نورداكس (Nordex) في فيينا.
ويبدو أن هذه المجموعة التي لديها فروع في كندا وألمانيا وإيرلندا وليتوانيا وروسيا وأوكرانيا وسويسرا قد لعبت دورا محوريا في شبكة تبييض الأموال التي كشفت عنها تحقيقات القضاء الإيطالي حول تحويلات مالية مشبوهة بلغت قيمتها سبع مليارات دولار قامت بها ثلاث شركات أمريكية (بينيكس و لوولاند وبيكس: Benex, Lowland, Becs) لعبت دور الغطاء القانوني للعمليات عبر الحسابات المصرفية التي كانت مفتوحة باسمها في بانك أوف نيويورك.
وتفيد العديد من المصادر الأمنية أن غريغوري لوتشانسكي قد يكون مرتبطا بأوساط الجريمة المنظمة وتؤكد أنه قد صدر عليه حكم بالسجن لمدة سبعة أعوام في عام ثلاثة وثمانين في ليتوانيا بتهمة “سرقة ممتلكات الدولة”.
أما فرع الإنتربول في موسكو فيقول إن الملياردير مارك ريتش يوجد ضمن الشركاء المؤسسين لشركة نورداكس. وهنا يظهر على مسرح الأحداث مارك ريتش الذي ولد في أنفارس ببلجيكا في عام أربعة وثلاثين وهو شخص آجتذب اهتمام وسائل الإعلام العديد من المرات في السنوات الأخيرة.
غلنكور تنفي!
للتذكير فقد لجأ مارك ريتش إلى سويسرا في عام ثلاثة وثمانين قبل إصدار القضاء الأمريكي بطاقة جلب ضده بتهم الإبتزاز والتزوير التهرب الجبائي. واختار رجل الأعمال مدينة تسوغ شرقي سويسرا لمواصلة نشاطه بكل اطمئنان. ذلك أن التهرب الضريبي لا يعتبر جريمة في سويسرا، لذا فان برن ترفض منذ ذلك الحين تسليمه إلى السلطات الأمريكية.
لكن الأيام الأخيرة لشهر يناير من عام ألفين وواحد شهدت مفاجأة مثيرة حيث وقع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قبل ساعات من مغادرته لمنصبه على قرار عفو بحق مارك ريتش أثار موجة هائلة من ردود الفعل.
أما اليوم فان الإتهامات تأتي من إيطاليا حيث توصل المحققون إلى الكشف عن وجود علاقات بين مارك ريتش وعراب المافيا المزعوم غريغوري لوتشانسكي من جهة وبين شركتي غلنكور (Glencore) التي ترأسها ريتش إلى عام أربعة وتسعين وبيتيكس (Bettex) التي يعتقد أنها من أهم شركات شبكة تبييض الأموال في الولايات المتحدة، من جهة أخرى.
لكن المتحدثة باسم شركة غلنكور نفت في اتصال هاتفي مع سويس إنفو هذه الإتهامات. وقالت السيدة لوتي غريناخر: “إن هناك خلطا في الموضوع. شركتنا ليست لها علاقات بشركتي بينيكس ونورداكس” وأضافت: “كثيرا ما يتم الربط بيننا وبين مارك ريتش وبودنا تصحيح هذا الأمر. نحن لسنا متورطين في قضية تبييض الأموال هذه!”
أخيرا لا بد من التنويه إلى أن قرار الإتهام الصادر عن محكمة بولونيا بإيطاليا يشير إلى أن مارك ريتش لا زال أحد أصحاب القلة من الأسهم الثلاثمائة والستين في شركة غلنكور!!
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.