مدرج بصرى الشام معلم أثري نجا من ويلات الحرب السورية
يجول الشاب العشريني عبد العزيز بنظره على المدرج الروماني الأثري في بلدة بصرى الشام معبراً عن فرحه بنجاة هذا المعلم التاريخي من الحرب السورية بعدما كان أدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي المهدد بالخطر بسبب المعارك التي دارت في محيطه.
ويُعد المدرج الروماني الذي يعود إلى القرن الثاني أبرز المعالم الأثرية في بلدة بصرى الشام (جنوب) وهو مدرج على لائحة التراث العالمي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو).
وزاره عبد العزيز الجمعة في إطار رحلة سياحية داخلية هي الأولى منذ بدء النزاع، نظمتها “الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق” برعاية وزارة السياحة وشارك فيها نحو 150 شخصاً من محافظات سورية عدة مقابل بدل مالي.
ويصعد الطالب النحيل (23 عاماً) الآتي من حلب في شمال البلاد، الى المدرج المطل على المسرح الأثري، ويقول لوكالة فرانس برس “قطعت 700 كيلومتر من شمال سوريا إلى جنوبها لرؤية مدرج بصرى الذي سمعت عنه كثيراً”.
ويقارن عبد العزيز بين مسرح بصرى الشام الذي يزوره للمرة الأولى والأضرار الكبيرة التي لحقت بآثار مدينته حلب جراء المعارك الضارية، ويقول “اعتقدت أني سأجده مدمراً، لكن يبدو أنه نجا من هذه الحرب القاسية”.
وشهدت بلدة بصرى الشام قصفاً ومعارك بعد دخول الفصائل المعارضة إليها في العام 2012 إثر تحول حركة الاحتجاجات في سوريا إلى نزاع مسلح، قبل أن تستعيدها القوات الحكومية العام الحالي.
ويبدو المسرح سليماً سوى من أضرار طفيفة ناتجة عن القذائف والرصاص طالت المدرج الحجري الذي انهارت بضعة حجارة منه، كما سقطت أخرى من البناء الذي يعلو المسرح. ومن الممكن أيضاً رؤية أثار الرصاص على عدد من الجدران.
إلا أن الأعمدة الرومانية بتيجانها المنقوشة بدقة لا تزال واقفة على خشبة المسرح التي شهدت على مر عقود حفلات ومهرجانات موسيقية.
ويقول رئيس مجلس بلدة بصرى الشام وافي الدوس الذي عاد إلى البلدة مؤخراً بعد ثلاث سنوات على النزوح منها، إن “نسبة الأضرار لا تتجاوز ثلاثة إلى خمسة في المئة في المسرح”.
وتُعد بصرى الشام من أبرز المواقع الأثرية في سوريا، وتضم أثاراً رومانية وبيزنطية وإسلامية، فضلاً عن كنائس ومساجد. وكانت تشكل قبل الحرب محطة مهمة للسياح من كل انحاء العالم.
ويُعد المدرج الروماني، وفق المديرية العامة للآثار والمتاحف، “السمة الرئيسية” فيها، وهو محاط بجدران وأبراج القلعة المجاورة. ويتسع المسرح لـ15 ألف مشاهد و”هو المسرح الوحيد المكتمل في العالم والذي بقي محتفظاً بمعظم أقسامه وسائر عناصر عمارته منذ العصر الروماني”.
– “أيقونة حوران” –
وتقع بصرى الشام في محافظة درعا، مهد حركة الاحتجاجات ضد النظام في 2011. وسيطرت الفصائل المعارضة في العام 2012 على أجزاء منها قبل أن تحكم في العام 2015 سيطرتها عليها بالكامل.
وفي العام 2018، استعادت القوات الحكومية البلدة إثر عملية عسكرية واتفاقات تسوية مكّنتها من السيطرة على كامل الجنوب السوري.
وشهدت بصرى الشام، وخصوصاً في سنوات الحرب الأولى، معارك ضارية وقصفاً تركت أثرها في بعض الشوارع والحارات. ولا تزال عبارات وشعارات معارضة مكتوبة على بعض الجدران، وأخرى تمّ طلاؤها واستبدالها بأخرى مؤيدة للحكم السوري.
على جانبي طرق البلدة، منازل مدمرة وأخرى مهجورة، فيما ينهمك مواطنون بترميم بيوت أخرى.
في المدرج الروماني، يتوسط الدوس نحو عشرين شاباً وشابة ويقول لهم بصوت مرتفع “بصرى أيقونة حوران”، وهي تسمية تطلق على الجنوب السوري. ويشير إلى مشروعين تعدهما وزارة السياحة لإعادة ترميم المدرج وإحياء مهرجان بصرى الشهير الذي شارك فيه على مدى العقود الماضية بعض من أهم الفنانين العرب بينهم فيروز.
– “ضرر محدود” –
وفي سوريا، كنوز تعود لحقبات الرومان والمماليك والبيزنطيين، مع مساجد وكنائس وقلاع صليبية. وقد شكل القطاع السياحي في العام 2010 ثاني أهم مصدر للعملة الأجنبية بعد قطاع النفط، إذ بلغت عائداته أربعة مليارات دولار قبل أن “تجف تماماً” مع بدء النزاع، وفق صندوق النقد الدولي.
وتضررت مئات المواقع الأثرية في سوريا خلال السنوات الماضية نتيجة المعارك والقصف فضلاً عن أعمال السرقة والنهب.
وأدرجت اليونسكو ستة مواقع أثرية سورية على قائمتها للتراث الانساني المهدد بالخطر، أبرزها مدينة حلب القديمة التي دمرت بشكل كبير، ومدينة دمشق القديمة التي نجت من الحرب، وبصرى الشام، ومدينة تدمر التاريخية (وسط) التي تعرضت لأضرار كبيرة، لا سيما نتيجة ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية.
ولم يزر مسؤول النشاطات في “الجمعية السورية للاستكشاف والتوثيق” خالد نويلاتي بصرى الشام منذ نحو عشر سنوات. وكان يتجول بين دهاليز المسرح الروماني بقبعته الصوفية البيضاء، فيما ترتسم على وجهه ابتسامة كبيرة. ويقول “سعادتي الآن خيالية وفوق الوصف بعدما رأيتُ المكان سالماً وضرره محدود ويمكن تداركه”.
ثم يقف بين عشرات الشبان والشابات الذين يحملون علماً سورياً كبيراً، لالتقاط صورة تذكارية.
في وسط ساحة المسرح الروماني، تلتقط منال (30 عاماً) صوراً مع طفلتها أريج (سبعة أشهر).
وتقول المرأة الآتية من دمشق مع زوجها “لا يُمكننا السفر إلى خارج سوريا، لا بأس، سنعود للسياحة في داخل سوريا، هناك الكثير من الأماكن الجميلة”.