مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأوساط الإقتصادية تحذّر من مخاطر عدم المصادقة على اتفاق برن وواشنطن

تحذر الأوساط القريبة من المصارف وأرباب العمل من أن يؤدي إخفاق البرلمان في المصادقة على الإتفاق مع الولايات المتحدة، إلى تعريض الإقتصاد السويسري إلى حالة من عدم الإستقرار، وفقدان الكثير من الوظائف. Keystone

بعد يوم فقط من رفضه في مجلس النواب، صادق مجلس الشيوخ مجددا على الإتفاق الذي أبرمه أكبر مصرف سويسري مع إدارة الضرائب الأمريكية برعاية حكومتيْ البلدين. وسيعود الإتفاق الذي يقضي بتسليم الولايات المتحدة بيانات مصرفية سرية خاصة بمئات من مواطنيها مقابل إيقاف متابعتها القضائية ليو بي إس إلى مجلس النواب للمصادقة عليه أو رفضه نهائيا.

وأدى تصويت الغالبية بمجلس النواب يوم الثلاثاء 8 يوينو 2010 ضد الإتفاق إلى إثارة مخاوف العديد من الدوائر الإقتصادية التي تخشى أن يتسبب رفضه في إلحاق أضرارا بالغة بالقطاع المصرفي خصوصا وبالإقتصاد السويسري عموما.

وحذّرت Economiesuisse (أو رابطة الشركات السويسرية) التي تُـدافِـع عن مصالح الشركات وأرباب العمل في سويسرا، من أن الرفض النهائي لهذا الإتفاق سوف يضر بالإقتصاد السويسري، ويقود إلى حالة عامة من عدم الإستقرار. ودعت الأحزاب السياسية والبرلمانيين إلى “تغليب مصالح البلاد على مصالحهم الحزبية الخاصة”.

وأشار جيرولد بوهرر، رئيس الرابطة إلى أن رفض مجلس النواب المصادقة على الإتفاق في قراءته الأولى من شأنه أن يعرّض العلاقات الإقتصادية الجيدة والممتازة بين سويسرا والولايات المتحدة، أقوى الشركاء الإقتصاديين للبلاد، إلى الخطر. مضيفا بأن “المصادقة على هذا الإتفاق أمر أكثر من مهم وضروري بالنسبة للإقتصاد السويسري”.

كذلك حذّر بوهرر أعضاء مجلس النواب، ودعاهم إلى “تجنيب البلاد الإنعكاسات السلبية لعدم إقرار الإتفاق”، والتي لن تتوقف، بحسب رأيه، عند الساحة المالية، بل “سوف تشمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، العاملة في قطاعي الصناعة والخدمات”.

مزيج قوي ومتفجر

قرار مجلس النواب أصاب بالإحباط أيضا جمعية المصارف السويسرية التي نادت بضرورة المصادقة على الإتفاق حفاظا على مصالح البلاد. وبالنسبة لأورس روث، مدير هذه المؤسسة: “يجب على البرلمان إقرار هذا الاتفاق لتجنّب الإنعكاسات السلبية الخطيرة التي يمكن أن تلحق بمصرف يو بي أس ومن وراءه الإقتصاد السويسري بأكمله”.

وكانت الولايات المتحدة قد قامت في البداية بمتابعة المصرف السويسري بعد اتهامه بمساعدة مواطنين أمريكيين على إخفاء بعض أو كل ثرواتهم في حسابات سرية لدى المصرف السويسري بعيدا عن رقابة إدارة الضرائب في بلادهم.

وبعد أن فرضت سلطات العدل الأمريكية على المصرف دفع غرامة مالية قدرها 780 مليون دولار في فبراير 2008، توصل البلدان لاحقا إلى اتفاق يقضي بتسليم يو بي إس البيانات المصرفية السرية المتعلقة بما يزيد عن 4.450 حريف أمريكي بحلول يوم 20 أغسطس 2010، مقابل وقف السلطات الأمريكية للمتابعات القضائية ضد المصرف.

أدت هذه القضية إلى انقسام في مواقف الأحزاب السياسية، وإلى استقطاب حاد بين الحزب الإشتراكي الذي يريد الحصول على ضمانات بفرض قيود على عمل المصارف الكبرى التي تؤدي أخطاؤها إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمصلحة العامة من جهة، وبين حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، الذي يريد مقابل المصادقة على الإتفاق ضمان عدم فرض ضريبة على المكافآت التي يحصل عليها المسؤولون الكبار في المصارف الخاصة، من جهة أخرى.

