خبير أممي: “لا تطور للإقتصاد الفلسطيني في ظل الإحتلال!”
تناول تقرير جديد لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية واقع الاقتصاد الفلسطيني بعد حرب غزة، واستمرار عمليات الإغلاق، ومنع إعادة الإعمار، وتباطؤ المجموعة الدولية في إنجاز الوعود التي قطعتها على نفسها في عدة مناسبات. وتوصل إلى أن "الاقتصاد الفلسطيني في عام 2009 شهد حالة من التدني لم يسبق لها مثيل".
وفي حوار أجرته swissinfo.ch في جنيف مع منسق وحدة دعم الاقتصاد الفلسطيني بمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، استعرض الدكتور محمود الخفيف، واقع هذا الاقتصاد بالأرقام، ومدى تراجعه عما كان عليه في عام 1999، وكذلك محاولات إسرائيل لفرض مفهوم “السلام الاقتصادي”، والعراقيل الموضوعة أمام إيجاد فرص لترويج المنتجات الفلسطينية في الأسواق العربية.
swissinfo.ch: عودتنا منظمة الأونكتاد في كل التقارير المخصصة للاقتصاد الفلسطيني على وصف الوضع بالمأساوي. اليوم وعلى ضوء التدمير الذي شهده قطاع غزة، كيف هو واقع هذا الاقتصاد الفلسطيني؟
د. محمود الخفيف: الوضع مأساوي، ولا جدال في ذلك، وقد يكون هذا العام أكثر مأساوية عما كان عليه نظرا لما حدث أثناء الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009. وما تعكسه لغة الأرقام هو أن متوسط دخل الفرد الفلسطيني في الضفة والقطاع تراجع بنسبة 34% عما كان عليه قبل عشر سنوات. وهذا ما يوضح مدى التراجع الاقتصادي الذي تسببت فيه عدة عوامل بالطبع آخرها أحداث غزة، ولكنه أيضا بسبب سياسات الإغلاق الإسرائيلية المستمرة على الضفة، أو الحصار الذي لا زال قائما حتى اليوم ضد قطاع غزة.
ما حدث في غزة هو خطوة من عدة خطوات يمارسها الإحتلال الإسرائيلي. والوضع هناك مأساوي رغم قراريْ الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن (الخاصين) بسيولة الإمدادات التموينية. ورغم وقف إطلاق النار مازال قطاع غزة تحت حصار شبه كلي وشبه تام.
ومن نتائج الهجوم على غزة هو أن الشعب الفلسطيني أصبح غير قادر على إنتاج ما كان ينتجه. وعلى سبيل المثال منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000، فقدت القاعدة الإنتاجية الفلسطينية في الضفة والقطاع تقريبا حوالي 30 % من القدرة الإنتاجية. والعامل الثاني هو أن 40% من الأراضي الزراعية الفلسطينية فُقدت منذ العام 1967 بسبب سياسات الاستيطان او الإحتلال وغيره. ومؤخرا أدى بناء الجدار العازل الى فقدان 15% من الأراضي الزراعية الخصبة. وهذه كلها عوامل أدت إلى إضعاف قدرة الشعب الفلسطيني على الإنتاج وعلى إطعام نفسه وعلى التجارة. وهو ما يعزز تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإقتصاد الإسرائيلي بحيث أن هناك حوالي 80% من التجارة الفلسطينية مع إسرائيل بالتحديد.
وما هو تأثير هذه العوامل وهذه العراقيل على أرقام البطالة وعلى مستوى انتشار الفقر في صفوف الشعب الفلسطيني؟
د. محمود الخفيف: مؤشرات البطالة تشير الى أن حوالي ثلث اليد العاملة الفلسطينية هي في حالة بطالة، وهذا بزيادة 10% عما كانت عليه قبل عشرة أعوام. وتصل نسبة البطالة في قطاع غزة الى حوالي 45%.
مستوى الفقر يشمل 75% من سكان الضفة والقطاع، وهناك حوالي 48% في حالة فقر مدقع. ونظرا لما حدث في قطاع غزة، هناك حوالي 90% من السكان في حالة فقر، منهم حوالي 75% في حالة فقر مدقع.
ولكن رغم هذه الصعوبات ترى منظمة الأونكتاد أن الشعب الفلسطيني والإقتصاد الفلسطيني مازال حيا، ومازال يقاوم ويحاول أن يقاوم الوضع الموجود حاليا. وتوصياتنا للمجموعة الدولية هي أنه إذا أردنا أن نساعده، وعلينا أن نساعده، فإذن يجب أن نعيد توسيع القاعدة الإنتاجية التي فُقدت. لا يمكن أن يوجد حل للوضع الاقتصادي بدون إعادة بناء القاعدة الإنتاجية لتمكين الشعب الفلسطيني من تشغيل القوى العاملة المتزايدة عنده، وللتقليل من اعتماده على اقتصاد إسرائيل.
لكن المجموعة الدولية التي وعدت مرات عديدة بتقديم الدعم لهذا الشعب لكي يلبي حاجياته الطارئة من جهة، ولإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية من جهة أخرى، لم توف بتلك الوعود كاملة لحد اليوم حسب التقرير؟
د. محمود الخفيف: انعقد في مارس 2009 بعد الحملة العسكرية ضد غزة، مؤتمر دولي في شرم الشيخ تعهدت فيها الدول بتبرعات بلغت 4،5 مليار دولار لإعادة بناء غزة. ونظرا لإستمرار عملية الإغلاق لم يتم السماح سوى بـ 39% من هذا المبلغ بالدخول لقطاع غزة على شكل مساعدات إنسانية طارئة. فالمجتمع الدولي وعد ولكنه لم يوف بهذه الوعود بعد. بعض الدول المانحة تفترض شروطا لهذه المنح وهي قد تكون حل الوضع السياسي الفلسطيني – الفلسطيني. والبعض الآخر يضع شروطا للحوار أو المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
كما أن الجهات المانحة كثيرا ما تعيد الوعد بما وعدت به سابقا في مناسبات أخرى، وليست وعودا جديدة. والجانب المهم الذي يجب توضيحه هو أن الجزء الأكبر أي 65% من هذه المساعدات موجه للموازنة العامة وليس للقطاعات الإنتاجية أو لإعادة إعمار غزة. وبما ان قاعدة الإنتاج الفلسطينية قد دمرت فيجب أن تكون نسبة هامة من هذه المساعدة مسخرة لهذا القطاع.
إسرائيل تقترح اليوم “سلاما اقتصاديا” بدل البث في مسالة إنهاء الاحتلال. ما هي نظرة الأونكتاد لهذا الاقتراح ومدى تاثيره على الاقتصاد الفلسطيني؟
د. محمود الخفيف: بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات التي تمت قبل أشهر، ظهرت بعض الأنباء عن أن الحكومة الإسرائيلية أطلقت مبادرة ما يسمى بـ “السلام الإقتصادي”.
الأونكتاد بحكم متابعتها لوضع الاقتصاد الفلسطيني منذ حوالي 25 سنة ترى أن الوقت قد يكون مناسبا لإعادة تقييم السياسة الإقتصادية الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. في حقيقة الأمر لم تظهر بعد الملامح التفصيلية لما يسمى بـ “السلام الاقتصادي”، ولكن من تحليلنا للأوضاع وخبرتنا على مدى الثلاثين عاما الماضية، نرى أنه لا يوجد فرق جوهري ما بين توجهات السياسة الإقتصادية الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة من سنة 1967 الى يومنا هذا.
ومن خلال هذه التجربة يمكن القول أن هناك ثلاثة مراحل: “مرحلة ما بين 1967 حتى مفاوضات أوسلو في عام 1993 وبداية بناء السلطة الفلسطينية”، تتميز بقيام الاقتصاد الإسرائيلي باستخلاص العمالة والأراضي والموارد من الإقتصاد الفلسطيني. “مرحلة ما بعد أوسلو” شهدت عملية إدماج للإقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني ولكن بطريقة غير متكافئة. أي أن هذا الإدماج لم يرتق بالإقتصاد الفلسطيني نحو الإقتصاد الإسرائيلي الأقوى، بل زاد الهوة بين الإثنين. فعلى سبيل المثال كان الفارق في متوسط دخل الفرد الإسرائيلي مقارنة مع الفلسطيني قبل ثلاثين سنة، سبعة أضعاف وارتفع اليوم إلى أربعة عشر ضعفا.
ومنذ عام 2000 اتخذت عدة إجراءات عازلة، من حصار لقطاع غزة لبناء الجدار العازل في الضفة، وتحديد عدد تصاريح العمل الفلسطينية في الأراضي الإسرائيلية. ولذلك لا نرى أي تغيير جوهري نحو “سلام اقتصادي”. ونقول بشكل أساسي إذا كان هنالك حل للمشكلة الاقتصادية الفلسطينية فيجب أن يكون هذا الحل غير قائم على إرادة الاحتلال، بل قائم على توجهات ورؤية وطموحات الشعب الفلسطيني وبناء دولته المستقبلية.
تقترح الأونكتاد على المجموعة الدولية جملة من التدابير التي لا بد من توفيرها لإقامة اقتصاد فلسطيني على أسس صحيحة. فما هي هذه التدابير التي توصون بها؟
د. محمود الخفيف: في ظل التطورات الأخيرة توصي الأونكتاد المجتمع الدولي والجانب الفلسطيني وكل الأطراف بما في ذلك الجانب الإسرائيلي بضرورة العمل على بناء المؤسسات التي تستطيع أن تدير دولة فلسطين المستقبلية. هناك اهتمام اليوم بمسالة الحل السلمي وبناء الدولة الفلسطنية في خلال عامين، ولهذا السبب ومنذ بداية صياغة هذا التقرير في مايو الماضي، نادت الأونكتاد بضرورة بناء المؤسسات الفلسطينية وعدم التخلي عن إصلاح المؤسسات التي شرع في بنائها في بداية إقامة السلطة الفلسطينية. وهذا المجال مفتوح لكل المؤسسات الدولية والدول المانحة.
ولتفعيل هذه التوصية تقترح الأونكتاد على الجانب الفلسطيني وعلى المجتمع الدولي مسألة بناء القدرات الفلسطينية في مجال التجارة متعددة الأطراف، وبالتحديد بناء القدرات التي تخول لهم إمكانية الانضمام الى منظمة التجارة العالمية وإمكانية خوض المفاوضات الخاصة بشروط الانضمام.
ويؤكد التقرير على نقطة مهمة قد تكون نُسيت، وهي أن فلسطين – وفي توافق مع ما ينص عليه اتفاق بروتوكول باريس واتفاق أوسلو – تعتبر منطقة جمركية منفصلة لها الحق من الناحية الفنية أن تنضم إلى منظمة التجارة العالمية مثلما تم بالنسبة لهونغ كونغ. وإذا ما كان هناك زخم لدفع تحقيق هذا المطلب فقد يكون ذلك متبوعا بتوضيح الرؤيا المستقبلية لدولة فلسطين وتوضيح ماهي المؤسسات الضرورية لها وما هو الاقتصاد المرغوب فيه بالنسبة لها.
ورد في التقارير السابقة لمنظمتكم حديث عن ضرورة تطوير إمكانيات تسويق للمنتجات الفلسطينية في الدول العربية. يبدو أن هذا التحرك لم يحقق بدوره الكثير من الإنجازات؟
د. محمود الخفيف: هذا الموضوع لم يعرف تطورا من ناحية بسبب سياسات الإغلاق والممارسات اليومية التي تقوم بها إسرائيل. ومن ناحية أخرى هناك الإطار السياسي الذي يتحكم في الحدود والإمكانيات المتاحة لوضع السياسة الاقتصادية الفلسطينية وهو “بروتوكول باريس”. وفي هذا البروتوكول فإن المرجعية الرئيسية فيه هي السياسة التجارية الإسرائيلية. وبالتالي فإن إمكانية الاختيار لدى صانع القرار الفلسطيني محدودة ومرجعيته الرئيسية هو الإطار السياسي الإسرائيلي باستثناءات بسيطة جدا بالتحديد بين مصر والأردن. ولكن هذه الإستثناءات محدودة في عدد من البضائع وفي مجال الزيادة أو التخفيض من التعريفة الجمركية على هذه البضائع المتبادلة بين فلسطين وهذه الدول العربية. وبالتالي فإن إمكانية التوسع في هذا الإطار ضعيفة وغير واردة في إطار “بروتوكول باريس”.
وبداية التفكير في إمكانية دعم بناء التجارة المتعددة الأطراف قد يدفع الى فتح هذا الملف مرة أخرى. وعلى قيادة الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية البدء في التفكير في إمكانية تعديد الشركاء التجاريين والتقليل من الاعتماد على إسرائيل كشريك تجاري وحيد يستوعب 80% من التجارة الفلسطينية. وقد تكون هذه فرصة لفتح جميع الملفات السابقة وتطوير رؤية شاملة للسياسة الاقتصادية والسياسة التجارية الفلسطينية تجاه الدول العربية الأخرى بما في ذلك مستقبل التعامل مع إسرائيل.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
34%: حجم تراجع متوسط دخل الفرد الفلسطيني مقارنة مع ما كان عليه في عام 1999.
الفرق في متوسط الدخل للفرد الإسرائيلي عما هو الحال بالنسبة للفلسطيني ارتفع في غضون ثلاثين سنة من سبعة أضعاف الى حوالي 14 ضعفا في الوقت الحالي.
30%: هي نسبة ما فقدته القاعدة الإنتاجية الفلسطينية في الضفة والقطاع منذ العام 2000.
40% من الأراضي الزراعية الفلسطينية فُقدت بسبب سياسات الاستيطان والاحتلال منذ عام 1967.
15% من الأراضي الزراعية الخصبة فُقدت بسبب بناء الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل.
80% من المبادلات التجارية الفلسطينية تتم مع إسرائيل.
ثلث اليد العاملة الفلسطينية هي في حالة بطالة أي بزيادة 10% عما كانت عليه قبل عشر سنوات. وتصل هذه النسبة في قطاع غزة إلى 45%.
75% من الفلسطينيين في مستوى الفقر، منهم 48% في حالة الفقر المدقع.
90% من سكان قطاع غزة في حالة فقر، و 75% منهم في حالة فقر مدقع.
(المصدر: تقرير الأونكتاد الصادر في سبتمبر 2009 عن وضع الإقتصاد الفلسطيني)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.