“ما حقيقة الخلية النائمة؟”
ستكون المحاكمة، التي من المقرر ان يمثل فيها افراد خلية القاعدة الذين اعتقلوا في المغرب، امتحانا حرجا لكل اطرافها، بالنسبة للمتهمين وما كانوا يخططون له، وللنيابة العامة المغربية والاتهامات التي وجهتها للمتهمين وللقضاء المغربي وقدرته على ان يكون عادلا للفصل بين ما هو السياسي وما هو قانوني.
الى ان تعقد الجلسة العلنية الاولى من المحاكمة المرتقبة، تبقى المعلومات المقدمة من السلطات المعنية، وزارة الداخلية والنيابة العامة المغربية، محل تشكيك وطعن، ليس فقط لان المعترضين ارادوا الطعن والتشكيك، بل ايضا لان صحيفة الاتهام وما قدم من معلومات حمل الكثير من التناقض ومن اللا معقول في زمن لم تعد فيه الشفافية والمعلومة الدقيقة حكرا على قائلها.
كان الخبر الاول قد ورد في صحيفة محلية في الدار البيضاء عن تفكيك خلية لتنظيم القاعدة الذي يتزعمه المعارض السعودي اسامة بن لادن والذي تحول الى رمز للارهاب والعدو الاول للعالم الامريكي. لكن لا احد اولى الخبر اهتماما، فحوله، من يريد انتشاره، الى مجلة الاكسبرس الفرنسية التي بثته على الانترنت قبل نشره، ثم اعطيت اشارات لوكالات الانباء فتحول الخبر الى قنبلة: “فككت الاجهزة الامنية المغربية خلية نائمة للقاعدة كانت تخطط لهجمات مسلحة على اهداف بحرية امريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق”.
كان الخبر يتداول مع اخبار اخرى، عن القبض على ارهابي يفكر في تفجير قنبلة اشعاعية في الولايات المتحدة وآخر يعتبر الرجل الثاني في القيادات الميدانية للقاعدة واخبارا أخرى عن المخطط الرئيسي لهجمات 11 سبتمبر.
ومن الخبر تناسلت الاخبار. قالت وزارة الداخلية المغربية رسميا، ان الخلية تنتمي الى تنظيم القاعدة وتتكون من ثلاثة سعوديين هم زهير الثابتي وجاب الله العسيري وعبدالله الغامدي، وانهم حددوا اهدافا في المغرب وفي سبتة ومليلية ومضيق جبل طارق لنسفها. وفيما بعد قال النائب العام لمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء ان افراد الخلية النائمة الذين تركت لهم قيادتهم في افغانستان حرية اختيار الاهداف وتنفيذها عدلوا عن عمليات جبل طارق وقرروا تفجيرات في ساحة “جامع الفنا” بمراكش وحافلات لنقل الركاب.
مع المعتقلين السعوديين الثلاثة، حبست السلطات مواطنا مغربيا اتهم بتسهيل مهمتم وثلاث نساء اثنتان منهن متزوجتان بإثنين من المتهمين السعوديين بعقود زواج سليمة لكن غير مسجلة بوزارة العدل، ثم اضيف لهم مغاربة آخرون من بينهم شرطي حدود ختم جواز سفر مزورا لزوجة الثابتي).
الابعاد السياسية؟؟؟
وقد راجت تقارير اوروبية وامريكية عديدة حول الاعتقالات، منها ان افراد الخلية كانوا يخططون لهجمات مسلحة على القمة الاوروبية التي عقدت في اشبيلية الاسبوع الماضي وايضا تخطيطهم لخطف واغتيال أمراء ورجال اعمال سعوديين يقضون اجازة الصيف في الجنوب الاسباني.
السيناريو الذي قدمت به الرواية كان محبوكا بإرباك، جعل تصديقها صعبا ونسف مقوماته سهلا. الصحف والمحللون لم يخفوا شكوكهم وطعنهم في الرواية من اصلها. وما عمق الشكوك، ما بدأ محامو المتهمين يدلون به من تصريحات اكدها السفير السعودي بالرباط الذي زارهم يوم الاحد الماضي وقضى معهم ساعتين وكلف محام بالدفاع عنهم.
السعوديون الثلاثة والمقربون من عائلات المعتقلين المغاربة ينفون نفيا قاطعا أي تفكير او تخطيط لهجمات مسلحة داخل المغرب او خارجه. والسفير السعودي قال ان مواطنيه لم ينفوا علاقة سابقة لهم مع تنظيم القاعدة لكنها علاقة انتهت واقامتهم بالمغرب هي بغرض الاستقرار العائلي.
قبل تداول هذه الاخبار وانتشارها، كانت الادارة الامريكية تتعرض لحساب عسير من الكونغرس والى نقد قاسي لإهمالها معلومات واشارات عن وقوع هجمات مرتقبة قبل 11 سبتمبر وعالجتها الادارة بسرعة تصريحات متدفقة عن تهديدات جدية لازالت الولايات المتحدة معرضة لها.
في هذا الاطار، وضعت انباء تفكيك خلية القاعدة دوليا ومغربيا في اطار سعي المغرب الرسمي الى علاقات امنية اكثر فعالية مع الاجهزة الامريكية وتعاون سياسي يستبق اجتماعات مجلس الامن الدولي في يوليو القادم، لاتخاذ قرار حول نزاع الصحراء الغربية كانت الادارة الامريكية في الشهور الماضية ابدت حماسا لتقديم مقترح يقترب من الرؤية المغربية لكنها اجّلته.
وداخليا، يندرج تفكيك خلية القاعدة في اطار التنافس بين الاجهزة الامنية المغربية، بعد بداية بلورة الهيكلة الامنية والدورالذي يريده لها مغرب ما بعد الحسن الثاني، وايضا في اطار الإنتخابات التشريعية القريبة التي يتفق الفاعلون السياسيون على نزاهتها وشفافيتها. وفي ظل هذه الشفافية والنزاهة قد يكون المارد الاصولي مهيمنا على نتائجها، ولا بد من استباق الانتخابات بإعادته الى قمقمه بالتلويح له بأوصاف تنطبق عليه ويستتبع حمل الاوصاف اجراءات، مهما كانت مخالفتها للقانون ولحقوق الانسان والديمقراطية، فإنها تلقى تأييدا ورضا دوليين.
رسميا ولحد الان، لم يصدر ما يشير لعلاقات تيارات اصولية مغربية بخلية القاعدة التي كانت نائمة بالمغرب، والصحف حسب موقفها من هذه التيارات، تلوح بأخبار وتقدم تحليلات، دون تأكيد او نفي رسمي، وكل الرواية والسيناريو الذي قدمت به سيكون على محك المحاكمة المفتوحة وسيغض النظر عن الخروقات التي رافقت عملية الاعتقال.
يراهن الجميع على ان المحاكمة ستحمل مؤشرات المغرب الجديد، وان كان ملف القضية لا يتعلق مباشرة بالوضع الداخلي المغربي. فإما ان يأخذ القضاء مكانته او تترك للاجهزة حرية صياغة مغرب تريده ويناسب رؤيتها دون الاخذ بعين الاعتبار ما عرفه العالم من تغييرات وما عرفه المغرب من تطورات خلال السنوات الماضية، أي مغرب ذاهب بإتجاه دولة الحق والقانون والمؤسسات التي تكون الانتخابات امتحانه الحقيقي.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.