مانفريد نوفاك يوجه انتقادات لاذعة لمجلس حقوق الإنسان
حذر المقرر الخاص الأممي المعني بقضايا التعذيب من أن التعذيب والسجون السرية "ظاهرتان كونيتان" لا تؤخذان على محمل من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.
ووفقا لهذا المحامي النمساوي المتخصص في شؤون حقوق الإنسان، هنالك هوة متزايدة بين الطموحات العالية لقوانين حقوق الإنسان وحقيقة الأوضاع على أرض الواقع.
وقد زار مــُقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بقضايا التعذيب جنيف هذا الأسبوع لحضور أعمال الدورة العادية الثالثة عشرة لمجلس حقوق الإنسان التي تتواصل من 1 إلى 26 مارس الجاري.
مانفريد نوفاك الذي يشغل منصبه منذ خمس سنوات والذي سينهي مهمته في نهاية هذا العام، قدّم يوم الإثنين 8 مارس تقريرا شاملا عن التعذيب حول العالم.
وكان قد تعرض نوفاك في السابق لجملة من الانتقادات باعتباره أحد محرري تقرير أممي مشترك مثير للجدل بشأن الاعتقال السري. ويسلط التقرير الأضواء على الشبكة العالمية للسجون السرية التي يشارك فيها 66 بلدا، والتي تستخدم في إطار مكافحة الإرهاب.
وكان يفترض عرض التقرير أثناء الدورة الحالية، لكن مجلس حقوق الإنسان قام الأسبوع الماضي بإرجاء النقاش إلى شهر يونيو القادم كحل توفـيقي على إثر المعارضة التي أبدتها دول إفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
swissinfo.ch: ما هو رد فعلكم على تأجيل عرض تقريركم حول الاعتقال السري؟
مانفريد نوفاك: أشعر بأسف عميق لتأجيله. كان ينبغي أن يؤخذ هذا التقرير على محمل الجد. اتهامــُنا نحن بانتهاك مدونة السلوك وبالتصرف خارج التفويض الذي أوكل إلينا ينم عن رأي سياسي محض.
نحن خبراء مستقلون – نحن عيون وآذان المجلس – وقدمنا له تقريرا يلفت انتباه أعضائه إلى مشكلة خطيرة جدا في جميع أنحاء العالم استنادا إلى قدر كبير من العمل الذي أنجز على مدى العام الماضي.
الاعتقال السري ليس مجرد انتهاك بسيط لحقوق الإنسان ؛ إنه جريمة كبرى، فهو انتهاك خطير لحقوق الإنسان.
ما هو نطاق استخدام التعذيب كما ورد في تقريركم الخاص الذي يتضمن معطيات تم تجميعها على مدى خمسة أعوام؟
مانفريك نوفاك: التعذيب للأسف ظاهرة عالمية. في جميع بعثاتي، كانت الدنمرك هي الدولة الوحيدة حيث لم أصادف ادعاءات خطيرة مرتبطة بالتعذيب. وفي جميع البلدان الأخرى، كانت هنالك حالات معزولة، كما هو الشأن في أوروغواي وجامايكا، أو حالات منتشرة على نطاق أوسع، مثلما هو الحال في الصين ومنغوليا وأندونيسيا، أو ممارسات منهجية، كما هو الحال في غينيا الاستوائية، ونيبال قبل بضعة سنوات.
إن التعذيب يــــُمارس على نطاق أوسع مما هو معترف به في العادة. وهذا أمر مثير للدهشة، وما أثار استغرابي أكثر ظروف الاعتقال بشكل عام في محابس الشرطة في العديد من البلدان، ومرافق الاحتجاز السابق للمــُحاكمة، والسجون، ومستشفيات الأمراض النفسية ومرافق الاحتجاز الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين، والتي تصل إلى حد المعاملة القاسية والمــُهينة.
ما هي الأسباب الرئيسية لهذه الممارسة الواسعة النطاق؟
إدارات هيئات العدالة الجنائية في الكثير من البلدان لا تعمل بشكل صحيح عموما. فهي ليست مُمولة بما فيه الكفاية، والقضاة ليسوا مستقلين والسياسيون يريدون اعتماد القسوة إزاء الجريمة، وبالتالي تُمارَس ضغوطٌ كثيرة على الشرطة لتسوية القضايا الإجرامية.
والحرب ضد الإرهاب هي بالطبع سبب آخر، ولكن من الناحية الكمية، معظم ضحايا التعذيب هم في العادة مشتبهون بارتكاب أعمال إجرامية عادية. لكن مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب والكفاح العالمي ضد الارهاب منذ 11 سبتمبر 2001 عناصر ساهمت إلى حد كبير في تقويض الحظر المفروض على التعذيب.
وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري دافعت الأسبوع الماضي عن عمل خبراء الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان قائلة إنه يتم تجاهلهم ويتعرضون بصورة متزايدة لـ “هجمات عنيفة” من قبل الدول. ما رأيكم؟
مانفريد نوفاك: أشعر بقلق بالغ إزاء الطريقة التي تتعامل بها دول في مجلس حقوق الإنسان مع خبرائها المستقلين.
ينبغي أن يتوقف المجلس عن انتقاد خبرائه والبدء في أخذ حقوق الإنسان على محمل الجد، والتعاون مع خبرائه المستقلين لمعالجة الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان المرتكبة في الدول المعنية.
وعندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة، يكون الطريق الأسهل اتهامنا نحن بانتهاك مدونة قواعد السلوك.
يفترض أن تجري إعادة النظر في أساليب عمل المجلس في عام 2011. ما هي التغييرات التي ترغبون أنتم في رؤيتها تتجسد على أرض الواقع؟
مانفريد نوفاك: إن الوضع في المجلس حاليا هو أسوأ مما كان عليه الحال في لجنة حقوق الإنسان (التي حل محلها المجلس)، حيث أن الصراع بين الشمال والجنوب مــُسيس للغاية.
نحن بحاجة إلى كسر حلقة الكتل الانتخابية. علينا أن نتغلب على هذه التوترات السياسية ومعالجة قضايا حقوق الإنسان في مختلف المناطق، والتعامل مع حكومات في جميع أنحاء العالم تلتزم باحترام حقوق الإنسان وليس بجداول أعمال سياسية.
إن آلية الاستعراض الدوري الشامل المجلس [لأوضاع حقوق الإنسان في الدول] هي مبدئيا غير انتقائية وتشكل في حد ذاتها تطورا إيجابيا. ولكن العديد من النقاشات مُسيسة للغاية. ولا ينبغي أن تجري دول تقييما لأداء دول أخرى في مجال حقوق الإنسان، فهذه مهمة يجب أن يقوم بها خبراء مستقلون.
وهنالك أيضا ميل متزايد للضغط على المنظمات غير الحكومية في المجلس. كما توجد هوة متزايدة بين المستوى العالي جدا للأحكام الملزمة قانونا للدول وبين الحقيقة على أرض الواقع. علينا أن نتغلب على هذا من خلال الوقاية وتوفير آليات أقوى لمراقبة تنفيذ الدول لقوانين حقوق الإنسان.
وقُدمت اقتراحات هامة، مثل إنشاء محكمة عالمية لحقوق الإنسان، وإقامة صندوق عالمي لتعزيز الآليات الوطنية لتنفيذ قوانين حقوق الإنسان، لكن ما ينقصنا في الوقت الراهن هو الإرادة السياسة لأخذ حقوق الإنسان مأخذ الجد.
سايمون برادلي – جنيف – swissinfo.ch
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
تأسس مجلس حقوق الإنسان رسميا، يوم 19 يونيو 2006، ليُـعوِّض لجنة حقوق الإنسان، التي تعرّضت لانتقادات شديدة بعد تحولها في نهاية حقبة الحرب الباردة إلى ساحة مواجهات عقيمة بين الكتل السياسية والجغرافية.
انعقدت أول دورة للمجلس في يونيو 2006 في مقره بجنيف.
يتألف المجلس من 47 دولة، تُـنتخب مباشرة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة وتتراوح مدة عضويتها ما بين عام وثلاثة أعوام.
المقاعد الـ 27 للبلدان الإفريقية والآسيوية تتغلب في التصويت على البلدان الغربية التي تشغل سبعة مقاعد في المجلس.
كانت سويسرا إحدى البلدان الـ 47 التي كان لها مقعد في المجلس من 2006 و2009، لكنها الآن مجرد بلد مراقب لمدة عام.
وقد قدمت سويسرا طلبا للحصول على عضوية كاملة في الفترة 2010-2013. وستصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذه المسألة في شهر مايو القادم.
دعا قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد جلستي استعراض شامل للمجلس في عام 2011، الأولى تطالب المجلس بإعادة النظر في أساليب عمله وأدائه بعد خمسة أعوام من تأسيسه، والثانية التي ستعقد في نيويورك ستقيم وضع المجلس وما إذا كان ينبغي أن يكون هيئة رئيسية تابعة للأمم المتحدة مثل الجمعية العامة.
من مواليد 26 يونيو 1950 في النمسا، وهو محامي مختص في شؤون حقوق الإنسان.
هو أستاذ القانون الدستوري وحقوق الإنسان في جامعة فيينا. وهو أيضا مدير علمي لمعهد لودفيغ بولتسمان لحقوق الإنسان.
كان نوفاك أحد القضاة في هيئة حقوق الإنسان الخاصة بالبوسنة والهرسك ما بين مارس 1996 وديسمبر 2003.
ويشغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بقضايا التعذيب منذ عام 2004.
يتهم التقرير الولايات المتحدة، من بين عشرات البلدان، بخطف واحتجاز مشتبهين بالتورط في نشاطات إرهابية تورطهم في معتقلات سرية على مدى السنوات التسع الماضية، وبالتالي انتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية.
الجزائر والصين ومصر والهند وإيران وروسيا والسودان وزيمبابوي تحتجز أيضا أشخاصا مشتبهين بتهديد الأمن أو أعضاء من المعارضة في أماكن مجهولة، حسب التقرير.
وكتب أربعة محققين مستقلين تابعيين للأمم المتحدة في تقرير تطلب إعداده عاما كاملا استنادا إلى ابحاث ومقابلات مع 30 معتقلا سابقا: “على المستوى العالمي، يظل الاعتقال السري المرتبط بسياسات مكافحة الإرهاب مشكلة خطيرة”.
وأضافوا في التقرير الذي جاء في 226 صفحة أن الضحايا وعائلاتهم يستحقون تلقي تعويضات فيما ينبغي محاكمة المسؤولين.
وجاء أيضا في التقرير أن “الاعتقال السري على هذا النحو يمكن أن يشكل تعذيبا أو سوء المعاملة للضحايا المباشرين وكذلك لعائلاتهم”.
وأضاف أن الغرض الحقيقي من الاعتقال السري هو تسهيل وتغطية التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة للحصول على معلومات أو لإسكات الناس.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.