مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشركات متعددة الجنسيات مدعُـوّة للإسهام في حل أزمة السكن بجنيف

قام ناشطون بتحويل إحدى محطات الحافلات إلى غرفة نوم، رغبة منهم في تسليط الضوء على أزمة السكن في جنيف. Keystone

دعا رئيس بلدية جنيف المُرتقَب الشركات متعددة الجنسيات، المتمركزة في المدينة، إلى الإستثمار في العقارات المخصصة لموظفيها، كمساهمة منها في إيجاد حل لأزمة السكن المتفاقمة.

فعلى مدى السنوات العشر الماضية، وعلى إثر جذب منطقة جنيف للشركات ورجال الأعمال، انفجرت أسعار العقار في السوق المحلية وفشلت شركات البناء في كبح جماحها. فيما يرى المراقبون ان استهداف الشركات متعددة الجنسيات ليس هو العلاج.

وفي مؤتمر صحفي عُقد في الآونة الأخيرة، صرح ريمي باغاني، مسؤول ملف الإسكان في المجلس البلدي، والعمدة المُرتقَب الذي سيتسلم كرسي رئاسة بلدية جنيف في يونيو 2012، قائلا: “ليس من المنطقي أن تنعم الشركات الكبرى بمقرات في مدينة جنيف وتستفيد من مزايا ضريبية دون أن تنخرط في جهود توفير مساكن لمن تستقدم من الموظفين والعاملين”.

وفي نفس الحين، وصف باغاني، وهو عضو في الائتلاف اليساري “A gauche toute”، الوضع الإسكاني في جنيف بأنه “كارثي”. وأطلق صفارة الإنذار قائلا: “عمّا قريب، لن يكون بإمكان مواطنينا ولا أبنائهم إيجاد مسكن للعيش”، واعتبر بأن هذا الوضع يضر بالمدينة الدولية وبسمعتها وجاذبيتها.

وخلال حديثه، خص بالذكر شركتين إحداهما عملاق تجارة السلع الاستهلاكية “بروكتر أند غامبل” والأخرى شركة تجارة النفط “ترافيغورا”.

ذلك أن شركة بروكتر أند غامبل، التي أنشأت عام 1999مقرها الرئيسي لأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط في لانسي، إحدى ضواحي جنيف، تبدو حريصة على نقل 300 من موظفيها إلى مكاتب جديدة في منطقة براي أكاسيا فيرني، وفي المقابل ترغب شركة ترافيغورا في إنشاء مكاتب لها بالقرب من محطة أوفيف بطاقم وظيفي قوامه 450 موظفا.

غير أن مثل هذه المشاريع لم يعد في الإمكان تحقيقها من دون التزم أصحابها بالمعادلة التي اعتمدتها سلطات مدينة جنيف ضمن الخطة الرئيسية لعام 2009، الخاصة بالمناطق الحضرية، والتي تقوم على أساس “بناء منزل جديد مقابل موظف جديد”، وفي عام 2011، تمّ إقرار معادلة جديدة تُحدّد “بناء سبعة منازل جديدة مقابل عشرة موظفين جدد”.

الأمر الذي ردت عليه شركة بروكتر أند غامبل قائلة بأنها لم تتلق أي جواب رسمي يطالبها بالمساهمة في بناء مساكن للمستَقدَمين. “وعلى الرغم من المخاوف التي تبديها السلطات، سواء في الكانتون أم البلدية، فإن بروكتر أند غامبل لا تبدي رغبة للاستثمار في العقارات، وإنما تعمد، كما العادة، إلى إعادة تأجير المباني التي بين أيديها” بحسب ما أفادت إيرين كامبفين، المتحدثة باسم المجموعة التجارية، لصحيفة لوتون اليومية، وأكدت قائلة: “في الوقت الراهن، لا توجد لدينا توجهات نحو زيادة فرص العمل”.

