مقترح حكومي لمحاربة الغلاء في سويسرا
اقترحت الحكومة السويسرية مؤخرا فتح أبواب سوق الكنفدرالية أمام منتجات الاتحاد الأوروبي بهدف خفض الأسعار وإنعاش المنافسة الداخلية والنمو الاقتصادي.
وعرضت برن على البرلمان الفدرالي لهذا الغرض اعترافا سويسريا أحادي الجانب بمبدأ “كاسيس دو ديجون” الذي اعتمدته دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 1979.
بعد مرور 13 عاما على رفض الناخبين السويسريين انضمام الكنفدرالية إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، أدركت برن الفدرالية أن اقتصاد البلاد الذي يـشهد ما يصفه الخبراء بـ”أزمة نمو” لن يتعافى إذا ما ظل منعزلا عن سوق الاتحاد الأوروبي.
ومن أجل إنعاش النمو وتعزيز المنافسة الداخلية وكسر الأسعار في سويسرا التي تتصدر قائمة الدول الأكثر غلاء في أوروبا، اقترحت الحكومة السويسرية (خلال جلستها الأسبوعية ليوم 4 مايو الجاري) على البرلمان الفدرالي اعترافا سويسريا أحادي الجانب بمبدأ “كاسيس دو ديجون” الأوروبي رغم عدم انتماءها للاتحاد.
مبدأ “كاسيس دو ديجون”
ويعود اعتماد ذلك المبدأ لقرار صدر بنفس الإسم عن محكمة العدل الأوروبية يوم 20 فبراير عام 1979 حول تسويق النبيذ الفرنسي “كاسيس دو ديجون” في ألمانيا.
وكان مُستورد ألماني قد مُنع من تسويق ذلك النبيذ في ألمانيا لأن النسبة التي يحتويها من الكحول تفوق النسبة التي يسمح بها القانون الألماني. لكن المحكمة أنصفت التاجر الألماني إذ نص القرار على موافقة أي بلد عضو في الاتحاد الأوروبي أن تُسوق فوق ترابه منتجات مستوردة من بلد عضو آخر طالما يتم تصنيعها وتسويقها بصفة قانونية في البلد المصدر. وتسقط صلاحية هذه التجارة الحرة في حال التأكد من خطورة منتوج ما على صحة المستهلك أو البيئة.
وبهدف إلغاء العقبات التقنية في المجال التجاري بين سويسرا والبلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سعت الحكومة الفدرالية دائما وقدر المستطاع إلى ملاءمة القوانين السويسرية مع ما هو معمول به في الاتحاد الأوروبي. وأبرمت لهذا الغرض جملة من الاتفاقيات لضمان وصول المنتجات السويسرية بأقل ما يمكن من الحواجز إلى السوق الأوروبية.
برن تختار الليونة
وقد سمحت الحزمة الأولى من الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع الاتحاد الأوروبي لسويسرا أن تقوم بالخطوة الأولى نحو انسجام قوانين الطرفين وإلغاء ازدواجية الشهادات التجارية. ففي مجال تسويق لعب الأطفال على سبيل المثال، تـُطبق الشهادة الأوروبية في سويسرا أيضا.
لكن ذلك لم يؤد – إلى حد الآن – إلى خفض الأسعار بشكل ملموس في سويسرا حيث يقول المختصون إن سعر نفس المنتوج يرتفع في الكنفدرالية بمعدل 20% مقارنة مع باقي الدول الأوروبية.
لذلك تواصل الحكومة السويسرية البحث عن حلول تعتمد على توقيع اتفاقيات التعامل بالمثل على المستوى التجاري مع الاتحاد الأوروبي بهدف تحسين المنافسة في سويسرا. أما في المجالات التي يستحيل فيها ذلك، تقترح الحكومة على البرلمان الفدرالي الموافقة على تطبيق مبدأ “كاسيس دو ديجون”.
ويقتضي تطبيق المبدأ تعديل القانون السويسري حول العقبات التقنية والإدارية في المجال التجاري. ففي حال موافقة البرلمان على المقترح الحكومي، ستفتح السوق السويسرية أبوابها لأي منتوج خضع لشهادة المعاملة بالمثل في أي بلد من بلدان الإتحاد الأوروبي، أي أن ذلك المنتوج لن يحتاج غلى التقيد بعدُ ذلك بالشروط التقنية والمعايير وإجراءات الحماية السويسرية. ويذكر أن سويسرا تقبل – لحد الآن – فقط المنتجات الأوروبية التي تخضع لرخصة التعامل بالمثل بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.
ومن الناحية العملية، تعني البادرة الحكومية السويسرية رفع القيود التقنية والإدارية أمام منتجات أوروبية تقدر بمليارات الفرنكات في العام الواحد -مثل منتجات البناء والآلات والأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية ومواد التجميل والدراجات…، إلخ- التي لا يمكن تسويقها بعد في سويسرا. وتُستثنى من هذه اللائحة الأدوية التي مازالت أسعارها مرتفعة جدا في سويسرا.
ثمرة ضغوط دامت أشهرا عدة..
وتعتقد برن أن تطبيق مبدأ “كاسيس دو ديجون” سيؤدي إلى تحريك المنافسة وخفض التكاليف بالنسبة للشركات والمستهلكين على حد سواء في سويسرا.
