فضائياتٌ عربية خاصة تحولت إلى “لاعب سياسي”
أوضح الخبير والأكاديمي الإعلامي حمزة سعد، المتخصّص في الإعلام السياسي والاتصال الجماهيري، أن القنوات الفضائية الخاصة التي انتشرت بصورة كبيرة مؤخرًا، قد "تخلت عن مهنيتها، وأصبحت لاعبًا أساسيًا في العملية السياسية" الدائرة في مصر، بعد الثورة.
وأشار إلى أن “الأخطر من ذلك أنها أصبحت مؤججًا للصّراع السياسي، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول مصادر تمويل هذه الفضائيات، والمنطق السياسي الذي تتبناه”.
وقال سعد، الأستاذ في كلية الإعلام (الاتصال) في جامعة الشارقة بالإمارات، وكلية الإعلام جامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “إن زيادة وسائل الإعلام وانتشارها وتنوعها بعد ثورات الربيع العربي، خاصة في مصر، يبين مدى خطورة وأهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام خاصة في المجال السياسي، ومحاولة السيطرة أحيانًا، والتشكيك أحيانًا أخرى، خاصة من جانب رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالسلطة السياسية في مصر قبل الثورة، ويحاولون الآن إعادة إنتاج الأمس”.
وكان العددُ الأخير من مجلة “الإذاعات العربية”، التي يصدرها فصليًا “اتحاد الإذاعات العربية”، قد صدر متضمنًا مجموعة من الدراسات المتنوعة حول البث الفضائي العربي، والحرفية في النشرات الإخبارية الرسمية للإذاعات العربية، وعلوم الإعلام والاتصال والاجتماع والحضارة الإسلامية العربية، إلى جانب معلومات عن التغطية التي تولاّها اتحاد إذاعات الدول العربية لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لندن.
لا بد من تشريعات ومعايير أخلاقية
الملف الرئيس للعدد تناول المشهد الإعلامي للقنوات الفضائية المتخصصة في المجال الديني وبرامجها ووسائل النهوض بها من أجل الأداء الجيد والتأثير الإيجابي في المجتمع. وقد شدّد المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، صلاح الدين معاوي، على ضرورة سنّ تشريعات تنظم البث الفضائي في المنطقة العربية في ضوء تطور الأحداث على الساحة العربية وانعكاساتها بالخصوص على المشهد الفضائي العربي.
ودعا معاوي، في افتتاحية العدد، إلى اعتماد معايير مهنية وأخلاقية تنظم البثّ الفضائي في المنطقة العربية على قواعد مهنية وواضحة، مثلمًا هو الحال بالنسبة إلى بقية مناطق العالم، مطالبًا بالعودة إلى وثيقة مبادئ تنظيم البث الفضائي العربي التي اعتمدت من قبل مجلس وزراء الإعلام العرب عام 2008م من أجل وضع حدّ للفراغ التشريعي الذي ينطوي على تجاذبات وتجاوزات وفوضى الإعلامية.
وقد نشر العدد دراسة موسعة، وقعت في 102 صفحة، بعنوان: “اقتصاديات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة”، من تأليف الدكتور عاشور فني، المحاضر بقسم علوم الإعلام والاتصال، بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، والمتخصص في اقتصاديات الإعلام والمعرفة.
وقسّم الدكتور فني الدراسة إلى مقدمة وخاتمة وستة أبواب هي: الإعلام في النظرية الاقتصادية، صناعة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، بنية وسائل الإعلام، الطلب على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، عرض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتدويل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
إشكاليات اقتصادية
الخبير الإعلامي والأكاديمي الدكتور حمزة سعد، المتخصص في الإعلام السياسي، أكد أن الدراسة تستند إلى بعض الأسس والمبادئ النظرية لبعض النظريات الاقتصادية، وأنها “لم تقدم شيئًا مرتبطا بالربيع العربي، أو ترتبط بالواقع حتى قبل الربيع العربي، وهذه دراسة تنتمي إلى المدرسة الفرنسية، التي يتبناها معظم باحثي ودارسي الإعلام في دول شمال أفريقيا، خاصة تونس والجزائر”.
وأضاف: “صحيح أن الدراسة انطلقت على حد تعبير الباحث “من إشكالية مفادها أن اصطباغ نشاط وسائل الإعلام بصبغة صناعية متزايدة، رافقه تطور تكنولوجي عارم، واتساع في رقعة السوق وانفتاحها، مما زاد تعقدها وحركيتها على المستوى العالمي، وهو ما فرض إعادة النظر في النظام الاقتصادي لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، في البلدان الصناعية نفسها، وفى كثير من البلدان النامية، في اتجاه مزيد من التنوع، وتحرير المؤسسات العمومية والخاصة من أجل تمكنها من تلبية الطلب والتصدي لمتطلبات التطور الذي فرضته تكنولوجيا الاتصال الجديدة، وذلك بدعم من السلطات العمومية في كل دولة”.
وتابع سعد قائلاً: “هذه هي مشكلة البحث في نظر الباحث، وكان المفترض منه أن يترجم هذه الإشكالية إلى تساؤلات أو فرضيات علمية، تحتوى على متغيرات يمكن أن نخضعها للدراسة، ثم يحاول اختبارها على أرض الواقع، سواءً من خلال دراسة تحليلية لمضمون ما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالي الحصول على نتائج، يمكن الاستناد إليها في عملية الوصف والتحليل”.
علامات استفهام
واستدرك الخبير الإعلامي قائلاً: “إلا أن الباحث خاض في الجانب النظري أكثر من الجانب العملي الميداني، وبالتالي ليست هناك نتائج يمكن التعويل عليها، فيما يتعلق بالربيع العربي اليوم، خاصة أن الباحث استند في معظم مراجعه ودراساته إلى مراجع وكتب ودراسات قديمة، تنتمي إلى فترة الثمانينات والتسعينات أي أنه بعيد عن واقع الدراسات الإعلامية الحديثة بأكثر من عقد من الزمان”.
واستطرد سعد: “وذلك باستثناء بعض الدراسات المحدودة، والتي من الممكن أن نطلق عليها تجاوزًا دراسات حديثة، وهو ما أثر على الباحث، وجعله مرتبط بنوعية معينة من الدراسات القديمة، مع أنه يتحدث في جانب كبير من دراسته على تأثير تكنولوجيا الاتصال!!”، مشيرًا إلى أن “الدراسة- بصفه عامة- قدمت جهدًا محمودًا، بذل فيه الباحث مجهودًا طيبًا في الجانب النظري، التزم فيه إلى حدٍ كبيرٍ بالمعايير الأكاديمية في مجال البحث العلمي”.
وتوقف الخبير الأكاديمي عند سؤال مصادر التمويل، فأوضح أن “الدراسة لم تقدم لنا إجابة وافية شافية بالنسبة لمصادر التمويل والرقابة، ومساحة الحرية التي زادت أو نقصت، ومدى تدخلها في العمل السياسي من عدمه، إلا أن هناك إشارات نظرية يمكن الاستناد إليها في عملية التحليل، تطرقت إليها الدراسة على استحياء”.
وقال: “مصادر تمويل هذه الوسائل معروفة للجميع، وهى تلك الثروات التي تكونت في ظل أنظمة دكتاتورية، تحاول الآن أن تستعيد دورها، أو أن تشكك في نظام قائم، تختلف معه، ولن تستفيد أو تستعيد مكانتها في وجوده. هذه الأموال التي تكونت في ظل نظام ديكتاتوري ترى أن الحل الوحيد في تواجدها الخفي غلى الساحة هي ملكية أو السيطرة على وسائل إعلام موجودة على الساحة”.
وأوضح أن الدراسة تؤكد على أن “التطور التكنولوجي أدى على مر الزمن على- حد تعبير الباحث- إلى ظهور وسائل إعلام جديدة، مما أدى إلى تقليص دور الحكومات في نشاطها، وإعطاء مزيد من الحرية لمؤسساتها، وتوسيع نطاق نشاطها إلى المستوى الدولي”.
كما لم تكشف لنا الدراسة أيضًا – حسب حمزة سعد- “المنطق السياسي الذي يقف وراء نشأة وسائل الإعلام، ويؤطر وجودها في كل المجتمعات، بما في ذلك ما يعرف باسم الفضاء العمومي في كل بلد، ويساهم في تطوير النقاش العام”.
ويستخلص سعد من الدراسة أن: زيادة وسائل الإعلام وانتشارها وتنوعها بعد الربيع العربي خاصة في مصر، يبن مدى خطورة وأهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام خاصة في المجال السياسي، ومحاولة السيطرة أحيانًا، والتشكيك أحيانًا أخرى، خاصة من جانب رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالسلطة السياسية في مصر قبل الثورة، ويحاولون الآن.
أما عن التأثير أو التشكيك، فيقول الخبير الإعلامي: “لاشك أن وسائل الإعلام تستطيع أن تؤدى هذا الدور، وهو يتضح يومًا بعد يوم في مصر، على وجه التحديد، في ظل وجود نظام جديد بعد ثورة 25 يناير 2011م، تحاول الآلة الإعلامية الجهنمية التشكيك في كل قراراتها، وليس أدل على ذلك من معركة الجمعية التأسيسية للدستور التي تجري حتى اليوم”.
ويذهب سعد إلى القول بأن “الإغراق الموجود اليوم في الساحة الإعلامية له تأثير كبير على الجانب المهني، ومدى الالتزام بالمهنية الواجبة في ممارسة العمل الإعلامي، والذي نلاحظه في غالبية هذه الوسائل، من عدم الالتزام بالمهنية، والجانب الأخلاقي في ممارسة المهنة، والضحية في النهاية هو الجمهور، ورجل الشارع العادي، حيث زادت وسائل الإعلام من غموض الأمر أمامه، وأصبح التشكيك هو سلعة وسائل الإعلام اليوم!”.
ويواصل قائلاً: “وحتى نخرج من هذا المنزلق لا بُــد للإعلامي أن يمارس مهنته وفقًا للمعايير المهنية والأخلاقية، وأن تتخلى رؤوس الأموال عن استقطاب الإعلاميين، ولكن للأسف الشديد أن الإعلام يعكس سياسة من يموله، فالعلاقة طردية بين الإعلام ورأس المال، فلا نستطيع اليوم أن نفصل بين الإعلام والإعلان إلا من خلال إعلاء المهنية في العمل الإعلامي”.
وينتهي الخبير الإعلامي حمزة سعد إلى القول بأنه “من الواضح أن القنوات الإعلامية اليوم تخلت عن مهنيتها, وأصبحت لاعبًا أساسيًا في العملية السياسية الدائرة في مصر، بل الأكثر من ذلك أنها أصبحت مؤججًا للصراع السياسي، وهذا يثير العديد من علامات الاستفهام حول مصادر تمويل هذه القنوات، وهذه هي الكارثة التي تواجهها مصر اليوم”.
اتحاد إذاعات الدول العربية Union of Arab Broadcasting Services منظمة عربية متخصصة، يعمل ضمن الإطار العام لجامعة الدول العربية مستقلاً تماماً عنها من الناحية القانونية.
وقد أنشئ الاتحاد بموجب اتفاقية أقرها مجلس جامعة الدول العربية بقراره ذي الرقم 1100 المؤرخ في 15/10/1955.
وعدلت هذه الاتفاقية باتفاقية أخرى أقرها مجلس الجامعة بقراره ذي الرقم 2125 المؤرخ في 20/4/1965.
وقد حلت هذه الاتفاقية محل الأولى ابتداء من 4/3/1973.
وكانت القاهرة مقراً دائماً للاتحاد، ثم أصبحت تونس مقراً مؤقتاً له بعد تجميد عضوية مصر في مؤسسات العمل العربي المشترك إثر توقيعها معاهدة السلام مع «إسرائيل» في 26/3/1979، وبقي المقر في تونس رغم عودة الجامعة العربية إلى القاهرة في عام 1990.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.