محكمةٌ أمريكية تقضي بفتح سجلات أكبر مصرف سويسري
جاء رد فعل اتحاد المصارف السويسرية صبيحة الأربعاء 2 يوليو مُتحفظا على ترخيص قاضية فدرالية بمدينة ميامي (ولاية فلوريدا) للسلطات الضريبية الأمريكية بمُطالبة "يو بي إٍس" تسليمها بيانات خاصة بمواطنين أمريكيين مُشتبهين بالاحتيال الضريبي. وأكد المصرف أنه لم يتلقى بعد أي طلب رسمي بهذا الشأن.
وكانت وزارة العدل الأمريكية قد أعلنت يوم أمس الثلاثاء عن قرار محكمة ميامي الذي اتـُّخذ بعد يوم فقط من تلقي القاضية طلبا بهذا المعنى من الحكومة الأمريكية.
كانت الحكومة الأمريكية قد طلبت يوم الإثنين 30 مايو من المحكمة الفدرالية في ميامي بأن يُؤذن للسلطات الضريبية الأمريكية الممثلة بـ”دائرة الإيرادات الداخلية” (IRS,Internal Revenue Service) باللجوء إلـى الإجراء المعروف باسم “جون دو” (John Doe) الذي يتيح الحصول على معلومات حول احتمالات ارتكاب عمليات تهرب ضريبي من قبل أشخاص لا تُعرف هويتهم. وتحـقّقُ دائرة الإيرادات الداخلية في جملة من الخدمات التي قدّمها اتحادُ المصارف السويسرية “يو بي إس” لحرفاء أمريكيين ما بين عامي 2000 و2007.
وحسبما أفادته وكالة رويترز، رأت القاضية جوان لينارد بأن هنالك ما يكفي من الشبهات للاعتقاد بأن المُكـلَّفين بدفع الضرائب المعنيين لم يمتثلوا للقوانين الضريبية الأمريكية وأن المعلومات المطلوبة لم يكن من السهل الوصول إليها من مصادر أخرى.
وفي تعليقها على القرار، قالت وزارة العدل الأمريكية إن “هذا الحكم يُجبر يو بي إس على تقديم البيانات التي تحدّد هوية المكلفين الأمريكيين المتوفرين على حسابات لدى فروع يو بي إس في سويسرا، والذي اختاروا إخفاء تلك الحسابات عن دائرة الإيرادات الداخلية”.
وفي تصريحات لوكالة رويترز، قالت متحدثة باسم المصرف السويسري – الذي هزته بقوة أزمة الرهن العقاري غير المضمون في الولايات المتحدة – إنها على علم بالإذن الممنوح للسلطات الضريبية الأمريكية وأكدت أن “يو بي إس يتطلع للتعاون مع مصلحة الضرائب الأمريكية”.
“نحن مستعدون للانتقال إلى القوة”
وقبل حوالي عشرة أيام، أرسلت برن وفـدا إلى واشنطن لمناقشة الطلب الأمريكي للتعاون في موضوع يو بي إس، علما أن أحد المستشارين السابقين في المصرف يُحاكم حاليا في الولايات المتحدة بتهمة المساعدة على الاحتيال الضريبي.
ويخضع برادلي بيركنفيلد (43 عاما) للملاحقة القضائية في فور لاوديرديل، بولاية فلوريدا. وكان الرجل الذي يحمل الجنسية الأمريكية قد قال خلال المرافعة بأنه مُذنب في قضية مساعدة مواطنين أمريكيين على إخفاء مبالغ تصل إلى 200 مليون دولار عن المصالح الضريبية في بلاده.
واعترف بيركنفيلد بأنه قام برحلات عديدة بين الولايات المتحدة وأوروبا ما بين 2001 و2006 لمساعدة عملائه على إخفاء أموالهم، ولا سيـّما الشخص المتهم معه في نفس القضية والذي يعتبر قطبا في المجال العقاري. وأكد المصرفي أيضا أن يو بي إس تدير حوالي ثروات تقدر قيمتها بحوالي 20 مليار دولار غير معلن عنها لحساب حرفاء أمريكيين.
وقد صرح جون ديسيكو، المسؤول في وزارة العدل الأمريكية، في بيان “نحن نعمل بتوافق جيد مع السلطات السويسرية ومصرف يو بي إس للحصول على المعلومات، لكننا مستعدون للانتقال إلى القوة إذا ما فشلت هذه العملية”.
ويذكر أن “جون دو” في اللغة الإنجليزية، تعبير يُستعمل للحديث عن شخص مجهول الهوية، أو يُستخدم كاسم نوعي لدى الحديث عن السلوك العام لساكنة ما. وهو يوازي في العربية تعبير “فلان” أو “علان”.
رد فعل مُتحفظ
ولدى التعبير عن موقفه إزاء قرار القاضية الأمريكية، ذكـّر اتحاد المصارف السويسرية صبيحة الأربعاء 2 يوليو في زيورخ بالتصريحات التي جاءت على لسات سلطات العدل الأمريكية التي أشارت في بداية هذا الأسبوع إلى التعاون مع نظيرتها السويسرية ومع المصرف بهدف تبادل المعلومات. وألمح يو بي إس بأنه سينظر في المطالب الأمريكية، لكن وفقا للقانون السويسري وللإطار القانوني الذي ينص عليه التعاون بين الدول.
وورد في بيان موقف يو بي إس: “لقد علمنا بقرار المحكمة الفدرالية لفلوريدا الجنوبية الرد على طلب المعلومات الذي تقدمت به دائرة الإيرادات الداخلية”.
وأضاف البيان: “نحن لم نتلقى لحد الآن مثل هذا الطلب”، منوها إلى أن المصرف يواصل “التعاون بشكل وثيق مع السلطات الأمريكية والسويسرية”، ومُشددا على أن يو بي إس “يأخذ على محمل الجد هذه التحقيقات وسيقوم بتحليل دقيق جدا للنقاط التي أثارها التحقيق لاتخاذ إجراءات تصحيحية، وإجراءات تأديبية ملائمة على وجه الخصوص”.
ولم يتمكن متحدث باسم يو بي إس، في تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية، من شرح ما يمكن أن يحدث بالضبط إذا ما تقدمت دائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية بطلب معلومات رسمي. لكنه أوضح أنه ينبغي إِشراك السلطات السويسرية في هذه العملية بما أن الأمر يتعلق بنشر معطيات حرفاء محميين بالسرية المصرفية، وبما أن السلطات الضريبية الأمريكية لا يمكنها أن تجبـر يو بي إس مباشرة على الكشف عن أسماء حرفائها الأمريـكيين.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة المالية السويسرية ديتير لويتفيلير إن الوزارة لم تتوصل لحد الآن بطلب تعاون إداري من قبل السلطات الأمريكية؛ إذ يعود آخر طلب عام تقدمت به السلطات الأمريكية في هذا الشأن إلى 11 يونيو الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، تم إبلاغ السلطات الأمريكية حول إمكانيات التعاون على المستويين الإداري والقضائي.
وحسب فالكو غالي، الناطق باسم المكتب الفدرالي للعدل، المختص بقضايا التعاون، يوجد المسلك الإداري حاليا على جدول الأعمال.
وإذا ما صُرح بالتعاون على هذا المستوى، فإن الإدارة الفدرالية للضرائب ستطلب من يو بي إس إمدادها ببيانات الحرفاء المعنيين، وفقا للسيد لويتفيلير. ثم سينبغي بعد ذلك تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق باحتيال أو تهرب ضريبي. ويشار في هذا السياق إلى أنـه سيتم إبلاغ المشتبهين وسيتمكنون، إذ لزم الأمر، من تقديم طلب استئناف لدى المحكمة الإدارية الفدرالية.
“القضية لا تؤثر على السرية المصرفية”
من جهتها، أعربت الرابطة السويسرية لأصحاب المصارف يوم الأربعاء في زيورخ عن اعتقادها بأن التحقيق الأمريكي حول شبهات مساعدة يو بي إس على التهرب الضريبي لا تؤثر على السرية المصرفية التي تشتهر بها بنوك سويسرا، إذ تعتبر أن هذه الحالة تعتبر مشكلة خاصة بـ”يو بي إس”.
وفي تصريح لوكالة الأنباء السويسرية، قال المتحدث باسم الرابطة توماس سوتير: “حسب المعلومات التي نتوفر عليها حاليا، لا يتعلق الأمر بمسألة تمس السرية المصرفية. ويُفترض أن تُحل المشكلة بالتالي من خلال اتفاقيات التعاون القضائي أو الإدارية السارية المفعول” بين سويسرا والولايات المتحدة.
كما ذكر المتحدث بأن هنالك فرقا في سويسرا بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي. وفي الواقع، لا تتعاون سويسرا من حيث المبدأ مع السلطات الأجنبية إلا في حالات الاحتيال الضريبي وليس التهرب الضريبي الذي يعتبر مجرد مخالفة. لكن الولايات المتحدة لا تعترف بهذا التمييز بين الأمرين والذي كثيرا ما يثير الانتقاد، خاصة في الاتحاد الأوروبي الذي يمارس ضغوطا على سويسرا في هذا الإطار.
سويس انفو مع الوكالات
بعد سقوط قيمة سهم يو بي إس يوم الثلاثاء 1 يوليو 2008 إلى أدنى مستوى في تاريخه (منذ اندماج اتحاد المصارف السويسرية وجمعية المصارف السويسرية في عام 1998)، بحيث بلغ 19,81فرنكا قبل الإغلاق بـ20,30 فرنكا، بدأت قيمته ترتفع يوم الأربعاء بحيث وصلت إلى 21,04 فرنكا بعد الساعة العاشرة والنصف صباحا.
وجاء ذلك ردا على التصريحات التي أدلى بها يوم الثلاثاء رئيس مجلس إدارة يو بي إس، بيتر كورر، والتي مفادها أن المؤسسة لن تكون بحاجة إلى إعادة رأسملة ثالثة وأنها تأخذ على مأخذ الجد التحقيق الضريبي في الولايات المتحدة.
كما أعلن السيد كورر في نفس اليوم عن استقالة أربعة أعضاء من مجلس الإدارة اعتبارا من أكتوبر القادم دون تفسير أسباب مغادرتهم.
ويذكر أن عام 2007 كان سنة عصيبة بالنسبة لأكبر مصرف في سويسرا، فهو بدأ بتحول عمليات شراء الصناديق التحويطية لـ”إدارة رأس المال على المدى الطويل” و”ديلون ريد لإدارة رؤوس المال” إلى كارثة، بعد انهيار كليهما لأن تحت وطأة ديونهما.
وفي يوليو 2007، بعد شهرين من سقوط ديلون ريد، غادر المدير التنفيذي بيتر ووفلي منصبه بشكل مفاجئ، دون تقديم سبب واضح. وفي أكتوبر الموالي، أعلن يو بي إس عن إلغاء 1500 موطن عمل، بما في ذلك الأطُر.
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أعلن البنك عن شطب خسائر بقيمة 4,2 مليار فرنك سويسري ناجمة عن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة و726 مليون فرنك سويسري كخسارة قبل خصم الضرائب في الثلاثي الثالث من العام، في أولى خسارة فصلية منذ تسع سنوات.
وفي شهر ديسمبر، أعلن يو بي إس أن 10 مليار دولار إضافية ستُشطب إثر تفاقم أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، كما أعلن عن خطة لجلب أموال بقيمة 13 مليار فرنك عبر الاستعانة بصندوق الاستثمار في سنغافورا ومستثمرين في الشرق الأوسط.
كما تم شطب خسائر إضافية بقيمة 4 مليار دولار في يناير 2008، ليصل مجموع الخسائر إلى حوالي 20 مليار فرنك. وقد تم شطب 19 مليار فرنك أخرى في أبريل 2008، وتزامن ذلك مع إعلان مارسيل أوسبيل عن استقالته من رئاسة البنك.
يعتبر اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”، الذي تأسس سنة 1997 نتيجة عملية دمج بين “جمعية المصارف السويسرية” و”اتحاد المصارف السويسرية”، أكبر مؤسسة مالية في الكنفدرالية والعاشر على المستوى العالمية، ويوظف 80 ألف شخص في جميع فروعه.
مصرف يو بي إس، هو إحدى المؤسسات المالية الدولية الرائدة في مجال إدارة الثروات وله فروع في أكثر من خمسين بلدا ويسجل حضوره في مختلف الساحات المالية الدولية الهامة.
في السنوات الأخيرة، أعلن مصرف يو بي إس بشكل منتظم عن تحقيق نتائج استثنائية، وقُـدِّرت أرباحه بمليارات الفرنكات.
في موفى يناير 2008، أعلن مصرف يو بي إس للمرة الأولى عن خسائر هائلة (4،4 مليار فرنك) خلال عام 2007، وفي الثلاثي الأخير من العام الماضي، بلغت الخسائر أرقاما لولبية (12،5 مليار فرنك).
السبب الرئيسي الكامن وراء هذه المشاكل، يرتبط أساسا بأزمة قروض الرهن العقاري في الولايات المتحدة. في المقابل، لم تتردد الأسواق المالية في معاقبة هذا التطور السلبي بصرامة، حيث فقد سهم مصرف يو بي إس منذ بداية عام 2008 ثلث قيمته تقريبا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.