ما هي تداعيات تفجير مراكش ومَـن يقف وراءه؟
تحدّى شابان فرنسيان، التفجير الإرهابي الذي استهدف مدينة مراكش يوم 28 أبريل الماضي وأقاما يوم السبت 7 مايو حفل زفافهما بالقُـرب من مقهى أركانة في ساحة جامع "الفنا" التي استهدفها التفجير..
في الوقت نفسه، كانت الساحة تُـودِّع وتستقبِـل آلاف المغاربة الذين حجّـوا إليها يومي السبت والأحد الماضيين، للتعبير عن تضامُـنهم مع ضحايا التفجير وإصرارهم على إعادة الروح إلى الساحة الشهيرة وإلى المدينة، التي باتت قِـبلة للسيّـاح الأوروبيين.
وكانت الأيام التي تلَـت التفجير عرفت تحرّكات مغربية مُـكثَّـفة على كافة المستويات وفي مختلف الميادين المعنية بهذا التفجير الإرهابي وتداعياته، إن كانت الاقتصادية (السياحة) أو الأمنية أو السياسية، خاصة وأن البلاد تشهَـد حِـراكا منذ انطلاقة الإحتجاجات الشبابية أو ما يُـعرف بشباب 20 فبراير وما تلاها من خطابٍ ملكي قدم مشروعا للإصلاحات الدستورية ولقِـي ترحيبا واسعا وأدخل الفاعلين السياسيين والحقوقيين بالمغرب في خِـضَـم نِـقاشٍ واسع حول هذه الإصلاحات.
العودة إلى الحياة.. ولكن
التفجير الإرهابي الناتج عن عُـبوات ناسفة وُضِـعت في المقهى، ذهب ضحيته 17 قتيلا بينهم فرنسيين وسويسريين ومغاربة وهولنديين، بالإضافة إلى 23 جريحا، بعضهم جِـراحُـه خطيرة. هذا التفجير، هو الأخطر الذي تعرفه البلاد منذ تفجيرات 16 مايو 2003، التي استهدفت مدينة الدار البيضاء وذهب ضحيتها 45 قتيلا وعشرات الجَـرحى.
ويقول محمد ظريف، الباحث المغربي المختص بالجماعات الأصولية، الذي تحدّثت إليه swissinfo.ch وهو وسط ضجيج المواطنين في ساحة جامع “الفنا”: إن الحياة العادية بدأت تعود إلى الساحة وأن وتِـيرة الاكتظاظ، الذي تشتهر به، ترتفع وتعود إلى طبيعتها، إلا أن أشغال “الرياضات” (جمع “رياض” أي المنازل الفاخرة التي اشتراها أو يستأجرها الأوروبيون، وخاصة الفرنسيين)، سجَّـلت انخفاضا، والمواطنون المغاربة يعبِّـرون عن استياء كبير من الانعكاسات السلبية للتفجير على الساحة، خاصة وأنه جاء في بداية الموسم السياحي.
وإذا كانت هجمات 16 مايو انتحارية شارك فيها 14 انتحاريا، فإن تفجير مراكش جاء، حسب وزارة الداخلية المغربية، على يَـد شخص واحد، دون أن تكون له ارتباطات تنظيمية، فكَّـر وخطَّـط وأعدّ ونفَّـذ العملية عن طريق التفجير عن بُـعد وتمكنت السلطات من إلقاء القبض عليه بعد أسبوع واحد من العملية.
ويقول الطيب الشرقاوي، وزير الداخلية المغربي، “إن عادل العثماني، المشتَـبه الرئيسي في تنفيذ التفجير، مواطن مغربي متشبّـع بالفِـكر الجهادي ويُـبدي ولاءه إلى تنظيم القاعدة. سبق وأن قام بعدّة محاولات، قصْـد الإلتحاق ببعض بُـؤر التوتّـر من أجل الجهاد بها، خاصة بالشيشان والعراق. غيْـر أنه لم يتمكّـن من تحقيق مُـبتغاه، حيث تمّ توقيفه في مناسبتيْـن: الأولى، في البرتغال سنة 2004. والثانية، في سورية سنة 2007، قبل أن يتم ترحيله إلى المغرب. وعمل منذ 6 أشهر على اقتناء موادّ مختلِـفة تدخُـل في تركيبة المتفجِّـرات، أودعها بمنزل عائلته بمدينة آسفي وتمكّـن من صُـنع عُـبوتيْـن ناسفتين من 6 و9 كيلوغرامات، إضافة إلى قيامه بإحداث تغييرات في هاتف نقّـال، بهدَف التحكُّـم في تفجير العبوتيْـن، ثم توجّـه إلى مقهى أركانة، حيث أخذ مكانه كأيّ زبون، قبل أن يغادِره تاركا وراءه الحقيبة التي تحتوي على العُـبوتيْـن، وبعد ابتعاده عن المقهى، قام بتفجيرهما بواسطة الهاتف النقال”.
منفِّـذ العملية وراء القضبان
إن إلقاء القبْـض على عادل العثماني، يُسجل إيجابا للمخابرات المغربية، وكذلك تدبير الدولة لتداعيات الانفِـجار، مما أنقذ البلاد من استنساخ تجربة تدبير تفجيرات 16 مايو 2003 وشنّ حملة واسعة من الإعتقالات، وصلت إلى أكثر من 6 آلاف تمّ التحقيق معهم، قُـدِّم منهم للمحاكمة أكثر من 3 آلاف متَّـهم، فيما حُـكِـم على حوالي ألف بالإدانة، مع ما رافق عمليات التحقيق من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من اعتقالات خارج القانون إلى التعذيب والأحكام القاسية.
العاهل المغربي الملك محمد السادس شدّد منذ اللحظة الأولى على “إخْـبار الرأي العام بنتائج البحث، الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، بكل شفافية وفي إطار القانون”، ولم تسجل الأجهزة الأمنية خلال الأسبوع الذي تلا التفجيرات وقبل الإعلان عن اعتقال العثماني، أي اعتقال لأي مشتبه به، رغم إجراء الأجهزة البحث مع العديدين، بالتعاوُن مع محقِّـقين فرنسيين وإسبان وأمريكيين.
“الديمقراطية لن تترك أي عمل إرهابي دون عقاب”
ويقول محمد ظريف، الباحث المغربي المختص لـ swissinfo.ch: “عندما يحدُث عمل إرهابي كالذي حدث في مراكش، دون أن تكون هناك مُـعطيات متوفِّـرة أو إعلان جهة ما عن مسؤوليتها، فإن البحث عن الفاعلين يستغرِق وقْـتا طويلا، وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بأنه سيلاحق الإرهابيين الذين نفَّـذوا التفجير وأن “الإرهابيين يُـدركون من الآن فصاعدا، أنهم لن يجِـدوا الملاذ في أي مكان أبدا، وسيتِـم البحث عنهم ومتابعتهم وتعقّـب أثرهم ومطاردتهم، وسيدفعون الثمن غاليا عن جرائمهم. يجب أن يُـدرك كل واحد منهم هذا الأمر، الديمقراطية لن تترك أي عمل إرهابي دون عقاب”.
الإتهامات فوْر الإعلان عن التفجير، وُجِّـهت إلى تنظيم القاعدة، بداية بشكل غير مباشر، حين أعلن وزير الداخلية المغربي في اليوم التالي للتفجير عن أن العملية تُـشبه تلك التي ينفِّـذها تنظيم القاعدة. ويعتقد ظريف أن توجيه الإتهام للقاعدة في البادية، لم يكن دقيقا، لأنه “يرتكِـز على الأسلوب المُـستعمَـل، وهذا غير كافٍ. فالتفجير بعُـبوة ناسفة، لا يفيد بالضرورة أن القاعدة وراء العمل، إذ يكون “التنظيم” هو الذي نفذها، وقد تكون جهات أخرى.
فرضيات
ويشير الباحث المغربي إلى أربع فرَضِـيات تمّ تداولها قبل إعلان القبض على عادل العثماني، وهي أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وراء الحادث، كاستهداف للمصالح الفرنسية، على اعتبار أن مراكش مدينة يقطُـنها عدد من الفرنسيين، بل تكاد تكون مدينة فرنسية، نظرا لنسبة السياح أو المقيمين، أو أن يكون وراء التفجير بقايا خلية “أمغالا”، وهي خلية تسعى إلى إنشاء ذِراع لـ “القاعدة” في المغرب، وربما أن بقايا الخلِـية لم تخضع للمراقبة، فقامت بهذه العملية.
وذهبت فرضيات إلى أن جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، هي التي قامت بالتفجير، استهدافا لاستقرار المغرب ومشروعه للحُـكم الذاتي كحلّ للنزاع الصحراوي. أما العناصر الإنفصالية، فهي تريد أن تُـظهر للعالم أن المغرب عاجِـز عن ضمان استقراره الداخلي.
وطُـرحت فرضية أن تكون جهات داخلية غيْـر راضية على الإصلاحات التي يقوم بها المغرب، وأنها كانت تُـعوِّل على صِـدام بين المؤسسة الملَـكية والشارع من خلال حركة 20 فبراير، على أمل أن تلجأ الدولة إلى مقاربة أمنية بعد التفجير الإرهابي لإلغاء الاستثناء المغربي بالإصلاحات المتفاهَـم عليها والدّفع نحو النموذج التونسي والمصري أو النموذج الليبي والسوري، في التعاطي مع المطالب الشعبية والشبابية.
وإذا كانت التصريحات الرسمية حول اعتقال مدبِّـري الهجمة الإرهابية على مقهى أركانة قد بدّدت هذه الفرضيات من جهة وأكدت على عدم توقّـف مسار الإصلاحات الدستورية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية واحترامها لحقوق الإنسان، “لأن الإمتحان يكون في الأزمات، وليس في مرحلة الإستقرار”، فإنها أيضا فتحت بابا لتحليل باتِّـجاهٍ آخر “بعد تأكيدها على أن التفجير عمَـل فردي/محلّي، قام به شخص واحد، لا أبا سياسيا له، وإن كان تنظيم القاعدة هو الأب الروحي للعثماني، الذي يؤمن بأفكار التنظيم وحاول أكثر من مرّة الإلتحاق بصفوفه”.
ظاهرة الإرهاب الفردي
وعن مخاطر ظاهرة الإرهاب الفردي، يقول ظريف إنها ظهرت في المغرب منذ 2005، حين ألقت السلطات الأمنية في مدينة المحمدية على ستة أشخاص كانوا يعدّون لتفجيرات إرهابية، بعد إجراء تجارب على عُـبوات تتفجّـر عن بُـعد، وحُـكِـم عليهم بالسجن 5 سنوات وأطلق سراحهم نهاية العام الماضي.
ويوضِّـح السيد ظريف، المختص المغربي بشؤون الجماعات الأصولية، الذي تحدث لـ swissinfo.ch: “إن ظاهرة الجهاد الفردي على شكل ما جَـرى في مراكش، بدأت في مكناس عام 2008، حين هاجَـم مهندس مغربي بأنبوبة غاز، سياحا أجانب، وأكّـدت التحقيقات أن هذا المهندس لم تكن له أية علاقات تنظيمية أو انتماءات سياسية، وأن ما قام به كان محاولة منه للتعبير عن موقِـفه وغضبه الإنساني من الأوضاع السياسية القائمة”.
ويعتبر محمد ظريف أن ظاهرة الجهاد/الإرهاب الفردي/المحلّي، التي نجحت في مراكش، تشكّـل تحديا جديدا للأجهزة الأمنية وللدولة ومعالجة مختلفة عن تلك التي تمّ معها تدبير ملف الجماعات الأصولية المتشدّدة خلال السنوات الماضية.
مراكش (المغرب) (رويترز) – شارك آلاف المحتجين في مسيرة بالمغرب يوم الأحد 8 مايو 2011 للمطالبة بالإصلاح والتنديد بعُـنف المتشدِّدين، بعد تفجير في مقهى.
وكانت المسيرة في مراكش، أحدث حلقة في سلسلة مظاهرات تنظِّـمها “حركة شباب 20 فبراير” وتمثل تحديا لحكومة الملك محمد السادس، التي تخشى أن يتَّـسع نطاق الإحتجاجات، إلى مستوى انتفاضة مصر.
وبدأت المسيرة عند باب دكالة ومرّت أمام المقهى، الذي قتل فيه 17 شخصا، بينهم ثمانية فرنسيين، في تفجير يوم 28 أبريل. وألقت السلطات الأسبوع الماضي القبْـض على ثلاثة أشخاص تشتبه بهم، وقالت إن قائدهم يدين بالولاء للقاعدة.
وقال تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وهو جناح القاعدة في شمال إفريقيا يوم السبت، إنه غير مسؤول عن التفجير الذي أثار التوتّـر في المغرب لأسباب، من بينها أنه أول هجوم من نوعه منذ عام 2003.
وقدر مسؤول حكومي عدد المتظاهرين بحوالي 3000 شخص، لكن تقارير مستقلة قدّرت العدد بحوالي 8000 شخص.
وقال زكريا المداوي (18 عاما)، الذي كان يسحب دراجته خلال اشتراكه في المسيرة: “اشتركت في كل مظاهرة وهذه أكبرها حتى الآن”.
ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بالحرية والأمن وتُـعارِض الإرهاب والترهيب. وعبَّـرت لافتات أخرى عن معارضة الفساد.
وقال عبد العلي حمرا (44 عاما)، الذي يعمل في تصليح السيارات وهو يشاهد المسيرة “هذا النوع من الاحتجاجات يجب أن يحدث كل يوم، حتى تسير بلادنا قُـدما نحو محاربة الفساد”. وأضاف حمرا لرويترز “نحن نُـعاني من نقص فُـرص العمل والوظائف وينبغي أيضا أن تعامِـلنا الشرطة بمساواة”.
وهتفت مجموعة صغيرة وسط المظاهرة الرئيسية، تضم ما بين 25 و40 شخصا، كثير منهم ملثّـمون، مطالبة بسقوط الحكومة والمَـلَـكية. وقال متظاهر لرويترز، رافضا ذكر اسمه، “نريد إسقاط هذا النظام بكل مؤسساته. نحن نحتاج إلى جمعية تأسيسية تمهِّـد الطريق إلى انتخابات حقيقية ونظام يستمد شرعيته من الشعب”.
وكان وجود أفراد الأمن بالزي الرسمي في المسيرة محدودا، وانتظرت مركبات قوات الأمن في الشوارع الجانبية القريبة، لكن شاهد عيان من رويترز قال إن ضباط أمن بملابس مدنية شُـوهدوا يُـدوِّنون تفاصيل عن المسيرة ويتكلَّـمون في هواتف محمولة.
وقال شهود عيان إن قوات الأمن منَـعت عشرات الأشخاص من الاعتصام أمام مبنى محكمة للمطالبة بالإفراج عن محتجين محتجزين منذ المسيرة الأصلية يوم 20 فبراير. ويقول مسؤولون إن سماح السلطات بمثل هذه المظاهرات يشهد على أن المغرب من بين أكثر المجتمعات العربية تسامُـحا.
وكانت احتجاجات تونس اكتسبت قوة دافعة حاسمة مع تأييد الاتحاد العام للشغل لها، لكن نقابات العمال في المغرب لم تشارك في مسيرة يوم الأحد. ويتوقع تنظيم مسيرة أخرى في الدار البيضاء في وقت لاحق.
وأعلنت الحكومة المغربية في أبريل أنها ستزيد أجور العاملين في القطاع العام وترفع الحد الأدنى للأجور، في أحدث حلقة ضِـمن سلسلة من المِـنح التي تهدف إلى الحيلولة دون وصول موجة الانتفاضات الشعبية في العالم العربي إلى المملكة.
كما عيّـنت لجنة لتعديل الدستور من أجل تنازُل الملك عن مزيد من الصلاحيات ووعدت بتحقيق الاستقلال للقضاء وأطلقت سراح بعض السجناء السياسيين.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 مايو 2011).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.