وفي حديث إلى swissinfo.ch أشار مارتين نافيل، مدير عام الغرفة التجارية السويسرية الأمريكية، إلى أن الخلط بين قضايا السياسات الإقتصادية الداخلية والخارجية، ومسالة الإتفاق السويسري الأمريكي بشأن مصرف يو بي إس قد أدى إلى خلق “مزيج من المشاعر القوية والمتفجرة”. وأضاف يقول: “أعتقد أن الأحزاب السياسية قد ألحقت الكثير من الأذى بسويسرا، ونأمل أن ينتهزوا فرصة المراحل القادمة من عملية المصادقة لإصلاح هذا الخطأ”.

إضافة إلى ذلك، يتوقّع نافيل أن يقود الإعلام الأمريكي حملة قوية ضد قرار الرفض ويرى أنه “ستتبع ذلك حالة شاملة من عدم وضوح الرؤية بالنسبة للشركات التي تجمعها شراكة مع الولايات المتحدة، أو التي لها مقر هناك، ومن المتوقّع جدا ان تسارع إدارة الضرائب الأمريكية إلى اتخاذ الخطوات التي ترى أنها ضرورية للحصول على ما تراه حقا لها بمقتضى هذا الإتفاق، أي 4.450 إسما”.

ويرى رئيس الغرفة التجارية السويسرية الأمريكية أن من التبعات الأخرى لرفض هذا الإتفاق، احتمال ممارسة الولايات المتحدة لضغوط على سويسرا باستخدام اتفاقيات منع الإزدواج الضريبي المعومل بها، أو ربما الإقدام على وضع سويسرا ضمن قائمة سوداء تشمل البلدان غير المتعاونة في المجال الضريبي.

وبالفعل، لم يتأخر رد إدارة الضرائب الأمريكية، حيث أصدرت بيانا أوضحت فيه أن “الأمريكيين ينتظرون أن تلتزم سويسرا ببنود الإتفاق الثنائي، وما لم يحدث ذلك، فنحن على استعداد لاستخدام كافة الخيارات القانونية المتاحة”. وأشار دوغ شولمان، الرئيس السابق لإدارة الضرائب الأمريكية إلى أنه لا يزال يأمل في مصادقة سويسرا على الإتفاق قبل موفى شهر أغسطس القادم.

تسمّم الوضع الإقتصادي

من المنتظر أن يكتفي مصرف يو بي أس بالتعليق على رفض مجلس النواب للإتفاق، بأنه قد “أحيط علما بذلك”. وكانت قيمة أسهم المصرف قد تراجعت صبيحة يوم الثلاثاء 8 يونيو إلى 3.1% لتضاف إلى الخسائر السابقة التي أعقبت تصويت مجلس النواب.

وترددت اصداء الخوف من اقبال البلاد على حالة من عدم الإستقرار لدى مختلف الدوائر السياسية. فأي رفض نهائي للإتفاق يؤدي إلى حالة من اهتزاز الوضع الإقتصادي. وذهب كريستوف داربولي، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي إلى حد القول بأن “هذا سيكون بمثابة السم بالنسبة للإقتصاد”.

أما إيفلين فيدمر شلومبف، وزيرة العدل والشرطة في الحكومة الفدرالية، فقد خاطبت النواب بعد رفضهم المصادقة على الإتفاق قائلة: “ما الهدف من وراء رفضكم هذا، هل سيكون في مصلحة اقتصادنا؟ وهل بإمكاننا وضع حد لهذه القضية المؤلمة”.

كذلك أوضح شارل فافر، من الحزب الليبيرالي الراديكالي، محاولا الحفاظ على موقف يمسك بالعصا من الوسط: “لسنا سعداء بهذا الإتفاق. إنه اتفاق مفروض علينا، وهو جزء من قوانين العصور القديمة. رغم ذلك سوف نقبل به لأنه ضروري جدا لتطبيع علاقاتنا مع الولايات المتحدة. الكثير من مواطن الشغل في خطر، وعلينا التحلي بالمسؤولية”.

إستفتاء عام إختياري

ومما يزيد في تعقيد هذا الوضع الإلتماس الذي أقره مجلس النواب، والداعي إلى إمكانية عرض الإتفاق على الناخبين في استفتاء عام اختياري، في حالة إقراره في التصويت النهائي في البرلمان. هذا الأمر قد يتسبب في منع سويسرا من تسليم المعطيات المطلوبة إلى واشنطن قبل تاريخ 19 أغسطس، وهو الموعد المحدد في الاتفاقية، لأن الحكومة الفدرالية مُـضطرّة للإنتظار 100 يوم قبل أن تتمكن من التطبيق الكامل لها.

من جهتها، ترى الغرفة التجارية السويسرية الأمريكية أن تنظيم إستفتاء عام بشان هذا الإتفاق لن يساعد كثيرا، وبحسب نافيل فإن “الإستفتاء سوف يؤدي في الأخير إلى نقل المسألة من مجرد تسليم بيانات مصرفية إلى تصويت حول مبدإ السر المصرفي، وهي “معركة خاسرة منذ البداية”، على حد قوله.

نفس الموقف عبّرت عنه رابطة الشركات السويسرية Economiesuisse حيث أشارت إلى أن “هذا الإستفتاء سوف يخلق مشكلات، وحالة من عدم الوضوح”، وحذرت من أن “استمرار هذا الجدل لفترة طويلة من شانه أن يُلحق ضررا بسويسرا كمركز اقتصادي دولي، ويوفّر مزايا للمنافسين”.

جيسيكا داسي – swissinfo.ch

(ترجمه من الانجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)


تستوعب السوق الأمريكية 10% من إجمالي الصادرات السويسرية، وتمثّل السوق الثانية لهذه الصادرات بعد ألمانيا الإتحادية.

تساهم الشركات الأمريكية العاملة في سويسرا بنسبة 5% من إجمالي الناتج المحلي في البلاد، أي ما يعادل مساهمة قطاع إدارة الثروة في سويسرا.

الإتفاق المختلف حوله صحيح من الناحية القانونية، وملزم بمقتضى القانون الدولي.

بالإمكان أن يتوقف العمل باتفاق منع الازدواج الضريبي بين البلدين في حالة لم تصادق مجلس النواب السويسري على الاتفاق الثنائي بين إدراة الضرائب الأمريكية ومصرف يو بي أس الذي تم التوصل إليه برعاية من حكومتي البلدين.

من المحتمل أن تواجه الشركات الأمريكية التي تنوي الإستمرار في العمل في سويسرا مشكلات وعوائق إذا تم نسف الإتفاقيات الضريبية، أو وضعت سويسرا ضمن القائمة السوداء المخصصة للبلدان غير المتعاونة في مكافحة التهرب الضريبي.

يمثل إجمالي الشركات التي من المحتمل تأثرها في حالة عدم المصادقة على الإتفاق 35% من الإقتصاد السويسري، ويمس حوالي مليون موطن شغل.

(المصدر: الغرفة التجارية
السويسرية الأمريكية).

يحتل اتحاد المصارف السويسرية المرتبة الثانية في مجال إدارة الثروات على المستوى العالمي، وهو ثاني أكبر المصارف السويسرية بعد البنك الوطني.

يشغل المصرف أكثر من 76.000 موظف في مختلف مناطق العالم، بما في ذلك 30.000 في الولايات المتحدة الأمريكية.

أجبر اليو بي إس في فبراير من العام الماضي على دفع غرامة قدرها 780 مليون دولار، وتسليم بيانات سرية تتعلق بحسابات مصرفية لما يقارب 285 مستثمرا أمريكيا، بعد أن اعترفت إدارته بأن بعض موظفيه قد شجعوا حرفاء أمريكيين على التهرّب من دفع الضرائب المستحقة عليهم.

رغم استفادة اليو بي إس من دعم حكومي بمبلغ 6 مليار فرنك، فأنه حقق خسارة قياسية سنة 2008 وأنهى سنة 2009 بخسارة صافية قدرها 2.74 مليار فرنك.

خلص تقرير برلماني صدر في شهر مايو 2010 إلى أن إدارة الحكومة السويسرية خلال الأزمة المالية العالمية قد شابتها نقاط ضعف عدة.

وأشارت مفوّضية لجان التصرف بالبرلمان السويسري التي أنجزت التقرير إلى أن عمل الحكومة كان يفتقد إلى أدنى الشروط الضرورية لنجاح عمل الفريق الواحد في ظل أزمة مالية مستحكمة.

دعت اللجنة البرلمانية إلى تدارك تلك الإخلالات، وذلك من خلال توثيق العمل الحكومي وإصدار بيانات بذلك، وكذلك الإعلام بالقرارات التي تم اتخاذها.

لكن هذا التقرير، يعد في نظر حزب الشعب (يمين متشدد) الذي يدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، غير كاف، إذ هو لا يوضح لماذا سلمت الحكومة السويسرية البيانات السرية الخاصة بما يزيد عن 285 حريفا امريكيا باليو بي إس، أو إن اتسم عمل الحكومة بالشفافية والوضوح بشأن الإتفاق الذي أبرمته مع الولايات المتحدة الأمريكية في شهر أغسطس 2009.

لقيت الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية دعم مجلس النواب الذي صوّت يوم الإربعاء 9 يونيو 2010 لصالح تلك الخطوة بغالبية 123 نائيا مقابل 57، لكن من المستبعد ان ترى تلك اللجنة النور، نظرا لسيطرة الليبراليين الراديكاليين والديمقراطيين المسيحيين على اغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، وكلاهما يعارض هذه الفكرة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية