أسواق المال العالمية: هل اقترب أوان الانهيار؟
تحوّلت أزمةُ الإئتمان في الولايات المتحدة إلى أزمة ثقة. فهل من الممكن حدوث الأسوأ وما هو؟ وما هو عمق أزمة الانكماش الاقتصادي وهل سيؤثر الركود على بقية العالم؟ أين سيتوقف التراجع المتكرر للبورصات العالمية؟ السيناريوهات تتعدد وتتباين، بما في ذلك سيناريو أسوأ نهاية.
وحول هذه التساؤلات، يقدم خبيران اقتصاديان سويسريان آراء متناقضة في تصريحات أدليا بها لسويس انفو عشية إعلان أكبر مصرف في البلاد، يو بي إس، عن تسجيل خسائر جسيمة في الثلاثي الأول من العام واستقالة رئيسه، مارسيل أوسبيل، من مجلس الإدارة.
فيرناندو مارتينس دا سيلفا، رئيسُ قسم الإستراتيجية الاقتصادية في مصرف كانتون فو (BCV) ينظر للوضع بـأعصاب هادئة؛ فهو يرى أنه من “المُستبعد جدا” حدوث سيناريو انهيار الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي.
وفي الوقت الراهن، تـُقيـِّد البنوك إجراءات منح القروض التي تشهد تكلفتها ارتفاعا ملحوظا، خاصة في الولايات المتحدة. كما زاد انعدام الثقة بين الفاعلين الماليين، بحيث يخشى كل طرف من أن يـُفلس الطرف الآخر في مُستقبل قريب.
وإذا كان الأمر كذلك، يمكن أن يؤدي إفلاس المؤسسات المالية إلى “سلسلة فقدان السيولة” في أسواق رأس المال. وإن جفت الأسواق، سيتعين على الفاعلين الاقتصاديين والماليين التنازل عن أجزاء كبيرة من حقائبهم، حتى وإن كانت مُدرجة في مشاريع استثمارية جيدة. والنتيجة: انخفاض في أسعار الأصول المالية، وخسائر بالجملة…
ويقول مارتينس دا سيلفا في هذا السياق: “من الناحية النظريـة، يمكن أن تتراجع البورصات إلى مستويات متدنية جدا في حال حدوث حالات إفلاس كثيرة، حتى تبلغ القيمة الإسمية للأسهم. لكن هذا سيكون بمثابة السيناريو الكارثي بنسبة بطالة تتراوح بين 20 و30%. ونحن لازلنا بعيدين عن ذلك الوضع”.
شلل النظام
وستكون بداية السيناريو الأسوأ بانزلاق منهجي للمؤسسات المالية مثل المصارف والصناديق التحويطية. وبعد الحرمان من السيولة، “لن يثق أحد في أحد”.
وستؤدي التصفية الجبرية للكثير من الأصول إلى شلل النظام، في حين يحتاج الاقتصاد الحقيقي إلى أسواق رؤوس المال لتمويل نفسه ودفع فواتيره. وفي حال تجمّد الاستهلاك والاستثمارات لدى الشركات والخواص على حد سواء، سيتعطل النمو الاقتصادي العالمي، أو حتى يقع فريسة للأزمة.
ويرفض مارتينس دا سيلفا حدوث سيناريو تفشي البطالة والفقر المُستشري، إذ يظل على قناعة بأن التناقضات كبيرة بين الكساد الكبير لعام 1929 والوضع الاقتصادي العالمي اليوم.
فالقطاع الصناعي، على سبيل المثال، لا يعاني من تضخم في العمالة مثلما كان الأمر عليه في السابق. والمصارف المركزية، بدل التشدد في سياسة الإقراض، تفتح خزائنها بسخاء. ويمكن القول أن الجميع “محظوظون” في هذه الفترة بفضل ضعف نسبة التضخم الذي لا “يلتهم” الجزء الأكبر من الموارد الضخمة التي وقع ضخها في النظام المالي.
سيناريو الإنقاذ
وإذا كانت الحالة ستزداد سوءا، فيتصور مارتينس دا سيلفا جيدا تدخلا من جانب السلطات العمومية، مثل ما حدث خلال إنقاذ النظام المصرفي السويدي في بداية عقد التسعينات.
وعندئذ، يمكن أن نشهد تأميما (مؤقتا) لجزء من المصارف وبعض الديون السيئة، إذ ستلعب السلطات العمومية دور الصناديق التي ستتحمل جزء من الديون.
وبما أن الوضع “لم يبلغ هذه الدرجة من السوء”، يعتقد مارتينس دا سيلفا أن ضمانات الدولة ستسمح للنظام الاقتصادي والمالي بالخروج من المأزق والعمل مُجددا، لكن فقط إذا اقتضت الضرورة مثل هذا الحل…
من جهته، يظل بول ديمبينسكي أكثر تشككا، إذ يقول مدير “مرصد المالية” في جنيف والأستاذ كلية الاقتصاد بجامعة فريبورغ: “أعتقد أن المسؤولين عن المصارف المركزية يقومون بأي شيء ونقيضه في محاولة لطمأنة من يمكن طمأنتهم لكي لا يقوموا بإلقاء الرضيع مع الماء (أي يستسلموا للـذعر)”.
مسألة مستوى
ويرى البروفيسور ديمبينسكي أن السيناريو الأسوأ ليس فقط من نسج الخيال بل يعتمد على مستوى تدني الثقة في النظام المصرفي والإئتمان. ويتصور أن مرحلة امتصاص الأزمة المالية ستكون “مؤلمة جدا”؛ إذ سيُضاف إلى المشكل البنيوي للاقتصاد المالي ذوبان حقيقي (أي انهيار فظيع) لقيمة ميزانيات الفاعلين الاقتصاديين والاستهلاك.
ويقول البروفيسور ديمبينسكي في هذا الشأن: “لن يُفلت أي قطاع اقتصادي. أما العناصر التي ستتمكن من البقاء، فهي تلك المتجذرة بشكل مباشر في الاحتياجات اليومية للبشر: الأكل واللباس والمأوى”.
وفي كتاب له صدر مؤخرا*، يضع بول ديمبينسكي كتشخيص طويل المدى، أن بعض الآراء والقيم، لا سيما في مجال الاقتصاد، دفعت النظام إلى نقطة القطيعة. ويكتب في هذا الصدد: “نحن نواجه استنزافا حادا للغاية لـ “المادة البشرية” التي تغذي طريقة عمل الاقتصاد”.
ويضيف “إنني أميل إلى قراءة الوضع الراهن من حيث المشكلة النظامية. أنا لا أقول إننا شهود على الأزمة الأخيرة وعلى الإنهيار. لكننا نعيش، على الأقل، مرحلة ارتجاف”.
* “مالية صالحة أم مالية مغالطة؟”، إصدارات دوسكلي دو بروفر
Finance servante ou finance trompeuse?, aux éditions Desclée de Brouwer
سويس انفو – بيير فرانسوا بيسون
(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)
يعد مصرف كانتون فو (BCV) من ضمن المصارف الدولية الرئيسية الخمسة في سويسرا. وهو ثاني مصرف كانتوني في الكنفدرالية بعد مصرف زيورخ.
تمتلك دويلة فو 67% من أسهم مصرف الكانتون الذي تأسس عام 1845.
أما مرصد المالية، فهو مؤسسة تتيح تبادل وجهات النظر ودراسة الأوضاع الاقتصادية، وتهدف إلى توعية الأوساط المالية بالبحث عن الصالح العام، ويعود تأسيسها لعام 1996.
في الوقت الراهن، تتوقع وكالات الاستشراف الاقتصادي الرئيسية بأن الاقتصاد السويسري سيواصل النمو في الأشهر المقبلة.
على سبيل المثال، يراهن مركز الأبحاث حول الظرف الاقتصادي KOF في زيورخ على زيادة فعلية بنسبة 2,1% لإجمالي الناتج الداخلي في عام 2008 (و2% في عام 2009).
أما المصرف الوطني السويسري فيتوقع نموا يتراوح بين 1,5 و2% لهذا العام. بينما تستقر تلك النسبة في 1,9% في توقعات مصرف كريدي سويس (ثاني أكبر مصرف في الكنفدرالية)، وأيضا كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية.
في المقابل، يتوخى صندوق النقد الدولي نموا يلامس نسبة 1,5%. لكن خبراء هذه المؤسسة المالية العالمية يعتقدون أن الاقتصاد السويسري بإمكانه في هذه المرحلة التغلب على الأزمة المالية دون أضرار كبيرة.
(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.