ما بين المقاطعة .. واللامبالاة
يبدو أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، قد أمسك بخيوط نجاح الانتخابات البلدية المنتظر إجراؤها في العاشر من الشهر الجاري
وواضح أيضا أن خيط بلاد القبائل، قد أفلت من يد الرئيس الجزائري، وقد يُؤدي هذا الخيط المنفلت، إلى إفساد حسابات الرئاسة الجزائرية، التي تعرف أن أعداءها أكثر من أصدقائها.
أخشى ما يخشاه الرئيس الجزائري، هو أن يُقاطع سكان منطقة القبائل البلديات المقبلة، كما قاطعوا البرلمانية الماضية، قبل خمسة أشهر، حين لم تتجاوز نسبة التصويت القبائلي، الاثنين في المائة.
وجهة النظر هذه مُقتنع بها تمام الاقتناع، حسين آيت أحمد، زعيم أكبر وأقدم حزب سياسي في بلاد القبائل، وهو جبهة القوى الاشتراكية. وهذا الاقتناع من جانب آيت أحمد، نتج عنه تحالف بين الرئاسة وحزب عُـرف بمعارضته لكل ما هو سلطة مركزية لا تتفق مع توجهاته الاقتصادية والسياسية والثقافية.
إلا أن هذا التحالف، قوى شكوك من اتهموا الرئيس الجزائري، بأنه “إسلامي يتستر بالعلمانية”، ويتحدث بالفرنسية في المحافل الدولية، حتى يموّه على خصومه، لأن التحالف مع آيت أحمد، معناه – حسب نفس الجهات – التعاون مع من يُصرّ بأن المذابح ضد المدنيين ليست من فعل الجماعات المسلحة وحدها! وقد يكون هذا اتهاما خطيرا في حق بوتفليقة وآيت أحمد.
خطير، لأن المعارضين للانتخابات البلدية في بلاد القبائل، لا يريدون العيش مع الإسلاميين، ولو قرر الإسلاميون المكوث في بيوتهم. فقد اثبت تنظيم ما يُعرف بـ”القبائل العروشية”، وهم زعماء القرى والمدن القبائلية، أنهم يتفقون مع ما يُعرف بالتيار الاستئصالي المعارض لأي تعايش مع الإسلاميين.
بيد أن جهاز الدولة ومؤسساتها، تعمل على حسب النغمة التي يريدها الرئيس، وتنص التوجيهات هذه المرة على دعم آيت أحمد بكل الوسائل، لأن الرجل – ولو سـبّ الجيش مرارا وتكرارا – فإن وطنيته تمنعه من عزل القبائل عن باقي البلاد، أو المساهمة في إشعال فتيل حرب أهلية.
حزب الرئيس في الصدارة
في نفس الوقت، تشهد باقي مناطق البلاد حملة انتخابية بكل معنى الكلمة، يتنافس فيها أربعة عشر حزبا سياسيا، وأكثر من خمسين قائمة للأحرار، يريد حزب الرئيس، وهو جبهة التحرير الوطني، أن يربح فيها الأغلبية الساحقة من البلديات.
ولتحقيق ذلك، أصبحت كل الوسائل مستعملة بدءا بالخطابات السياسية والتجمعات الحزبية، كما هو معروف في الحملات الانتخابية حول العالم، ووصولا إلى التعبئة القبلية، والعائلية والعشائرية، التي يتم اللجوء إليها في المناطق الداخلية من البلاد.
ومثل أساليب جبهة التحرير الوطني، تلجأ إليها كل التنظيمات السياسية من دون استثناء، وتشير الإحصاءات المتوفرة، إلى أن حزب الرئيس سيكون الفائز الأول، في حين سيتقاسم المركز الثاني والثالث، التجمع الوطني الديموقراطي الذي يتزعمه الوزير أحمد أويحيى وحركة الإصلاح الإسلامية، التي يتزعمها الشيخ عبد الله جاب الله.
“السوناطراك”؟؟؟
يبقى أن الوعود الانتخابية التي يُلجأ إليها، بعضها مجرد وعود لا غير، في الوقت الذي توجد فيها وعود، قد تقض مضجع الرئيس الجزائري، لأنه يريد المضي فيها قدما من دون استشارة أحد على ما يبدو.
فزعيمة حزب العمال لويزة حنون، لم تتوقف عن التهديد باللجوء إلى الشارع، في حالة خوصصة سوناطراك، شركة البترول والغاز الجزائرية، كشكل من أشكال الرضوخ لشروط البنك الدولي والمؤسسات المالية العالمية.
ومعروف أن الحديث عن خوصصة شركة البترول والغاز، لا علاقة لها، من الناحية العملية، بهموم البلديات وبطالة الشباب وخراب البيئة والعمران ونقص المياه وبقية القائمة الطويلة.
إلا أن الجو السياسي مشحون بدرجة هائلة، ومعقد جدا، لدرجة أن نقابة العمال الجزائرية هددت الرئيس في حالة خوصصة سوناطرك، واتهمته بأنه متحالف مع الإسلاميين، وهي وجهة نظر لا يمكن الجزم معها، بأن زعيمة حزب العمال لويزة حنون، ستتحالف مع نقابة العمال، لأن موقف حنون مؤيد للحوار المطلق مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة.
جبهة التحرير .. والبيروقراطية
زد على هذا، العلاقة المتوترة، بين وزارة الداخلية والعديد من مرشحي رئاسة البلديات، الذين لا يفهمون أوامر الإدارة و توجيهاتها، إلا وفق ما يخدم العائلة والعشيرة لا البلدية ككل، مما ينجم عنه غضب بقية المواطنين، وتُضطر وزارة الداخلية، عبر عصى الشرطة والغاز المسيل للدموع، إلى تهدئة الوضع، فتتحول إلى “المجرم” و”المتسبب في سرقة الأموال العمومية”.
قد يكون هذا من الأسباب التي تدفع قوى الضغط البيروقراطية، إلى عمل المستحيل حتى تفوز جبهة التحرير الوطني، “كي تُـفهم الأوامر بالشكل الصحيح”، في الوقت الذي يريد فيه المواطنون واقعا مريحا، من دون “أطول لائحة منغصات” يمكن للإنسان أن يتصورها.
الغريب أن معلومات حصلت عليها سويس إنفو، أكدت أن حزب جبهة التحرير الوطني، عبر مرشحيه في بلديات غرب العاصمة، قد وافق في حالة نجاح حزبه، على نقل أكبر مزبلة عمومية في الجزائر، من طريق المطار، حتى لا يراها الدبلوماسيون، إلى منطقة داخلية تقع وراء تلال العاصمة، البيئة فيها اكثر توازنا، مما قد يُفجر الوضع بعد الانتخابات بوقت قصير.
“الـثـقـة” المفقودة..
وقد لا يجد الإنسان تفسيرا لكيفية بناء وإنجاز المشاريع التي تهم المواطنين. فقد بُنيت في الفترة الأخيرة سدود ومستشفيات ومساكن اجتماعية وكذلك محطات كهرباء، فرح لها الجزائريون وحلت مشاكل كثيرة، في حين لم يُصرف مال كثير من الخزينة العمومية.
وتبين أن صندوق التنمية السعودي، يقف وراء أكثرها، بالإضافة إلى صناديق تنمية كويتية و إماراتية؛ وضع مفرح حقا، لأنه يكشف عن تعاون أخوي جميل، لكنه يُظهر في الوقت نفسه، مدى ضعف ثقة الرئيس الجزائري في المسؤولين المحليين و”غيرهم” رغم وجود مبالغ مالية لا بأس بها في الخزينة العمومية.
ولربما حان الوقت لإصلاح أسباب فقدان الثقة، وقد يكون الحل الأنسب اختيار الرجال على قاعدة الكفاءة والأمانة، لا على قاعدة الولاء المطلق، ولو كان الموالي مصمت الحس لا يكاد يعقل معروفا…
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.