“مبادرة جنيف” أو السلام الممكن!
شهدت جنيف إطلاق " مبادرة جنيف" للسلام في الشرق الأوسط في ظل إجماع المتدخلين على اعتبارهاالفرصة الأخيرة للخروج من دوامة العنف والسبيل الأمثل لإحلال سلام عادل ودائم.
لكن الطريق أمام تحويلها إلى اتفاق رسمي “ما زال طويلا وشاقا” حسب تعبير وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – راي.
“يوجد مخطط سلام” .. “يوجد شريك للسلام”: عبارتان كتبتا بخط أبيض عريض على خلفية سوداء، توسطتهما شجرة زيتون كديكور وحيد لتزيين المنصة التي انطلقت منها “مبادرة جنيف” يوم الاثنين بحضور أكثر من 800 مدعو من بينهم 200 فلسطيني و200 إسرائيلي يمثلون مختلف فئات المجتمع.
الحفل الذي استغرق أكثر من ساعتين وسهر على تنشيطه الممثل الأمريكي ريشار درايفوس، أريد به أن يكون في مستوى الحدث، عاكسا لواقع المعاناة الحالية، ومعبرا عن الآمال في رؤية غد أفضل.
وهو ما تم بالفعل بحيث تم استعراض شهادة العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين ليس فقط السياسيين والشخصيات البارزة بل أيضا رجل الشارع العادي، مثل ذلك العجوز الإسرائيلي الذي عدد الحروب المتتالية التي عاشها في المنطقة قبل أن يردف “بأنه في سن متقدم لربما قد لا يسمح له برؤية ثمار ما يتم اليوم”، أو ذلك الشاب الفلسطيني الذي عبر عن الأمل في أن تعمل مبادرة جنيف وما يليها “على تغيير الواقع المعاش، وأن يتعود على الخروج للشارع بدون الخوف من الاعتقال”.
ولكن حفل إطلاق مبادرة جنيف، كان أيضا فرصة للتعبير عن قدرة الطرفيين على تجاوز أحقاد الماضي والعمل معا من أجل غد أفضل. وقد تجسد ذلك من خلال تعاقب فرق موسيقية إسرائيلية وفلسطينية بعضها أدى مقطوعات مشتركة عبرية وعربية وشهادات لمواطنين فلسطينيين وإسرائيليين.
وما من شك في أن اقوى رسالة في هذا الإطار كانت شهادة جنرالين، الإسرائيلي أمنون شاحاك والفلسطيني زهير المناصرة. فالأول كان السبب في توقيع أمر طرد الثاني لما كان قائدا لهيئة الأركان. لكن كما قال زهير المناصرة ” إذا كان الاحتلال قد جعل منا أعداء، فإن مبادرة جنيف تجعل منا رفقاء يشاطرون الأمل في رؤية مستقبل افضل لأبنائنا”.
“شعاع نـور”
وإذا كانت المشاهد الرمزية للمصالحة قد أضفت على حفل إطلاق مبادرة جنيف جوا مهيبا، فقد عبرت الكلمات القوية التي أدلت بها الشخصيات العالمية المشاركة عن وعي حاد بخطورة الوضع، وتركزت على التحذير من مخاطر تضييع هذه الفرصة مرة أخرى.
من جهته، اختار منشط الحفل الممثل الأمريكي ريتشارد درايفوس اقتباس مقولة القائد العسكري الفرنسي جورج كليمنصو الشهيرة “الحرب قضية اكثر خطورة لكي تترك بين أيدي الجنرالات وحدهم” وأردفها بالقول: “إن السلام قضية أكثر تعقيدا لكي تترك بين أيدي الحكومات وحدها”، في إشارة إلى أهمية وجدوى المبادرات الفردية ومبادرات المجتمع المدني.
أما وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي التي لقبها البعض بـ”متبنية مبادرة جنيف” نظرا للدور الذي لعبته في انجاح المبادرة وكسب الدعم الدولي لها، والتي استقبلت بتصفيق حار أثناء صعودها للمنصة، فقد وصفت مبادرة جنيف ” بأنها شعاع نور في ظلمة حالكة”. كما شكرت الشخصيات التي كانت وراء المبادرة قائلة: “لقد أعدتم الأمل للعالم”. ولكنها ذكرت أيضا بأن الطريق “لا يزال طويل وشاقا”.
وفيما اقتصرت الرسائل العديدة لقادة الدول التي تلاها مبعوثون في حفل إطلاق مبادرة جنيف، من امثال طوني بلير وجاك شيراك والعاهل المغربي والرئيس المصري على التعبير عن دعم متحفظ للمبادرة، لقيت الرسالة التي وجهها الرئيس الفلسطيني إلى المجتمعين استحسان مستشار وزيرة الخارجية السويسرية اورس زيسفيلر الذي قال لسويس إنفو إنه “لم يكن يتوقع أن تناصر إحدى الحكومات المعنية علانية هذه المبادرة”.
أخيرا حظي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر باستقبال حافل عبر عن الإحترام الواسع الذي يحظى به دوليا للدور المحوري الذي لعبه في التوصل إلى إبرام اتفاقية كامب دافيد بين مصر وإسرائيل وعكس تقديرا لموقفه الصريح المساند لمبادرة جنيف التي قال عنها: “من المحتمل ألا نجد قاعدة تساعد على إحلال السلام افضل من مبادرة جنيف” بل ذهب إلى حد التأكيد بأن “البديل الوحيد عن هذه المبادرة هو استمرار العنف”.
“حل مبسط لمشكلة معقدة”
وكما كان متوقعا اختتم حفل إطلاق ” مبادرة جنيف” بتدخل الشخصيتين الرئيسيتين في إعداد هذا الحل المفصل لمشكلة الشرق الأوسط الإسرائيلي يوسي بيلين والفلسطيني ياسر عبد ربه اللذان ذكرا بالمعاناة الماضية لشعبيهما وحرصا على ترك انطباع المصالحة والعمل معا من أجل إنجاح مبادرة قال عنها يوسي بيلين “إنها قد تشكل آخر مظاهر تحيكم العقل والمنطق في المنطقة”، وهو ما أكده الفلسطيني ياسر عبد ربه عندما أوضح بأنها “تشكل حلا مبسطا لمشكلة معقدة، وهو الحل الممكن الوحيد” حسب رأيه.
ولكن هذا “الحل المبسط” يتطلب شرحا وافيا ومجهود إقناع كبير داخل الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني لتجاوز مظاهر المعارضة التي عبرت عنها عدة جهات إسرائيلية وفلسطينية. كما يتطلب جرأة لتوضيح النقاط الأكثر غموضا في مبادرة جنيف وبالأخص البند السابع الخاص بشروط عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهي النقطة التي أثارت الكثير من التساؤلات في الندوة الصحفية التي عقبت مراسيم إطلاق مبادرة جنيف.
كما يتطلب نجاح هذه المبادرة كسب الدعم الفعلي والعلني لها من قبل الحكومات المؤثرة والأوساط المتنفذة في الجاليات اليهودية في العالم وهو ما سيقوم به الوفد المشترك ابتداء من الأيام القليلة القادمة في اتجاه واشنطن وعدة عواصم مهمة، إضافة إلى مواصلة عملية الإقناع في اتجاه الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.