مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محاولات مغاربية لوقف زحف الجراد

اعترف المشاركون في لقاء الجزائر الطارئ لمكافحة الجراد المهاجر، أن منطقة الساحل الإفريقي تقع تحت تهديد المجاعة الشاملة.

أما دول المغرب العربي فسوف تعادل خسائرها الزراعية – لو استمرت على هذه الحال – نتائج خوضها لحرب ضد قوة أجنبية متوسطة مثل إسبانيا.

اجتمع يوم الثلاثاء 27 يوليو الجاري في العاصمة الجزائرية ممثلو 9 بلدان لبحث حملات مكافحة الجراد الإقليمية المطلوبة خلال فترة الصيف الحالية. وقد اعترف المشاركون بفشل كل المحاولات لكبح جماح الجراد المهاجر من شيئين اثنين: أولهما، مهاجمة الأراضي الزراعية وثانيهما، استمرار التزاوج و التفريخ الجماعي، لأسراب من هذه الحشرة المعجزة، يُقدر عددها بعشرات الملايين كل مرة.

وبسبب الخسائر الهائلة، التي تسبب فيها الجراد في جنوب الجزائر وجنوب غربي المغرب، نسي البلدان خلافاتهما حيال مسألة الصحراء و تعاونا على رش خمسة وستين مليون هكتار بالمبيدات الحشرية على طول الحدود التي يمكن زرعها وفلاحتها بين البلدين.

أما اجتماع الجزائر الأخير، فقد نُظم على عجل، وتوصل – بعد بطء بيروقراطي – إلى جمع وزراء الفلاحة في تسع دول هي الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا وليبيا والسنغال والنيجر ومالي وتشاد.

أما ما يعتبر بطءأ حقيقيا فهو التئام اجتماع الوزراء، بعد أن تمكن الجيل السادس من الجراد الصحراوي المهاجر من وضع بيضه، بعضه أفقس والبعض الآخر ينتظر، فيما لم يتبدل سلوك أسراب الجراد “المرّاد” وهو تعبير جزائري يُقصد به الجراد الذي لم يبدأ بعد في الطيران.

لم يتغير سلوك أبناء الجراد المهاجر، من حيثُ الصرامة في تدمير كل المساحات الخضراء التي يمر أمامها، وشاهد الفلاحون في الجزائر على الأقل، روحا بطولية للجراد “المرّاد”، الذي أفشل أفضل أساليب ثنيه عن بلوغ المساحات الخضراء ونجح في القضاء عليها.

فقد عمد بعض الفلاحين، إلى حفر خنادق حول قطعة الأرض التي يملكونها، وملئوا الحفر بالمياه، حتى لا يصل إليها الجراد “المرّاد”، الذي لا يطير، وبالفعل قُتل الكثير من الجراد غرقا وسط حفر المياه الضخمة التي تحيط بكل مزرعة اتبعت هذا الأسلوب الوقائي.

فما كان إلا أن تطوعت أعداد هائلة من هذه الحشرة للموت غرقا، وتركت بقية الأسراب تمر على جثثها التي شكلت جسورا مروعة، ليصل إلى المزرعة من بقي حيا من أسراب الجراد، وليحيلها في فترة وجيزة إلى أرض قاحلة.

إشكالات وقلق

بمثل هذه الضراوة في تخريب المحاصيل، وصلت أسراب من الجراد المهاجر (بعد أن كان “مرّادا” لا يطير) إلى الأقاليم الشمالية من الجزائر، أهمها البويرة التي لا تبعد إلا بحوالي ستين كيلومترا عن شاطئ البحر المتوسط، علما أن أجداد الجيل السادس من هذا الجراد قدمت من اليمن أو من عُـمان، ثم توالدت بشكل مثير في موريتانيا وزحفت بعد ذلك على المغرب والجزائر.

بالنسبة لموريتانيا، فقد استشف الإعلاميون في لقاء الجزائر، الذي دعت إليه وزارة الفلاحة الجزائرية، أن اليأس هو الشعور السائد هناك، وأن إعلان هذا العام سنة الإنتاج الفلاحي المقارب للصفر، يوشك أن يحدث. وعلى هذا الأساس قررت الجزائر أن تُرسل لموريتانيا، ثمانين ألف لتر من المبيدات الحشرية و تجهيزات يمكنها معالجة خمسة عشر ألف هكتار في اليوم، فيما سترسل المغرب خمسين ألف لتر ومعدات رش فعالة من بينها الطائرات.