نقد

وفي الأثناء، أثار اقتراح باغاني وابلا من الانتقادات التي – بدورها – سلطت الضوء على جملة من المشاكل منها ما هو واقعي، ومنها ما هو سياسي. فقد انتقد فكريستوف أومونيي، الامين العام للغرفة العقارية في جنيف، الاقتراح ووصفه بأنه “مثير للسخرية”، وأكّد أن تراخيص البناء وكذلك اقرار المخططات الحضرية كان دوما من مهام الكانتون وليس المدينة أو البلدية.

واستطرد: “ليست المشكلة في عدم وجود مستثمرين، وإنما في عدم توفر الأراضي، وهي إحدى أهم مشاكل البناء في جنيف، وعلى السياسيين أن يتطوعوا لحلها، وليست الشركات متعددة الجنسيات، ويبدو أن السيد باغاني كمن يقول ‘ابحث لك عن مكان آخر'”.

واعتبر جاك جانيرا ، مدير غرفة التجارة في جنيف، من جانب آخر أن المشكلة في جنيف مرتبطة بالإجراءات الإدارية المطولة والأخذ والرد، وليس التمويل. وفي تصريح للإذاعة الوطنية، أضاف النائب الراديكالي – يمين وسط – قائلا: “ويوم أن تصبح الإجراءات أكثر مرونة، فإني على يقين بأن شركة بروكتر أند غامبل ستكون على استعداد للاستثمار عبر نظام التقاعد الخاص بها”.

حزام أخضر

وفي واقع الأمر، تمّ في عام 2011 بناء 1018 شقة سكنية في كانتون جنيف، أي دون نصف المطلوب، والذي يُقدّر بنحو 2500 شقة. واللافت أن: “هذا هو نصف ما تم بناؤه قبل 20 عاما، وهو خمس ما كان في ستينات القرن الماضي، وما كان ممكنا في الماضي، لماذا لا يكون الآن؟” بحسب تعبير ماركو سالفي، خبير شئون الإسكان لدى مركز أفينير سويسAvenir suisse)  ) للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار خلال حديثه إلى swissinfo.ch قائلا: “لدينا مساحات – إذ يحيط بجنيف حزام أخضر شاسع – يمكننا أن نشيّد عليها وحدات سكنية شاهقة ذات كثافة سكانية، وليس الأمر بالصعب، ولكنه الأمر يتعلق بالإرادة السياسية ورغبة حقيقية في البحث عن حلول مستجدة”. وبالنسبة لخبير الإسكان وأخصائي الاقتصاد العقاري، فإن الشركات متعددة الجنسيات ما هي إلا كبش فداء في الحوار الدائر بين الأطراف التي أثار اقتراح باغاني قريحتها.

وفي نفس السياق، وافقه الرأي هيرفي فواديفو، مدير شركة فُووِيست وشركاه، وهي من الشركات الرائدة في مجال الاستشارات العقارية، ولفت إلى أن “الأجدر، بنا أن نوجه نقاشاتنا المحتدمة حيث يتعلق الشأن بتحديد الأرض التي سينشأ عليها مشروع معماري جديد أو المناطق التي ستُكثّف فيها مشاريع البناء، إذ من الصعب الرضا بحصول مثل ذلك في أراض أو مناطق زراعية”.

علاوة على ذلك، انتقد المدير العقاري السلطات واصفا إياها بأنها قللت من أهمية العنصر الزمني في مشاريع الإسكان، وفشلت على مدى الـ 20 سنة الماضية في توقع الاتجاهات التي تحدد السياسة السكانية.

زيورخ.. مثال واقعي!

وجدير بالذكر أن كلا الخبيرين أعربا عن تشاؤمهما في إمكانية إيجاد حلول عاجلة لمشاكل العقارات والإسكان في جنيف. وبحسب فواديفو، لن يتم تحقيق النتائج المرجوة من المشاريع الحالية الرامية إلى توفير 3300 مسكن إضافي إلا على مدى الـ 5 سنوات أو 15 سنة القادمة.  

وعلى ذات الصعيد، نبّه سالفي قائلا: “أعتقد أن الأمر سوف يستغرق الكثير من الوقت، أو ربما يحصل ركود، أو ربما الأمرين معا، قبل أن نشهد حلحلة للأوضاع”. وفي غضون ذلك، سلط الخبيران الضوء على مدينة زيورخ كمثال لما يمكن تحقيقه من خلال النقاش والواقعية.

وفي ما تطرق فواديفو إلى أن: “البنوك في زيورخ غادرت مركز المدينة إلى الأطراف، مما ترك أثرا كبيرا”، وتابع القول: “وهذا يمكن أن يحدث في جنيف أيضا، ولكننا لا نرى أية بوادر في الوقت الراهن، وسمعنا فقط عن بعض المشاريع الصغيرة، هنا وهناك، ضائعة في وسط مباني الشركات الكبرى”.

وفي هذا الخضم، خلص سالفي مؤكدا بأن: “زيورخ شهدت مشاكل شبيهة، ولكن من خلال ثقافة الحوار والتفاهم والرأي المشترك توصلوا إلى إيجاد حلول، وهذا، على ما يبدو، هو ما ينقص جنيف، وقد تكون مسألة عقلية”.

أفاد مكتب الاحصاء لكانتون جنيف أن عام 2008 شهد تسجيل 931 شركة متعددة الجنسيات، توفر 76177 فرصة عمل، من بين ما مجموعة 21213 شركة تمّ تسجيلها في مدينة جنيف في نفس العام وتوفر 224922 فرصة عمل.

وبالمقارنة مع ذلك، شهد عام 2001 تسجيل 569 شركة متعددة الجنسيات، توفر 56812 فرصة عمل، من بين ما مجموعه 19385 شركة تم تسجيلها في المدينة في نفس العام وتوفّر 260005 فرصة عمل.

تضم مدينة جينيف المقرات الرئيسية لنحو 130 شركة متعددة الجنسيات، من بينها كاتربيلر ودوبونت وبروكتر أند غامبل وريتشمونت ورولكس وسيرونو واس جي اس.

لا توجد شركات متعددة الجنسيات على ما يبدو، في مناطق أخرى غرب سويسرا، لكن وفقا لوكالة النهوض الاقتصادي لما يسمى منطقة برن جنيف الكبرى، والتي تغطي مجموع مناطق كل من كانتون برن وفريبورغ وفو ونوشاتيل وجنيف وفالي، فإن من المرجح أن يصل عدد الشركات متعددة الجنسيات التي أنشئت في تلك المنطقة إلى نحو من 2,5 إلى 3 مرات عمّا هو موجود في جنيف، أي ما يقارب 2700 شركة.

كما لا يبدو وجود شركات متعددة الجنسيات في منطقة زيورخ، لكن وفقا لوكالة النهوض الاقتصادي لمنطقة زيورخ، هناك 92 شركة من هذا النوع افتتحت لها متجرا في المنطقة في عام 2011، مقارنة مع 102 في عام 2010 و 103 في عام 2009 و 95 في عام 2008.

وبحسب الاحصائيات، بلغ عدد المهاجرين إلى سويسرا، 79 ألف مهاجر في عام 2011، بينما بلغ المعدّل السنوي للفترة منذ عام 2001 حوالي 58 ألف مهاجر.

كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية: الناتج المحلي  0,8٪.

المعهد الإقتصادي السويسري: 0,8٪.

معهد باك (BAK) بازل: 0,7 ٪. 

ووفقا لـ BAK بازل، ستكون منطقة وسط سويسرا القوة الدافعة الرئيسية في عام 2012 بمعدل نمو 1,5٪، تليها منطقة بحيرة جنيف (1٪) ثم شرق سويسرا (0,9٪) ثم وسط منطقة الهضبة (0,8٪) ثم مناطق الجنوب وفالي (0.6٪) ثم منطقة زيورخ (0٪).

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية