“يجب إعادة النظر في هذا النموذج من العولمة لأنه سيقود إلى أزمات متلاحقة”
أثار تغيير منظمة العمل الدولية لبرنامج مؤتمرها السنوي في آخر لحظة لمعالجة تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية، لدى ممثلي النقابات العمالية بعض الآمال باحتمال "إقناع ممثلي الحكومات وأرباب العمل بالسلبيات المترتبة عن النظام النيوليبرالي والعولمة المتوحشة" وإمكانية "توحيد النقابات العمالية وإنعاش دورها من جديد"، حسب رأي الأستاذ أديب ميرو، نائب الأمين العام للاتحاد العالمي للنقابات.
وكانت منظمة العمل الدولية قد اضطرت لتغيير جدول أعمال مؤتمرها الثامن والتسعين، المنعقد حاليا في جنيف، لكي تركز على معالجة التأثيرات الناجمة عن الأزمة المالية والاقتصادية، حسب تصريحات المسؤولين بالمنظمة.
لمعرفة حقيقة ما يمكن توقعه من خطوات عملية من هذا المؤتمر، الذي استقطب أكثر من 4000 مندوب يمثلون الحكومات وأرباب العمل والعمال، استضافت swissinfo.ch الأستاذ أديب ميرو، نائب الأمين العام للإتحاد العالمي للنقابات في الحوار التالي.
سويس إنفو: يقول الساهرون على مؤتمر العمل إنهم غيروا برنامج مؤتمرهم لكي يعالجوا تأثيرات الأزمة، أولا ما هو تقييمكم كنقابيين لتأثيرات هذه الأزمة عموما؟
أديب ميرو: لاشك في اننا قد نتّـفق في أن المؤتمر غيّـر جدول أعماله، ولكن ما نتمنّـاه هو ان يغير اتجاهه وطريقة معالجته باتجاه إيجاد حلول راديكالية وعملية لهذه الأزمة العاصفة.
لاشك في ان هذه الأزمة، التي بدأت مالية لم تعد مالية واقتصادية، بقدر ما هي أزمة بطالة وأزمة اجتماعية، بل أيضا أزمة هيمنة سياسية وهيمنة إيديولوجية، مجملها أدّى الى خلق هذه الأزمة وإلى تداعياتها. ولا شك في أن هناك جهات داخل منظمة العمل الدولية تريد إعادة تحليل الأمور الى رؤيتها الشاملة التي تراعي كل هذه الأبعاد في الأزمة.
ونحن من بين أولائك الذين ينادون بأنه يجب التصدّي للأزمة من زوايا أوسع لا تحصر نفسها في مسالة ضخ الأموال في الشركات المفلسة، بقدر ما يجب أن تنظر الى مسالة البُـعد الاجتماعي في الأزمة. وقد اتّـفق الكثير من المحللين الاقتصاديين من أنه، حتى ولو استطعنا الحد من تأثيرات الأزمة على الإقتصاد في فترة وجيزة، فإن الحد من تأثير الأزمة على قطاع البطالة سيتأخر، وهذا سيقود الى أن حصّـة العمال من هذه الأزمة التي ليسوا مسؤولين عنها، سيكون أطول وأعمق، وهذا تترتّـب عنه مسؤولية كبيرة تُـلقى على عاتق فريق العمال في مؤتمر منظمة العمل الدولية.
وإن أولائك الذين بدؤوا قبل عقدين من الزمن في الترويج للنظام النيوليبرالي والعولمة وبالتبشير بجنة للاقتصاد وبجنة للشعوب وبجنة للعمال، يكتشفون اليوم بأن هذه الإجراءات التي قادوا إليها، بل حتى فرضوها على كثير من صناع القرار الاقتصادي والسياسي، تأتي بأزمات دولية وازمات هيكلية وأزمات اقتصادية، تؤثر ليس فقط على البلدان المصدرة للأزمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بل تقوم بتصديرها الى مجمل البلدان الصناعية والبلدان النامية.
وللأسف، أن هذه البلدان المصدِّرة للأزمة قد تشفى وتنتعش قبل تلك التي صُـدِّرت إليها الأزمة، لذلك، نناصر كل الإجراءات التي تهدف لمساعدة العمال على تجاوز تاثيرات الأزمة، سواء في البلدان المتقدمة أو في البلدان النامية، ولكن نرى أيضا بأنه – من أجل مساعدة الدول النامية على إنعاش اقتصاداتها من جرّاء هذه الأزمة – يجب إعادة النظر في هذا النموذج من العولمة وبهذه النماذج من التطبيقات النيوليبرالية، لأن هذا النموذج من العولمة سيقود إلى أزمات متلاحقة.
نحن مع ضخّ الأموال لإنقاذ الشركات والبنوك، ولكن لماذا لا يضخّـون أموالا حتى أقل لمعالجة أزمات عميقة في المجتمعات، مثل تمويل مسألة الفقر أو الأمراض والأوبئة أو المجاعة والبطالة وكافة هذه الظواهر؟.
سويس إنفو: ذكرت بأن على منظمة العمل الدولية أن تغير طريقة عملها، هل نفهم من ذلك أنه لا يمكن توقع قرارات عملية من هذا المؤتمر للحد من تأثيرات الأزمة؟
أديب ميرو:الحقيقة بالنظر للجهد المبذول داخل المؤتمر، سواء من قبل إدارة المؤتمر أو سكرتارية المنظمة أو من قبل الخبراء الذين استقدموا لعرض تحاليلهم العلمية والإحصائية أو على مستوى النقاش الدائر، لا يجب أن نظلم كل هؤلاء ونبقى في مستوى التشاؤم، لأن هناك حظوظا في أن يقود ما يجري في أروقة المؤتمر إلى فهم أوسع وأشمل لدى الأطراف الأخرى، وأقصد بهم أرباب العمل أولا والحكومات التي تخلت عن دورها الراعي ودور المحاسبة والإشراف، وأن يقودهم ذلك إلى موقف أكثر حرصا على التوازنات في المجتمع وفي أنظمة الاقتصاد الوطنية والإقتصاد الدولي.
ولكننا لسنا ننتظر معجزة يمكن أن تتحقق من وراء هذا المؤتمر، بل مجرد خطوة قد يكون لها مفعول، لو تم تبنيها من قبل القمم المختلفة، قمة العشرين وقمة الثمانِ والمؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي وغيرها، شريطة أن يكون ذلك مقرونا بضغوط منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الحركات النقابية.
لكن فيما يتعلق بخلق فرص عمل جديدة، ليست لنا آمال كبرى في تحقيق ذلك على المدى القصير، بل إننا نعلِّـق آمالا كبرى على ما يسمى بالميثاق العالمي لخلق فرص العمل، الذي من المنتظر إصداره في هذا المؤتمر والذي لم تتم إجراءاته حتى الساعة.
سويس إنفو: لكن، هل سيبقى الموضوع على مستوى التشخيص أم تتوقعون اتخاذ إجراءات عملية قابلة للتطبيق؟
أديب ميرو: هناك الآن إعداد لنتائج عمل اللجنة المختصة بالأزمة الاقتصادية والإجتماعية التي أنا عضو فيها، الى جانب ممثلين عن أرباب العمل والحكومات والعمال والتي من مهامها إعداد ميثاق عالمي لخلق فرص العمل، ولكن هذا الميثاق قد يبقى حِـبرا على ورق إذا لم يتم تبنِّـيه وتطبيقه من قِـبل أرباب العمل وممثلي الحكومات والمؤسسات الدولية. وحتى الإتفاقيات التي وقعت عليها الدول، لا يجري الإلتزام بها أحيانا، فكيف بنتائج مؤتمر أو بميثاق؟
سويس إنفو: بما أنك تنشط في الميدان النقابي منذ عقود، هل يمكن القول بأن الأزمة الحالية تمثل فرصة بالنسبة لإنعاش النشاط النقابي الذي عرف جمودا وتهميشا بسبب العولمة؟
أديب ميرو: يقال دائما أن المحن والشدائد يجب أن تقوِّي العزائم. كنت أتمنى أن تؤدي الشدائد التي عرفناها خلال العقود الماضية بالحركة النقابية الى توحيد صفوفها وأن تستأنف مبادراتها، لكن لسوء الحظ، ما زلنا في الحركة النقابية نعرف ضعفا في مواجهة الوضع الراهن، وهذا قد يكون ناجما عن عمليات التفتيت والتشرذم التي تمت على المستوى الوطني والقطاعي والإقليمي، وأيضا بسبب تفكير بعض الأوساط في المراكز الدولية في استمرار الحرب الباردة بين بعض المراكز الدولية وعدم توصل الحركة النقابية إلى توحيد من اجل تعزيز قدرتها التفاوضية على كل المستويات.
لكن هذه المحن تحمل معها بوادر رياح التغيير. وإذا كان ذلك صحيحا على مستوى الاقتصاد العالمي، فكيف لا ينطبق أيضا على الحركة النقابية لكي تستعيد زمام المبادرة والهجوم؟ أكيد يمكن القول أن هذه الحركة النقابية قد كانت مخدرة خلال الفترة الماضية بفعل الأوهام التي صنعتها آلة النيوليبرالية وآلة العولمة، وهي أوهام أن الفردوس والنعيم قادمين.
وإذا كان البعض من هذه الحركة النقابية متفائلا بذلك، فإننا في اتحاد النقابات العالمي كنا من المبكّـرين في التحذير من الانعكاسات السلبية لسياسة النموذج الراهن من العولمة والليبرالية، وهي نظرة كانت تشاطرنا فيها العديد من المنظمات والمؤسسات. لكن في المقابل، كان هناك تيار آخر يعتقد بأن العولمة والليبرالية ستجلب الكثير من المنافع والامتيازات، والى حد ما سايرها الكثيرون في ذلك التصور.
نتمنى أنه بعد هذه الصدمة التي تلقيناها جميعا، في أن نستعيد ذاكرتنا ونعمل من أجل التوحد النقابي لمواجهة هذه الأخطار.
سويس إنفو: لكن ألا ترى أن منظمة العمل الدولية – التي كان يُفترض أن تكون في مقدمة الحريصين على إقرار العدالة الاجتماعية قد تخلت عن لعب دورها في زمن التخلي عن المكاسب التي حققتها النضالات العمالية؟
أديب ميرو: للإنصاف، يمكن القول أنها لم تتخلّ عن هذا الدور، لكنها سايرت كثيرا بقية القوى والأطراف التي اثرت أكثر عليها وعلى مناهجها. وايضا الكثير من كوادر هذه المنظمة كانت مقتنعة بفهم محدّد لكيفية مواجهة الأمور.
أتصور ان الجميع الآن يمكن أن يستفيق، ونتمنى أن يقود ذلك الى موقف أكثر شفافية في مواجهة المحن التي يعاني منها الشركاء الثلاث داخل منظمة العمل، أي الحكومات وأرباب العمل وبالأخص العمال، ونتمنى أن يتم تعزيز الحركة النقابية وصرف أولئك الذين يرغبون في شق الحركة النقابية الوطنية، وكذلك استيلاد عدد كبير من المنظمات داخل كل بلد تحت شعارات عديدة، هدفها النهائي مع الأسف، الإضعاف من القدرة التفاوضية للحركة النقابية.
كما نعتقد بأن كافة أطراف الإنتاج، وبالأخص في البلدان النامية، أصبحوا في سلة واحدة بسبب الخطر المحدِق بهم والمتمثل في المنافسة والعولمة ومواجهة الشركات المتعددة الجنسيات، كما أن الإنتاج الوطني أصبح في خطر بسبب التوتر القائم في بعض البلدان والحروب المشتعلة هنا وهناك، خاصة في بعض البدان النامية، والذي تضاف له الضغوطات والحصارات الاقتصادية، كل هذه التهديدات يجب أن تقود الى فهم أفضل، وبالتالي، الى عمل مشترك أفضل لمواجهة هذه الأزمة.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
تطرق الأستاذ أديب ميرو، نائب الأمين العام للاتحاد العالمي للنقابات في حديثه مع سويس انفو إلى تاثيرات الأزمة المالية والاقتصادية على الحركة النقابية وعلى العمال في العالم العربي حيث أشار إلى أنه “لاشك في أن أزمة البطالة هي الأزمة الخانقة في العالم العربي. فنسبة البطالة في العالم العربي كانت أعلى بكثير من معدلات البطالة في العالم قبل الأزمة، فكيف لا تكون كذلك بعد الأزمة” كما أنه “لاشك في أن بلدان العالم العربي ليست متأثرة بنفس الدرجة من الأزمة، تبعا للخصوصية الاقتصادية ومدى الاندماج مع الاقتصاد العالمي، لكن لا أحد يبقى بمنأى عن تأثيرات هذه الأزمة وتداعياتها”.
وقول أديب ميرو “يضاف الى ذلك، مع الأسف، أن شبكات الحماية الاجتماعية وقصور تعويضات البطالة وعدم جدية وفاعلية كثير من مؤسسات، الضمان الاجتماعي في بلداننا العربية، تجعل التأثيرات أكثر عمقا على العمال في بلداننا مما هي عليه في البلدان المتقدمة، التي استطاعت أن تقر تعويضات للعاطلين عن العمل وحدٍّ أدنى في الأجور يسمح بـتامين الاحتياجات الأساسية. كما أن مؤسسات المجتمع المدني في البلدان المتقدمة استطاعت بضغطها وبشبكاتها خلق ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي، في حين أننا في المنطقة العربية نفتقر الى كل ذلك، هذا الى جانب احتياج الحركة النقابية العربية لضرورة تقوية قدراتها التفاوضية الى جانب ضرورة تقوية وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي بين الدول العربية، للتخفيف من تأثيرات الأزمة، وللعمل كمجموعة متماسكة في إطار التجارة العالمية”.
أخيرا يعتبر نائب الأمين العام للاتحاد العالمي للنقابات أن “الأهم من هذا وذاك، هو أن يتم توظيف المال والجهد العربي في التنمية الاقتصادية الحقيقية والاجتماعية داخل الوطن العربي، وليس أن تتحرك أموال مضاربة وأرصدة في البنوك العالمية يدفع فيها الأثرياء العرب ثمن التضخم وثمن تراجع صرف العملة أو ثمن إفلاس العديد من هذه البنوك والشركات”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.