ما بعد “سلام” العقبة
أكّـد رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس على ضرورة وضع حدّ للانتفاضة العسكرية الفلسطينية، وتعهّـد في نفس الوقت بمواصلة الحوار مع مختلف الفصائل.
لكن حركة حماس ترفض المضي قُدما في التحاور، وهو ما دفع مصر بإرسال رئيس مخابراتها لتهدئة الأجواء الفلسطينية
في لحظة، تحولت الرحلة الدبلوماسية الأولى لرئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس من وعد مشفوع بالحصول على دعم مختلف الفصائل والحركات الوطنية والإسلامية إلى وعيد يهدد فرص إطلاق السلام المنتظر في المنطقة.
ويطال التهديد ذاته أيضا الأساس الذي تقوم عليه حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني، خصوصا وأنها قامت على خلفية إضعاف الرئيس ياسر عرفات بوعد أمريكي دولي لإخراج الأراضي المحتلة من معمعة الحرب إلى رفاهية السلام.
وفي العقبة، أثار أبو مازن بخطاب لم يتضمن سوى التزامات حددتها الإدارة الأمريكية، حفيظة الشارع الفلسطيني المثخن بالجراح والتراكمات، وفتح بابا لحركة حماس، رأس حربة المعارضة الإسلامية، لتشن هجوما سياسيا، من شأنه أن يفتح الباب مواربا أمام فرص التقدم إلى الأمام.
لم تلبث التداعيات إلا قليلا، حتى أعلنت الحركة الإسلامية وقف حوراها الواعد مع الحكومة الفلسطينية، وترجمت على الأرض التهديدات بإضعاف فرص إطلاق خارطة الطريق على الطريقة التي يريدها الفلسطينيون.
وثمة من يؤكد، داخل طاقم محمود عباس، أن الرجل لا زال يعتقد أنه يؤدي واجبه، وأنه ما من داع للجوء إلى أساليب جديدة ومناورات مختلفة، من شأنها أن تمنحه فرصة التحرك بسهولة بين مطالب المعارضة وضغوطات الإدارة الأمريكية.
بل إن صخر حبش، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، يؤكد أن رئيس الوزراء الفلسطيني، وبالرغم من علمه المسبق وتجربته السياسية، تعرض لعملية “خداع وتغرير” في العقبة، لكنه يُـصر على المضي قدما في سياسته المفتوحة على كل أصناف المتاعب.
وقال حبش إن زميله ورفيق دربه عباس عاد متشائما من العقبة. لكنه وفي نفس الوقت مصر على أنه يمكن تطوير الوضع الفلسطيني من خلال الثقب الضيق الجديد في العلاقة الفلسطينية الأمريكية، والذي بالإمكان توسيعه إلى ما هو أفضل وأرحب فلسطينيا.
حسابات الحقل والبيدر
وبين لقاء عباس وقادة حركة حماس في غزة، اللقاء الذي أشاع أجواء تفاؤل فلسطينية وعزز فرص التقدم إلى الأمام، وخطبة العقبة التي ظل زعماء الحركة الإسلامية ينتظرونها بشغف ولهفة، ما يشبه ما في حسابات الحقل والبيدر من تباين وخيبات أمل.
ففي غزة، حصل أبو مازن على شبه موافقة رسمية من حماس بقبول هدنة مع إسرائيل تتضمن وقفا شاملا لإطلاق النار، برا وبحرا وجوا في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة، وفق كلمات مسؤول في لجنة الحوار، مقابل إطلاق سراح المعتقلين ووقف الاغتيالات والانسحاب إلى مواقع تاريخ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000.
ظن رئيس الوزراء الجديد القديم على لعبة التناقضات الداخلية والإقليمية أنه ملاق حصادا، وتأهب لأخذ موافقة حماس معه إلى لقاء العقبة، لكن لاعبي الحركة الإسلامية الرئيسين، فضلوا الانتظار.
كانت الصفقة، استنادا إلى أعضاء في لجنة الحوار، تقضي بالتزام حماس بالهدنة أمام رئيس الوزراء على أن يتم توقيعها رسميا، بعد أن تنتهي أعمال القمة الثلاثية في العقبة، حيث الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون.
وأرادت حماس، التي توجب الهدنة عليها الخروج في ثوب جديد، ضمان الحصول على تصريح من الجمهور الفلسطيني يشفع لها تغيير الجلد والتوجه. ولذلك، أصرت على أن يأتيها أبو مازن بتعهد أمريكي إسرائيلي بتنفيذ مطالبها، لاسيما وقف الاغتيالات وإطلاق سراح المعتقلين.
لكن لهيب صحراء العقبة كان أقوى من رطوبة مياه البحر الأحمر، ولم تفلح قبضة سيد العالم في دفع المتخاصمين الإسرائيلي والفلسطيني إلى الخروج ببيان مشترك واحد بسبب الخلافات الأساسية على الجدولة الزمنية واللاجئين والمستوطنات والقدس.
كان الغموض البناء أو سحر البيان الأمريكي الحل الوسط لإنهاء الأزمة التي كادت تعصف بقمة العقبة. فكان الاقتراح على طريقة تسوية معاوية وعلي: يتلو كل بيانه حول الالتزامات تجاه عملية السلام دون الدخول في بنود المطالبات والحقوق.
اللعبة الخديعة
“عندما تحدث أبو مازن، صدق. ولما جاء دور شارون، حنث”. هكذا روى صخر حبش عن رئيس الوزراء حقيقة ما جرى قبل لحظة صعود المنصة وفوق رمال البحر الأحمر اللاهبة.
فلم يكن أبو مازن وحده من غُـرّر به، بل كانت حماس تعتقد ذلك أيضا. وعندما راحت تعابير الالتزام بمحاربة العنف والإرهاب ووقف الانتفاضة المسلحة تنساب على لسان محمود عباس دون أي ذكر للحقوق والمعاناة الفلسطينية، عندها أيقنت حماس أنها خُـدعت.
لكن ما يفيد به العارفون يفسر غير ذلك. يعتقد سمير المشهراوي عضو لجنة الحوار وأحد قادة حركة فتح في غزة، أن خطاب أبو مازن منح حماس فرصة للمناورة من جديد.
يقول المشهرواي، إن حماس تمر بظروف صعبة، ولم يكن التفاوض حول الهدنة قبل قمة العقبة سهلا عليها، ولا ظروفها المالية والإقليمية كذلك، وتناور الآن للحصول على مكاسب أفضل.
وتقول مصادر مقربة من الحركة، إن حماس تشترط الآن الحصول على الموافقة الخطية لكل من خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي، ومروان البرغوثي أمين سر حركة فتح، المعتقل في سجون إسرائيل ورمضان شلح، زعيم حركة الجهاد المقيم في سوريا، قبل الموافقة على أي مشروع هدنة جديد.
في غضون ذلك، تتحدث المصادر أن محمود عباس تمكّـن من الحصول على ضمان بعدم تعرض إسرائيل لأمين عام الجبهة الشعبية المعتقل في سجن فلسطيني تحت حراسة أمريكية وبريطانية، مقابل الحصول على هدنة لمدة عام من الجبهة الشعبية.
خيوط الهدنة المرتقبة متشابكة ومتداخلة، رقيقة وهشة، تؤثر فيها أدنى التداعيات، وهكذا كانت بيعة العقبة.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.