“نستلي”.. رحلةٌ عبر الأجيال
انطلقت مغامرة "نستلي" السويسرية في المغرب عام 1927. وعلى مدى 77 عاما، أصبحت منتجاتها الغذائية من ضمن التقاليد الاستهلاكية الراسخة في البيوت المغربية.
مدير “نستلي” في المغرب فرانسوا بريفو يسلط الضوء في لقاء مع سويس انفو على أهم محطات مشوار الشركة، التي كانت من أولى فروع المجموعة خارج أوروبا.
قد لا تخلو البيوت المغربية، حتى في المناطق القروية النائية من بضاعة واحدة على الأقل تحمل علامة جودة “نستلي”، فإن لم يكن الحليب المجفف “نيدو” أو “غيغوز”، الذي تغذت به أجيال متتالية، فربما نجد الحليب المركز المُحَلَّى “نستلي”، أو أكياس قهوة “نسكافي”، أو مكعبات “ماجي” التي نجحت بالتدريج في إغراء المطبخ المغربي…
وفاء أو بالأحرى ارتباط المستهلك المغربي بمنتجات المجموعة السويسرية الدولية العملاقة ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج لعوامل متعددة لعل أبرزها المشوار الطويل لـ”نستلي” في المغرب، وانفراد المجموعة بتصنيع منتجات أساسية مثل الحليب المجفف والأغذية الصحية للرضع والأطفال. فضلا عن عنصر الجودة الذي تحرص المجموعة على إبرازه منذ دخولها السوق المغربية، وكذلك انغماسها في الثقافة التي أوحت لها مثلا تصنيع شربة “الحريرة” الرمضانية المشهورة، التي تصدرها الشركة إلى البلدان الأوروبية التي تشهد حضورا مميزا للجالية المغربية والمغاربية مثل فرنسا وبلجيكا وإنجلترا.
خمسة تواريخ وخمس محطات أساسية ترسم مشوار “نستلي” في المغرب. الرحلة انطلقت عام 1927 بإنشاء شركة متواضعة تحمل إسم “نستلي أنغلو سويس ميلك” التي بدأت باستيراد منتجات المجموعة. وكانت آنذاك من بين أولى الشركات التي فتحتها “نستلي” خارج أوروبا. وتطورت نشاطاتها لتصبح شركة تصدير منتجات “نستلي” عام 1941.
وفي عام 1953، تحولت إلى شركة “سومبيا” الصناعية فرع “سيتبا” التابعة لـ”نستلي” والمتخصصة في تحويل المنتجات الزراعية. وكان يجب انتظار عام 1984 لإنشاء شركة “نستلي المغرب” رسميا، التي عززت نشاطاتها الصناعية في عام 1994 بالتدشين الرسمي لمعمل الجديدة في منطقة دكالة الفلاحية.
ويشار إلى أن “نستلي المغرب” تدير انطلاقا من مقرها في الدار البيضاء فروع “نستلي” في كل من الجزائر وتونس وموريطانيا، بينما يتبع فرع “نستلي” في ليبيا مكتب الشركة في مصر.
معمل ٌمجهز بأحدث التقنيات
يعُتبر معمل “نستلي” في مدينة الجديدة، الذي يمتد على 5 هكتارات ويـُشغل 230 شخصا، من بين أحدث وأنشط معامل المجموعة الدولية. وينقسم المعمل إلى 4 وحدات إنتاج هي المنتجات المشتقة من الحليب، والقهوة القابلة للذوبان، والدقيق المُلبن، ومنتجات الطبخ.
وفي اللقاء الذي أجرته معه “سويس انفو” في مقر الشركة بالعاصمة الاقتصادية المغربية الدار البيضاء، قال السيد فرانسوا بريفو، مدير “نستلي المغرب”: “لدينا معمل يتطابق مع المعايير الأوروبية، بل حتى أنه يتجاوز بعضها بما أنه شُيد قبل 11 عاما فقط. نحن نستثمر بانتظام في هذا المعمل، ليس لتوسيعه بل لتجديده وجعله يواكب دائما مستجدات التكنولوجيا وقواعد الصحة في العمل”.
وأوضح السيد بريفو أن معمل الجديدة بدأ نشاطاته بتصنيع الحليب المجفف اعتمادا على الحليب الطري الذي تشتريه الشركة من المزارعين في منطقة دكالة. ولأن منتجات الحليب لا تكفي وحدها لتغطية تكاليف معمل بهذا الحجم، وما بالك بتحقيق الأرباح.. لجأت “نستلي” أيضا إلى تصنيع قهوة “نسكافي” التي تعتمد في تركيبها على القهوة الخضراء التي تستوردها الشركة أساسا من إفريقيا السوداء، وخاصة ساحل العاج، أو من الفيتنام.
وتنتج “نستلي المغرب” ما لا يقل عن 600 طن سنويا من “نسكافي” مخصصة للتصدير بالدرجة الأولى، إذ انطلاقا من الدار البيضاء يتم شحن “نسكافي” باتجاه بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط وإفريقيا الغربية وحتى أوكرانيا الأوروبية. ورغم أن المغاربة يستهلكون عادة الشاي بالنعناع الذي يشتهرون به، فتظل “نسكافي” من بين منتجات “نستلي” التي يقبل عليها المستهلك المغربي بكثرة.
إيجابيات الموقع المغربي
وعن أهم العوامل التي جذبت “نستلي” إلى المغرب، وشجعتها على المزيد من الاستثمارات، شدد السيد بريفو على أهمية الموقع الاستراتيجي للبلاد قائلا: “نحن قريبون جدا من أوروبا، ولدينا موقع استراتيجي إزاء المغرب العربي، الذي نستفيد منه إلى أقصى حد، وأيضا إزاء إفريقيا (…) فالمراكب التي تذهب من الدار البيضاء يمكن أن ترسي في داكار وأبيدجان إلخ. وتدفعنا المشاكل التي تواجهها ساحل العاج حاليا إلى التفكير في مستقبل المنطقة، لكن في منطقة المغرب، هنالك استقرار لا تنعم به البلدان الإفريقية”.
وفضلا عن الموقع الاستراتيجي، نوه مدير شركة “نستلي المغرب” بما وصفه بـ”الكفاءة العالية جدا” لليد العاملة المغربية والرخيصة رغم ذلك. وقال في هذا السياق: “في المغرب لدينا يد عاملة مؤهلة جدا. عندما نعرض فرص عمل، نتلقى طلبات أشخاص من ذوي الكفاءات العالية ممن تلقوا دراساتهم في المغرب، الذي يتوفر على مدارس جيدة، أو في أوروبا (…) لدينا هامش واسع للاختيار في مجال التوظيف”.
ومن العوامل التي استقطبت أيضا “نستلي” إلى المغرب توفره على كميات مهمة من الحليب. ولئن كانت المملكة ليست بلدا منتجا للحليب بالدرجة الأولى مثل هولندا، كما يذكر السيد بريفو، فإن إنتاجه شجع “نستلي” على تصنيع الحليب خاصة وأنه يحظى بحماية جمركية هامة. وقد بدأ معمل “نستلي” في الجديدة يحقق أرباحا في مجال تصنيع الحليب منذ أربع سنوات، بينما ساهمت منتجاته من “نسكافي” بقوة في تسديد تكاليف بناء وتجهيز المعمل.
وما يفسر أيضا الإقبال الكبير على الحليب المجفف في المغرب، حسب اعتقاد السيد بريفو، عدم توفر جميع البيوت على ثلاجات تحفظ الحليب الطري، وأيضا مجهودات “نستلي” لضمان أعلى جودة بتخلصها من استعمال المضادات الحيوية في مختلف مراحل انتاج الحليب المجفف.
مصاعب أيضا…
وإن كان للموقع مميزات، فله بطبيعة الحال بعض السلبيات. ولا يبدو أن البطء أو التعقيد الإداري، الذي تُعرف به معظم دول العالم الثالث، هو الجانب المثير لقلق السيد بريفو، فهو يقول ببساطة “نحن نتأقلم مع ذلك”. أما ما يثير بالفعل انزعاج “نستلي” بوجه خاص في المغرب فهو إمكانية اختراق المستعمرتين الإسبانيتين سبتة ومليلية الواقعتين شمال المغرب.
فقد أوضح السيد بريفو أن القرب الجغرافي من أوروبا ووجود المستعمرتين الإسبانيتين خارج منطقة الضرائب، يؤديان إلى إغراق السوق المغربية بمنتجات “نستلي”، التي تصل عبر سبتة ومليلية عن طريق تهريب البضائع، وهو ما يؤثر سلبا على مبيعات “نستلي المغرب”.
ورغم ذلك، يؤكد السيد بريفو أن الشركة تظل في ما وصفه بـ”موقع مسيطر بعض الشيء”، إذ أنها تنفرد بتصنيع الحليب المجفف في المغرب، وكذا “نسكافي”، والأغذية الصحية للأطفال التي تباع في الصيدليات والمتاجر التقليدية والعصرية.
منافسة “نستلي”.. مأمورية صعبة
وحتى من يحاول دخول حلبة المنافسة مع “نستلي المغرب” سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فإنه لا محالة سيواجه صعوبات لفرض حضوره أمام مجموعة عملاقة ذات شهرة عالمية وتاريخ عريق.
ويقول السيد بريفو بهذا الشأن: “نحن لدينا ماركات نسكافي، نيدو، وماركات مشهورة عالميا، والمغاربة تقليديون جدا، هذا أمر لا يكاد يصدق، لكنه جيد بالنسبة لنا. فعندما يتعلق الأمر بشراء منتجات للأطفال، التقليد ينتقل من الأم للإبنة، لذلك يمكن أن أقول أن “غيغوز” مثلا مازال لديه مستقبل مشرق”.
أما منتوج “سيريلاك” للأطفال أيضا، فيقول عنه السيد بريفو إنه “مؤسسة بحد ذاته”، معربا عن اعتقاده أن البيوت المغربية التي بها رضع أو أطفال لا تخلو من “سيريلاك”..
سياسة اجتماعية وتنمية مستديمة
ولا شك أن مجموعة بهذا الوزن والشهرة العالميين لا تغفل التزاماتها نحو العمال والبيئة. وقد أوضح السيد بريفو أن “نستلي المغرب” تعتمد سياسة اجتماعية تضمن لليد العاملة رواتب تفوق الراتب الوطني الأدنى في المغرب، إذ تحرص على أن يتمكن العاملون، حتى أولئك المتواجدون في أدنى درجات السلم المهني، من العيش بشكل لائق. وتعزز “نستلي” سياسة الأجور بنظام أمن إجتماعي مرفوق بتسهيلات ومكافآت مختلفة في المناسبات الدينية على سبيل المثال.
أما على مستوى التنمية المستديمة، فتحرص نستلي على تكوين المزارعين، الذين يبيعون لها الحليب في المراكز الستة والتسعين الخاصة بتجميع الحليب الطري. كما تشارك “نستلي” منذ عامين في نشاطات مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة. وفي هذا السياق، ذكر السيد بريفو أن معمل الجديدة يتوفر على إحدى أهم محطات تطهير المياه المستعملة في المغرب، إذ يقوم المعمل باستقبال ماء الصنوبر، ثم تطهيره لاستعماله ثم تنظيفه مرة ثانية قبل تسريبه في المجاري.
ومن المشاريع التنموية الهامة التي تساهم فيها “نستلي المغرب” ما أسماه السيد بريفو بـ”الشراكة الهائلة” مع “مؤسسة زاغورة” في منطقة دكالة، حيث مولت الشركة 30 مدرسة بالقرب من مراكز تجميع الحليب الطري. وأكد مدير “نستلي المغرب” أن الفتيات الأميات يتلقين مثلا كافة مواد المدرسة الابتدائية في ثلاث سنوات، وأن عددا من الأطفال الموهوبين يواصلون دراستهم الثانوية ويحصلون على شهادات تعليمية.
وهي طريقة أخرى أيضا للمساهمة في بناء جيل الغد، ذاك الذي تغذى بالتأكيد في مرحلة من مراحل تكوينه بمنتجات “نستلي”..
سويس انفو – إصلاح بخات – الدار البيضاء
تأسست شركة “نستلي” التي تحمل إسم الصيدلي الألماني الأصل هنري نستلي عام 1866 في فوفي.
تتوفر المجموعة العملاقة حاليا على 508 مصنعا في 85 بلدا.
توظف 254199 شخصا في مختلف أنحاء العالم.
انطلقت نشاطات “نستلي” في المغرب عام 1927، بشركة استيراد لمنتجات نستلي.
في عام 1984، تأسس رسميا فرع شركة نستلي في المغرب “Nestle Maroc SA”
في عام 1994، دُشن رسميا معمل “نستلي” في مدينة الجديدة المغربية.
في عام 2003، بلغ رقم مبيعات “نستلي المغرب” 914 مليون درهم.
توظف “نستلي” 450 عاملا من بينهم 45 امرأة في المغرب الأقصى، ومجموع 700 عامل في المغرب العربي عموما.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.