ودائـعُ عائلة مبارك في المصارف السويسرية والدولية تحت المجهر
تقتفي وسائل الإعلام السويسرية، على غرار وسائل الإعلام الدولية، أثر ودائع عائلة الرئيس المصري حسني مبارك التي أشارت مصادر إلى أنها تتراوح ما بين 40 و70 مليار دولار.
وفيما أشار البعض إلى احتمال وجود قسم منها في المصارف السويسرية، ينتظر الجميع قرار التجميد الذي قد تضطر السلطات الفدرالية اتخاذه والذي يزداد تعقيدا كلما استمر الرئيس في التمسك بالسلطة.
فقد تناقلت الصحف السويسرية على اختلاف توجهاتها في الأيام الأخيرة، ما نشرته شبكة التلفزيون الأمريكية أي بي سي من أن ثروة عائلة الرئيس المصري حسني مبارك تتراوح ما بين 40 و70 مليار دولار، وهذا ما تطرقت له صحيفة “لا تريبون دو جنيف”، الصادرة باللغة الفرنسية في جنيف، والتي نقلت عن صحيفة الغارديان البريطانية أن المبلغ يتوزع كالتالي: “15 مليار دولار للرئيس ومليار دولار لزوجته و8 مليار دولار لإبنه الأكبر علاء و17 مليار لإبنه الأصغر جمال”.
نظام العمولات
بالاستناد الى تحليل كريستوفر دافيدسون، الخبير في جامعة دورهام، أوردت صحيفة لا تريبون دو جنيف أن طريقة الإثراء السريع التي انتهجتها عائلة مبارك “اعتمدت على نظام رشوة متبع بكثرة في بلدان الخليج، وهو النظام التي يضطر فيه مستثمر أجنبي للبحث عن شريك محلي يمنحه قسما من أرباح المشروع، قد تصل الى حدود 20%”.
ودائما نقلا عن شبكة إي بي سي، تقول الصحيفة “إن جمال مبارك مارس مضاربة بالديون السيادية لبلده منذ الثمانينات وقام بشراء قطع أرضية كبيرة تابعة للجيش، عاود بيعها لمستثمرين”، وهو ما سمح له (أي جمال مبارك)، حسب صحيفة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) بـ “جمع حوالي 17 مليار دولار موزعة على بنوك في سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا”.
وتضيف الصحيفة بأن “وثائق عثر عليها أعضاء الجالية المصرية، تظهر جليا بأن نجلي الرئيس يملكان صندوق استثمار خصص لهما من أجل شراء أسهم في شركات مصرية”. كما تشير الصحيفة الى أن “علاء مبارك له غالبية الأسهم في شركة (بويون كومباني المحدودة)، التي مقرها في لندن وأن جمال مبارك يملك غالبية الأسهم في شركة (هوروس فود أند آغري بيزنس) التي مقرها في قبرص”.
الودائع في سويسرا.. “غير واضحة”
وتساءلت كل الصحف عن حجم ودائع عائلة مبارك في البنوك السويسرية، إذ نجد شبكة “نيوز نيتس” أشارت الى “احتمال امتلاك عائلة مبارك لحسابات في كل من مصرف كريدي سويس ومصرف يو بي إيس”. اما عن حجم المبالغ المودعة، فتقول الشبكة “إن ذلك غير معروف لحد الآن”. وحتى محاولات صحيفة لا تريبون للتعرف على حجم ودائع عائلة مبارك في مصرف يو بي اس، باءت بالفشل، بحيث تلقت ردا من الناطق باسم البنك جون رفائيل فونتانا مفاده أن “القوانين السارية المفعول في سويسرا، لا تسمح للبنوك بالحديث عن ودائع الزبائن الحقيقيين أو المحتملين”.
وتناقلت كل الصحف ما تم نشره من إحصائيات البنك الوطني لعام 2009 والذي أوضح بأن “الأموال المصرية المودعة في البنوك السويسرية، بلغت في نهاية 2009 حوالي 3،6 مليار دولار وأنها كانت قبل عامين من ذالك أكثر بـ 44%”. ولكن يجب التشديد على أن هذه الأموال تمثل أرصدة أشخاص مصريين أو شركات لها مقرات في مصر ولا تعكس واقع العمليات البنكية الدولية المعقدة التي عادة ما يلجأ لها الأشخاص الراغبين في تمويه مصدر الأموال.
ونقلت صحيفة لا تريبون دو جنيف عن المحامية ساندرين جيرو، من مكتب المحاماة “لا ليف” والعضو في منظمة “ترايال” السويسرية، المناهضة للإفلات من العقاب، عدم استغرابها لضخامة الثورة المحتملة لعائلة مبارك، وقالت “إن حجم أموال الرشوة في العالم كبيرة للغاية… وأن الضغوط الممارسة على عائلة مبارك ستدفع البنوك الى الكشف عن بعض منها بموجب قوانين محاربة تبييض الأموال، ولو أن تقديم الدلائل على ذلك، يعتبر صعبا للغاية”.
مصرفِـي مقرّب من عائلة مبارك في جنيف
في سياق متصل، تناقلت الصحف السويسرية عن جريدة “هاندلستسايتونغ” إكتشافها عبر ما تناقلته الشبكات الاجتماعية من تويتر وغيرها، كون وليد شاش، رئيس قسم إفريقيا والشرق الأوسط في بمصرف “اتحاد البنوك الخاصة” الذي يوجد مقره في جنيف، كان عضوا في مجلس إدارة المؤسسة الخيرية التي أسستها زوجة الرئيس المصري سوزان مبارك، والتي تتخذ من جنيف مقرا لها.
صحيفة “لوتون” أوردت بأن المصرف المعني سارع يوم الخميس 3 فبراير إلى “تبديد اية شكوك في وجود علاقة تجارية بين البنك وعائلة مبارك”، إلا أن المصرف أوضح أن موظفه “حصل على ترخيص منه لتلك العضوية”، لكن نفس الصحيفة وجدت أن اسم وليد شاش يعاود الظهور في رئاسة الفرع المصري لصندوق “إي إيف جي هيرمس” التابع لمجموعة بنك التنمية في مصر “إي إيف جي هيرمس”، الذي يزود الشركتين اللتين يشرف على ملكيتهما علاء وجمال مبارك بإطارات عليا، كأعضاء في مجلسي إدارتهما.
إحراج للسلطات الفدرالية
إذا كانت السلطات الفدرالية قد سارعت في حالة الرئيس التونسي المخلوع إلى فرض حجز على أمواله وودائع وممتلكات المقربين منه حتى قبل طلب السلطات التونسية ذلك رسميا، فإنها تجد نفسها في حالة الرئيس مبارك أمام اختبار عسير، خصوصا وأنه يرغب في التمسك بالسلطة، حتى نهاية ولايته الحالية في شهر سبتمبر القادم.
وفي معرض إشارة العديد من الصحف السويسرية لهذه المعضلة، ذكرت صحيفة لاتريبون دو جنيف أن “وزيرة الخارجية طالبت خلال الأسبوع الماضي من المصارف والمؤسسات المالية السويسرية، إشعار السلطات بكل التحويلات المشتبه فيها التي تتم انطلاقا من حسابات مصرية”، وهو ما رأت فيه الصحيفة “إشارة سياسية”.
ولكن صحيفة سانت غالن تاغبلات (تصدر بالألمانية في سانت غالن)، تذكر بأن “الحكومة الفدرالية لم تتخذ لحد الآن قرارا بتجميد أرصدة عائلة مبارك”، وتضيف أنه “كلما استمر مبارك في السلطة، كلما وجدت سويسرا نفسها في وضعية تقتضي منها حماية نفسها من اتخاذ خطوة قد يُنظر لها على أنها غير ودية، وقد تدفع الى اتخاذ إجراءات انتقامية”، وهذا ما يدفع صحيفة تاغس انتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ) إلى التأكيد على لسان بيتر كوساندي، الخبير القانوني في المجال المصرفي أنه “من غير المتصور فرض حجز على أموال مبارك، طالما هو في السلطة”.
لكن الصحيفة ترى على لسان دانيال تيللسكلاف، الخبير في ممتلكات الشخصيات السياسية الكبرى المهربة والعضو في منظمة الشفافية الدولية أنه “حتى في غياب قرار سياسي بفرض حجز على ممتلكات عائلة مبارك، هناك مسؤولية ملقاة على عاتق البنوك لمنع القيام بأية تحويلات مالية كبرى في الظروف الحالية”.
في حالة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، تصرفت السلطات السويسرية بطريقة يرى البعض أنها كانت متسرعة عندما أصدرت قرارا بتجميد ارصدة بن علي وعائلته بما في ذلك حوالي 40 شخصية من المقربين منه، إذ سارعت السلطات الفدرالية بعد فراره يوم 14 يناير 2011، إلى اتخاذ قرار التجميد بتاريخ 19 يناير.
وكانت رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية السيدة ميشلين كالمي- ري قد أعلنت عندها بأن السلطات الفدرالية “سارعت الى اتخاذ هذا القرار بخصوص الوضع التونسي لتفادي تهريب تلك الأموال”. وقد اتخذته بموجب المادة 184 من الدستور السويسري وبالأخص فقرتها الثالثة التي تخول للحكومة الفدرالية إمكانية اتخاذ هذا الإجراء.
ومن الناحية العملية، يتعلق الأمر “بتجميد كل الممتلكات المحتملة المتواجدة في سويسرا والمُودعة من قبل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعائلته وعدد من أفراد من محيطه، تتضمنهم قائمة بحوالي أربعين شخصية”.
وقد أوضحت الرئيسة السويسرية أن هذا التجميد يشمل أيضا “تغيير ملكية أية بنايات” وأن مدة التجميد صالحة “ابتداء من اليوم ولفترة ثلاث سنوات” (أي إلى 19 يناير 2014)
ويتمثل الهدف من هذا التجميد، حسب السلطات السويسرية، في “منع تحويل ملكيتها ولتجنب التحايل على ملكيتها قبل التأكد من مصدرها”، أي ما إذا كانت شرعية أو غير شرعية، إضافة إلى تمكين السلطات الرسمية في تونس “بتقديم طلب مساعدة قانونية لاستعادة تلك الممتلكات”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.