من جهتها، ودخلت ليبيا وتونس الحرب الموجعة ضد أسراب الجراد المهاجر، وقررت كل منهما مساعدة مالي و النيجر والسنغال وموريتانيا وتشاد، علما أن موريتانيا أخذت حصة الأسد من المساعدات، على اعتبار أنها منطقة توالد وتفريخ يفضلها الجراد المهاجر، لأسباب ترتبط أساسا بصيف هذا العام، الذي يتميز بالرطوبة وقلة الحرارة الأمر الذي سيساعد الجراد على مزيد التكاثر.

من جانبها، ترى منظمة الزراعة والأغذية للأمم المتحدة “فاو”، أن المجتمع الدولي لم يقم بواجبه على أحسن ما يٌُرام فمن أصل ثلاثة وثمانين مليون تحتاج إليها “المقاومة”، لم يصل حجم المبالغ التي قدمتها الدول المانحة إلى مستوى عشرة ملايين دولار أمريكي!.

وقد حذر رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحي من أن مناطق بأسرها ستعاني من خطر المجاعة إن لم يتم تدارك الموقف بأسرع ما يمكن. في نفس السياق هناك علامة أخرى، تترجم قلق أويحي من خطر هجوم الجراد، وهي إعلان الخبازين الجزائريين اعتزامهم شن إضراب عن العمل احتجاجا على بقاء سعر الخبز متدنيا، رغم ارتفاع أسعار القمح اللين عالميا.

ويرى البعض أن هناك علاقة هائلة بين إضراب الخبازين، وقلق أويحي وارتفاع أسعار القمح في العالم، وقلة المساعدات الدولية للدول المتضررة من الجراد.

قد ينجلي الإشكال عندما يُعرف أن الدول التي يُطلب منها المساعدة هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، فالأولى تعتبر أكبر منتج للقمح الصلب واللين في العالم، أما الثاني فقد دأبت دول تنتمي إليه (مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا) على لعب دور الوسيط في بيع القمح اللين المستعمل أساسا في صناعة الخبز، المادة الغذائية الأولى التي يستهلكها سكان أغلب الدول المشاركة في لقاء الجزائر.

يأس الخبراء

وبعملية حسابية بسيطة، ستضطر الدول التي دمرت محاصيلها الزراعية وخاصة منها القمح، إلى استيراد العجز الذي نجم عن الكارثة، وسيؤدي ارتفاع الطلب إلى ارتفاع آخر في الأسعار، يؤدي بالضرورة إلى خسارة مقدرة في ميزانيات الدول المتضررة التي ستنفق المال الوفير لشراء الخبز عوض صرفه في مشاريع أخرى.

عمليا، تتواجد أسراب الجراد الآن في منطقتين: الأولى هي دول الساحل الإفريقي وخاصة منها موريتانيا والجزء الهام من الحرب عليه ستكون في هذه الدولة، أما المنطقة الثانية فهي شمال المغرب العربي، في النواحي الواقعة بين الأطلسين التلي والصحراوي.

ووسط هذه الحرب الشاملة قال بعض الخبراء الجزائريين، بيأس واضح: “انتظروا الجراد في الخريف والشتاء القادمين”، على اعتبار أن الجهود التي ستبذل الآن ستفشل كلها قياسا على ما بذل من الجهود قبل حوالي عام، وهي في الكثير من الحالات غير مفيدة.

وبالجملة فإن الحرب على الجراد المهاجر كانت منتظرة منذ بضعة أعوام، بعد أن حذر خبراء الأمم المتحدة من وقوعها، غير أن ما لم يكن منتظرا قط، هو ما ظهر اليوم من هشاشة اقتصاديات الدول المتضررة التي تعتبر من أهم البلدان المستهلكة للقمح اللين، (من بينها الجزائر، المستورد الأول لهذه المادة عالميا)، التي ستتضور جوعا إذا لم تبع لها الدول المنتجة للقمح ما تصنع به خبزا يأكله أبناؤها..

هيثم رباني – الجزائر

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية