مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“إيرونديل” السويسرية تدعم إصلاح العمل الإذاعي في تونس الجديدة

لقطة من مظاهرة شارك فيها صحفيون تونسيون يوم 3 مايو 2011 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في تونس العاصمة AFP

وقعت منظمة "إيرونديل" غير الحكومية السويسرية يوم 26 أغسطس في تونس العاصمة معاهدة مع مؤسسة الإذاعة التونسية ستساعد بموجبها أكثر من 100 من صحفيي الإذاعات الوطنية والجهوية على تنظيم تغطية انتخابات المجلس التأسيسي بأسلوب مهني قد يشكل قطيعة مع نوعية الإعلام الذي ساد في عهد الرئيس المخلوع بن علي.

ومن أبرز ما يتضمنه دعم مؤسسة إيرونديل لمُذيعي تونس ما بعد “ثورة الياسمين” التي لم تعرف تنظيم انتخابات حقيقية منذ استقلالها عام 1956، وضع مدونة سلوك، وميثاق انتخابي، وإعداد جدول برامج خاصة بالانتخابات تمنـح الكلمة بوقت متساو لكافة الأحزاب، وتتيح لأبناء الشعب التونسي فرص التعبير عن رأيهم وطرح أسئلتهم على المُرشحين، حتى في أكثر المناطق عزلة في البلاد.

وستصبح تونس بالتالي البلد الإفريــقي السادس الذي ستنشط فيه مؤسسة “إيرونديل” (تعني الخُطاف) السويسرية التي تساعد على بناء /أو دعم إعلام حر ومستقل ومهني في بؤر الأزمات أو المناطق التي تعيش فترات انتقالية في البلدان النامية.

وفي حديث مع swissinfo.ch، أوضــح سامويل توربان، أحد المسؤولين عن المشاريع في وكالة إيرونديل للأنباء، والمشرف على إنجاز مشروع إيرونديل الجديد في تونس حيث ستفتح المؤسسة مكتبا صغيرا في تونس العاصمة، مراحل نشأة ومضمون هذا التعاون، وطبيعة التحديات التي تطرحها مساعي إصلاحية من هذا القبيل.

swissinfo.ch: كيف نشأ مشروع هذا التعاون وما هي خطوطه العريضة؟

سامويل توربان: الأحداث هي التي أملته علينا. فقد تم الاتصال بنا من طرف الرئيس المدير العام لمؤسسة الإذاعة التونسية حبيب بلعيد الذي كان قد عــُيــّن حديثا في هذا المنصب بعد 14 يناير الماضي. وهو كان يعرف مؤسسة إيرونديل وخاصة رئيسها جون ماري إيتير في إطار التبادل بين الإذاعات الفرانكوفونية. وهكذا نشأت فكرة التعاون التي فرضت نفسها في نهاية المطاف.

ويركز المشروع على نقطتين أساسيتين، تتمثل أولاهما في أن مؤسسة إيرونديل ستُقدم الدعم (على مستوى التكوين) للإذاعة التونسية، ولن تخلق بتاتا مؤسسة جديدة؛ لأن الإذاعة التونسية تتوفر بعدُ على شبكة خدمات عامة جيدة جدا تضم في المجموع تسع إذاعات عمومية، منها أربع إذاعات مركزية وطنية (الإذاعة الوطنية، وإذاعة تونس الدولية، وإذاعة الشباب، والإذاعة الثقافية) تغطي جميع أنحاء البلاد، فضلا عن خمس محطات جهوية تغطي ثلاث أو أربع محافظات وفقا لقدراتها التقنية.

أما النقطة الثانية فتتمثل في الدور الذي ستقوم به مؤسستنا، ويتجسد في تقديم المشورة والخبرة والأفكــار علما بأن الطرفين يشاركان في عملية اتخاذ القرار وفقا للمعاهدة التي تربط الإذاعة التونسية ومؤسسة إيرونديل، والتي تنص بوضوح تام على تقرير وتنفذ جميع الإجراءات معا. ومن المهم جدا الإشارة هنا إلى أن مؤسسة إيرونديل لا تمتلك أية سلطة لاتخاذ أي قرار بمفردها أو فرض شيء ما على الإذاعة التونسية التي تحتفظ اليوم بالسيطرة التامة على خطها التحريري.

هل يمكن الحديث عن تفاصيل الدعم الذي ستقدمونه لمؤسسة الإذاعة التونسية؟

سامويل توربان: في مرحلة أولى، سنركز على الإعداد لانتخابات المجلس التأسيسي التونسي التي ستجري يوم 23 أكتوبر القادم، وسنقدم ضمن هذا السياق دعما مُحددا يتمثل في تجهيز الإذاعة التونسية بميثاق انتخابي يكون بمثابة مرجعية (في حال صدور شكاوى عن الأحزاب السياسية وغيرها)، وبمدونة سلوك، وبجدول برامج خاصة بالانتخابات تتم على أربعة مراحل:

 مرحلة ما قبل الانتخابات ستتم خلالها عملية التوعية بعمليات التصويت وشرح مضامين بنود القانون الانتخابي، ثم مرحلة الحملة الانتخابية الرسمية التي ستتواصل من 1 إلى 21 أكتوبر التي يجب الحرص خلالها على تحقيق التوازن عند منح الكلمة لكافة الأحزاب السياسية، تليها مرحلة الاقتراع يوم 23 أكتوبر حيث ستتم تغطية جميع أنحاء البلاد من خلال تعبئة المراسلين والمحطات الجهوية (المذكورة سلفا) في محاولة للوصول إلى المناطق الأكثر عزلة، ولتحقيق الشفافية أثناء عمليات التصويت. أما المرحلة الأخيرة فســتتم ما بعد الانتخابات لإدارة كافة النتــائج والشكاوى المحتملة والممكنة.

ما هي خصائص البرامج التي ستُنجز خلال الحملة الانتخابية؟

سامويل توربان: سنطور في الفترة الممتدة من 1 إلى 21 أكتوبر برامج خاصة حول النقاشات التي تطرح فيها آراء متناقضة، والتي تتطلب إدارة التفاعل بين المتدخلين، بما أننا سنقترب حقا من المواطنين لكي يتمكنوا من طرح أسئلتهم على المرشحين في الانتخابات، كما سيتولى القائمون على هذه البرامج شرح طريقة الاقتراع والتحديات التي يمثلها، لا سيما وأن تشكيل مجلس تأسيسي يظل فكرة معقدة ليس من السهل استيعابها. وبطبيعة الحال، ستتاح إمكانية تقديم كافة الأحزاب والقوائم الانتخابية، وهذا يقتضي منح وقت متساو لكل حزب على حده، وهو شيء يصعب تصوره علما أن البلاد تضم اليوم 105 حزبا، مما يتطلب تجهيزات خاصة.

على ذكر التجهيزات، كم عدد أفراد فريق إيرونديل الذي سيقدم هذا الدعم الذي يبدو هائلا..

سامويل توربان: سيصبح لدينا خبير دائم في تونس العاصمة حيث سنفتتح مكتبا صغيرا. وسيعرض ممثل إيرونديل، وهو تونسي- فرنسي، خبرته على الإذاعات الوطنية، وسيحصل على المساعدة الإدارية واللوجستية من قبل فريق دعم صغير. وستتخلل مهام المكتب بعثات خبراء سيقدمون من إذاعة سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) ومن راديو فرنسا بحيث سنحاول جلب أكبر قدر من الخبرة من وسائل إعلام مختلفة – بما أن تجربة الأسلوب الانتخابي السويسري تختلف تماما عن الأسلوب الفرنسي أو النمط الكندي الذي سيمثله أيضا خبراء كنديون فرانكوفونيون. وسيــُقضي كل واحد من هؤلاء الخبراء فترة أسبوعين لتنفيذ مهام دقيقة للغاية. كما سنستعين بخبراء من بلدان عربية شاركوا في عمليات انتخابية، وقد يكونون فلسطينيين أو أردنيين، بحيث لم يتم الحسم بعد في هذه المسألة. 

وماذا عن عدد الصحفيين التونسيين الذين سيستفيدون من هذا التكوين؟

سامويل توربان: في المجموع، سيستفيد ما بين 150 و160 صحفي من هذا التكوين، ولكن لن يشارك بالفعل إلا قرابة 100 منهم في تنفيذ البرامج  الانتخابية للمحطات الوطنية الأربع والجهوية الخمس.

تبدو عملية التكوين هاته مهمة جسيمة بما أن الصحفيين التونسيين لم يتمكنوا، شاءوا أم كرهوا، من ممارسة عمل صحفي مهني في ظل حكم زين العابدين بن علي، بماذا ستبدؤون؟

سامويل توربان: ستكون نقطة الانطلاق، وأقولها بدون أية أحكام مُسبقة، من طرف الصحفيين أنفسهم الذين يستنتجون لوحدهم، مثلما استنتجت شخصيا منذ أن بدأت زياراتي إلى تونس في شهر مارس الماضي، بأن الكلمة تحرّرت مع ما يمكن أن يرافق ذلك من تجاوزات. وقد أدت (الانزلاقات) إلى فقدان التوازن وإلى ظهور توترات عندما تحاول هيئات مراقبة إعادة الأمور إلى نصابها، مثل الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال التي تأسست في تونس بعد 14 يناير.

فعندما تبلغ الهيئة بحدوث تجاوزات وانزلاقات، لا يتقبل الصحفيون تلك الملاحظات بصدر رحب بحيث يقولون إنهم يتعرضون (مجددا) للرقابة. فمفاهيم التوازن، وذكر المصادر، والتحقق منها، ليست أشياء مكتسبة وأعتقد أن البداية ستكون الانطلاق من هنا.

ولكن كيف يمكن القيام بانطلاقة جديدة والتمتع بقدر معقول من المصداقية إذا كان العديد من هؤلاء الصحفيين قد كانوا لوقت قريب في خدمة نظام ديكتاتوري؟

سامويل توربان: عليهم اليوم أن يُظهروا بأنهم انتقلوا إلى مرحلة أخرى، واعتقد أن هذا يمر في الواقع عبر تطبيق القواعد الصحفية الأساسية، وإذا ما بذل الجميع جهودا لتطبيق هذه القواعد الأساسية فسيكتسبون تلك المصداقية. وستساعد مؤسسة إيرونديل على تحديد تلك القواعد ضمن الميثاق الانتخابي أيضا.

هل يمكن القول إذن إن الانطلاق من “درجة الصفر” هو بمثابة فرصة في هذه الحالة؟

سامويل توربان: نحن لا ننطلق تماما من درجة الصفر لأن هنالك العديد من المهارات على عين المكان. إنها عملية تجديد أو نهضة بالأحرى. فخلافا لبلدان أخرى ننشط فيها، مثل الكونغو حيث (ساهمت إيرونديل في إنشاء) إذاعة أوكابي وحيث يعتبر المستوى الصحفي الأساسي ضعيفا جدا، يوجد في تونس أشخاص لهم مستوى جامعي ومنهم من استفاد كثيرا من دورات التكوين في الخارج، وخاصة ضمن مؤسسات الإعلام السمعي والبصري العمومية الفرنسية (…)، إنهم أشخاص سافروا وزاروا راديو فرنسا ولديهم معرفة بالمجال، وبالتالي سيمكننا تحقيق تقدم سريع مقارنة مع الكونغو على سبيل المثال.

لكن تلك المهارات كانت مخنوقة لسنوات عديدة؟

سامويل توربان: وهذا ما يفسر الشعور بالإحباط، عندما يُخنق المرء لمدة خمسة وعشرين عاما، مـن الواضح أنه (يصعب عليه)  استئناف عادات أخرى، وبعد الاستمتاع بمرحلة النشوة (على إثر الثورة)، غالبا ما يحدث نوع من الانتكاسة بحيث يعود المرء إلى مكتسبات الماضي، وأعتقد أن الخطر الأكبر في نهاية المطاف، بعد فترة التجاوزات، سيتمثل في (اعتماد) الرقابة الذاتية.

هي منظمة سويسرية غير حكومية خاصة بالإعلاميين وبالمشتغلين في مجال العمل الإنساني. ومنذ 1995، تقوم هذه المؤسسة على إنشاء وسائل إعلام أو تقدم الدعم والعون لمؤسسات هي موجودة في الأصل، وتحرص على أن تكون هيئات إعلامية مستقلة في خدمة جميع الفئات بدون استثناء، خاصة في المناطق التي تشهد حروبا، أو في المناطق الخارجة لتوها من أوضاع عدم الإستقرار.

تقوم مؤسسة إيرونديل على تطوير وسائل إعلام شعبية، وتحرص على أن تنال هذه الأخيرة ثقة المواطنين في البلدان التي تنشط فيها. كما أنها تولي عناية كبيرة لعامليْ المصداقية والثقة عبر خلق صحافة تتميّز بالحرفية والدقة.

يشرف على المؤسسات الإعلامية التي تنشؤها إيروندال أشخاص هم من أبناء البلد الذي يوجد فيه المشروع، وتكون كل البرامج ما أمكن باللغة الوطنية لذلك البلد.

وتحرص هذه المؤسسة على أن ضرورة تميز الهيئات الإعلامية التي تستفيد من دعمها بالإستدامة، وأن تعمل على أداء دورها الإعلامي والاجتماعي على أكمل وجه.

تدعم إيرونديل حاليا وسائل إعلام في جمهورية وسط إفريقيا، وسيراليون، وليبيريا، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا. وسيضاف إلى هذه القائمة الآن الدعم الذي ستقدمه إلى تونس.

 

تهدف المؤسسة، بإذاعاتها الخمس ووكالة الأنباء الخاصة بها، إلى إنشاء أو دعم 15 وسيلة إعلام بحلول عام 2015.

 

في عام 2010، حصلت مؤسسة إيرونديل على دعم من حكومات ألمانيا، وبلجيكا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيرلندا، ولوكسمبورغ، وهولندا، والمملكة المتحدة، والسويد، وسويسرا، والاتحاد الأوروبي، والمنظمة الدولية للفرانكوفونية، وأيضا من قبل شركاء ومانحين خواص، ومن مانحين فرديين.

يتكون فريق مؤسسة إيرونديل من مجموع 213 موظفا حول العالم من حوالي عشرين جنسية: يتواجد 16 منهم في مقر المؤسسة بمدينة لوزان السويسرية، و16 سويسريا يعملون على الميدان، و181 من الصحفيين والمنشطين والتقنيين والإداريين والمتعاونين الوطنيين الذين يعملون بموجب عقد.

في عام 2010، بلغت ميزانية المؤسسة 9 مليون فرنك.

 

(المصدر: الموقع الإلكتروني لمؤسسة إيرونديل)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية