“مبادرة جنيف” في الميزان الفلسطيني
تصاعدت حدة المعارضة الفلسطينية لمبادرة جنيف في الوقت الذي تهيأت فيه مدينة جنيف الدولية يوم الاثنين لاحتضان حفل التوقيع على الاتفاق.
عشرات الفلسطينيين في رفح حاولوا منع الوفد الفلسطيني من السفر إلى جنيف، ومسؤولون في حركة فتح تراجعوا يوم الأحد عن قرارهم المشاركة في الحفل.
لا يبدو حماس الفلسطينيين كبيرا إزاء وثيقة جنيف غير الرسمية الخاصة بتسوية سياسية مع الإسرائيليين، بل إن النشاطات المعارضة للمبادرة طغت على تلك المتعلقة بترويجها والدعوة لها.
وفي حين ظل الموقف الرسمي غامضا وخجولا، ومعه موقف حركة فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، فإن حركات المعارضة الرئيسية سارعت إلى إعلان رفضها للوثيقة، ووجّـهت لها انتقادات شديدة.
وكان موقف كل من حركتي حماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين واضحا في رفض الوثيقة من خلال إعلانات وتصريحات رسمية، وأيضا من خلال المظاهرات الاحتجاجية التي نظّـمته.
وأظهر استطلاع للرأي أن38.1 % فقط من الفلسطينيين الذين اطّـلعوا على مضمون
الخطة يؤيدونها، فيما يعتبر 78.4% أنها محكومة بالفشل كسائر الخطط السابقة.
ولم تتأخّـر اللّـجان والمنظمات النشطة في مجال حقوق اللاجئين عن إظهار معارضتها للخطة أو تحفظها عليها، خصوصا وأن أكثر الانتقادات الموجّـهة للمبادرة تتّـهمها بالتّـنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وبالرغم من مظاهر المعارضة هذه، وإقبال الجمهور الفلسطيني على تلقّـف الوثيقة عن طريق توزيع آلاف النسخ مع الصحف المحلية، فإن ثمة حوار داخلي عميق لم يُـسجل حتى الآن على الساحة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه القائمون على المبادرة بالترويج لها من خلال وسائل الإعلام، والإعداد ليوم إطلاقها رسميا، فإنها لم تنجح حتى اللحظة في استقطاب تلك النخبة السياسية القادرة على منحها الزخم المطلوب.
أسباب موضوعية وميدانية
هكذا انطلقت ظاهرة التعامل مع “مبادرة جنيف” على هذا النحو، فلا هي قادرة على الغوص في عُـمق الاهتمام الفلسطيني العام، ولا الرأي العام غير عابئ بها أو تاركها تمضي دون موقف.
بيد أنه موقف هلامي يختفي حينا خلف الرفض القاطع للحركات والفصائل المعارضة، ويظهر في مناسبات أخرى على شكل تأييد خجول عاجز عن تسجيل موقف ثابت وواضحاً.
وليس أدل على ذلك من التفاصيل الصغيرة التي رافقت حملة أصحاب المبادرة لترتيب يوم الإعلان عن الوثيقة في جنيف مطلع شهر ديسمبر المقبل.
لم تواجه اللجنة المُـنظّـمة أي صعوبة في دعوة نحو 200 مشارك لحضور حفل الإعلان، بل أن العدد فاق المطلوب بكثير، الأمر الذي اضطر المنظمين إلى إعادة النظر في القوائم واختيار من يُـمكن اصطحابهم.
لكن التمعّـن في قائمة المدعوين، أو الذين قبلوا الدعوة، يُـظهر أنهم في غالبهم من خارج الصفوف الأولى والثانية وحتى الثالثة للتنظيمات الفلسطينية، خصوصا حركة فتح التي لم تنجح سوى في استدعاء 70 فقط، جُـلّـهم من خارج دائرة التـأثير الشعبي، وفق ما أفادت مصادر المنظمين.
ويعزو مراقبون ومطّـلعون أسباب ذلك إلى أكثر من عامل، لاسيما غياب الموقف الرسمي الواضح، وعدم قيام حركة فتح على مستوى اللجنة المركزية باتخاذ موقف واضح من المسألة، إضافة إلى انصراف الشارع الفلسطيني أو انشغاله بمعاناته اليومية الناجمة عن حالة الحصار.
وبالرغم من مشاركة شخصيات قيادية محلية من حركة فتح، على غرار قدورة فارس، ومحمد الحوارني، وحاتم عبد القادر، وجميعهم أعضاء في المجلس التشريعي، فإن أي من شخصيات فتح ذات العيار الثقيل والمؤثرة لم تشأ المشاركة، بل نأت بنفسها عن المسألة.
انقسام على المستويين الرسمي والشعبي
ولعل أمر هذه الظاهرة ليس بغريب عن ميدان السياسة الفلسطينية ولا عن نظيرها الإسرائيلي أيضا. لكن لوثيقة جنيف حيّـزا واهتماما أكبر من ذلك الذي نالته مبادرات أخرى مثل مبادرة نسيبة – ايالون أو حتى في الماضي القريب مبادرة أبو مازن – بيلين.
ربما كان الاهتمام الدولي من جانب، والدعم المالي الذي وفّـره هذا الاهتمام من جانب آخر سببا في منح مبادرة جنيف دفعة قوية وامتيازا إضافيا. لكن تأثيرات ذلك لم تتضح حتى الآن على المستوى الفلسطيني الداخلي.
إن الاحتمالات والمؤشرات تتحدّث عن انقسام جديد على الساحة الفلسطينية ظهرت بوادره في داخل حركة فتح، وتجلّـت أخرى في داخل المجلس التشريعي الذي دعا عددٌ من نوابه الحكومة َ والقيادةَ إلى اتخاذ موقف واضح من المسألة، ومنع أعضاء الحكومة المشاركين في إعداد الخطة من المضي في عملهم هذا.
وفي حين أشارت بعض المصادر إلى اعتزام جناح صغير داخل حركة فتح إلى إزاحة ياسر عبد ربه عن قيادة المبادرة، فإن مسؤولين في الحركة يقولون إن هدفهم الأساسي من الوثيقة هو إجبار شارون على التحرك نحو الحل السياسي ومضاعفة الضغوط عليه.
ثمة أمر واضح حتى الآن، المبادرة وأصحابها ماضون إلى الأمام، لكن دون تحديد الوجهة المباشرة، والقيادة الفلسطينية تترقّـب النتائج، على حين أنقسم الشارع الفلسطيني والحركة الوطنية على نفسيهما.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.