وقد أُطلـِق النقاش حول اعتماد المبدأ بعد الرسالة التي تقدمت بها النائبة دوريس لوتار رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط اليمين)، وعلى إثر المُذكرة التي عرضها نائب الحزب الراديكالي (يمين) في مجلس الشيوخ هانس هيس.
وجدير بالذكر أن كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية واللجنة الفدرالية لتقنين المنافسة بذلتا جهودا حثيثة منذ عدة أشهر من أجل إقناع جميع أعضاء الحكومة الفدرالية بالموافقة على تحرير تنقل البضائع بين سويسرا والاتحاد الأوربي.
وإثر إعلان الحكومة يوم الأربعاء 4 مايو الجاري عن مقترح تطبيق مبدأ “كاسيس دو ديجون”، لم يتردد السيد أيمو برونيتي، الرجل الثاني في كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، في وصف بادرة برن بـ”مشروع يجسد فلسفة جديدة للحكومة السويسرية”.
“نعم، ولكن…”
على صعيد آخر، حظي المقترح الحكومي أيضا بترحيب الرابطة الروماندية للمستهلكين. لكن هذا الترحيب ظل حذرا، إذ صرحت نادية تيوغان، الخبيرة الاقتصادية في الرابطة: “نحن نؤيد بطبيعة الحال اتخاذ أي إجراء يهدف إلى خفض الأسعار وتعزيز المنافسة في سويسرا، خاصة أنه (أي تطبيق مبدأ كاسيس دو ديجون) يستثني المنتجات الخطيرة على الصحة والبيئة”.
في المقابل، عبرت السيدة تيوغان عن بعض التحفظ بخصوص وسم المنتجات بالقول: “نحن نواجه بعدُ صعوبات لفرض آراءنا في مجال وسم المنتجات السويسرية وسنحرص على أن يظل إعلام المستهلك (بمكونات المنتوج) خدمة مضمونة”.
وبعد التذكير بأن الاتحاد الأوروبي لم يعد يضم 15 دولة بل 25، أصافت السيدة تيوغان في تصريح لسويس انفو: “لا نعلم بعد إن كانت منتجات الدول الأعضاء الجديدة في الاتحاد تستجيب لشروطنا” في مجال وسم المنتجات.
من جهتها، رحبت رابطة المستهلكين في الأنحاء السويسرية المتحدثة بالألمانية عن ارتياحها للتحرك الحكومي، لكنها أعربت أيضا عن تخوفها من تأخير التنفيذ الفعلي لفتح السوق السويسرية أمام المنتجات الأوروبية في وقت تعتقد فيه الرابطة أنه “يجب التحرك سريعا”.
ويعتقد مراقب الأسعار في الكنفدرالية رودولف سترام -الذي أشاد بالقرار الحكومي- أن مياها كثيرة سوف تجري تحت الجسور (مثلما يقال) قبل أن يجهز الإطار القانوني لتطبيق مبدأ “كاسيس دو ديجون” من قبل سويسرا.
من جانبها، شددت الرابطة السويسرية لمنظمات الإنتاج الزراعي العضوي “بيو سويس” على أن فتح السوق السويسرية بوجه المنتجات الأوروبية لا يجب أن يكون على حساب البيئة وحماية الحيوانات. وطالبت بالحصول على ضمانات بالنسبة للمنتجات الحساسة مثل الحليب والأجبان واللحوم.
أما بروكسل، فلم تخف سعادتها بالخطوة الأحادية الجانب التي اقترحتها برن لتعزيز التقارب بين السوق السويسرية والاتحاد الأوروبي، إذ أعرب المفوض الأوروبي شارلي ماك كريفي المسؤول عن السوق الداخلية للاتحاد، عن قناعته بأن الشركات السوسرية والاتحاد الأوروبي على حد سواء سيكسبان بدون أي شك من اعتماد سويسرا لمبدأ “كاسيس دو ديجون”.
ويبقى السؤال قائما: هل سيقتنع البرلمان الفدرالي بذلك؟
سويس انفو
يعود مبدأ “كاسيس دو ديجون” لقرار صدر عن محكمة العدل الأوروبية يوم 20 فبراير 1979.
قضى القرار بترخيص تسويق نبيذ فرنسي -يحمل إسم كاسيس دو ديجون- في ألمانيا.
وكان مستورد ألماني لذلك النبيذ الفرنسي قد منع من تسويق المنتوج في ألمانيا لأن نسبة الكحول التي يحتويها تفوق النسبة التي يسمح بها القانون الألماني.
وينص القرار الذي بلورته محكمة العدل الأوروبية والمفوضية الأوروبية على موافقة أي بلد عضو في المجموعة الأوروبية أن تباع فوق أراضيه منتوجات مستوردة من دولة عضو أخرى طالما يتم تصنيعها وتسويقها بصفة قانونية في البلد المُصدر.
يمكن وقف هذه التجارة الحرة فقط عند التأكد من خطورة منتوج ما على صحة المستهلكين.
ترغب الحكومة السويسرية في تطبيق نفس المبدأ بين الكنفدرالية والاتحاد الأوروبي على منتجات البناء والآلات والأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية ومواد التجميل والدراجات، …إلخ، باستثناء الأدوية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.