مرة أخرى .. حياد سويسرا على المـحـك
ارتفعت أصوات في سويسرا تنصح الحكومة بالعدول عن بيع معدات حربية للعراق عبر الإمارات العربية المتحدة بهدف احترام الحياد السويسري.
من جهتها، تجري السلطات تحقيقا حول احتمال استعمال وكالة المخابرات الأمريكية لمطار جنيف كمعبر لنقل بعض المشتبه في تورطهم في عمليات إرهابية نحو بلدان مثل مصر وسوريا.
كانت الحكومة السويسرية قد وافقت في التاسع والعشرين من شهر يونيو الماضي على بيع 180 ناقلة جنود مدرعة من طراز M113 إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على أن تقدمها بدورها هبة للعراق من أجل تعزيز جهاز الشرطة في مواجهة الاعتداءات التي تستهدف عناصره.
وقد أثارت هذه العملية انتقادات شتى داخل سويسرا جاء بعضها من اليمين وصدر البعض الآخر من اليسار ومن منظمات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان.
وكانت الحكومة السويسرية قد عللت هذه الخطوة (على لسان وزير الاقتصاد السيد جوزيف دايس) بأعتبار أنها تأتي تلبية لدعوة من مجلس الأمن الدولي الذي طالب الدول الأعضاء في المنتظم الأممي بـ “دعم الحكومة العراقية في تعزيز جهازها الأمني”.
الحياد أولا وقبل كل شيء
في حديث خص به سويس إنفو يرى السيد هانس فير النائب البرلماني عن حزب الشعب السويسري اليميني، ومدير جمعية “من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة ASIN”، أن على الحكومة “أن تعيد النظر في هذه الخطوة لأن الأمر يتعلق ببيع معدات حربية إلى منطقة تشهد صراعات مسلحة، وهذا ما قد يُنظر له على أنه انحياز إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ضد دول المنطقة المسلمة”، حسب قوله.
نفس الحرص على احترام الحياد السويسري، جاء على لسان شخصيات أكاديمية أو إعلامية خصوصا بعد اعتداءات لندن الأخيرة (في 7 يوليو الجاري). فقد صرح ألبير ستاهيل، الأستاذ في الأكاديمية العسكرية التابعة للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ “أن علينا أن نبقى محايدين كل الحياد في هذه الحرب”. وذهب الأستاذ المتخصص إلى حد حث الحكومة على “ضرورة تعزيز علاقاتها مع العالم الإسلامي إذا ما أرادت تجنب أن تصبح هدفا للإرهاب”.
أما الصحفي المخضرم فرانسوا غروس فقد كتب في صحيفة لوتون السويسرية متسائلا: “كيف تغير تأويل القانون رأسا على عقب في غضون ثلاثة أشهر؟”. ثم أجاب عن تساؤله قائلا : “إن البعض يرى أن ذلك تم لأن الحكومة اتخذت قرارها بدون إجراء استشارات معمقة”. وتساءل فرانسوا جروس: “هل كل هذا يدخل في إطار إعادة صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ ورغم تساؤل البعض عن موقف وزيرة الخارجية ميشلين كالمي-راي (العائدة قريبا من زيارة إلى واشنطن) من هذا القرار، إلا أن السيد غروس يرى بأن “رأيها لم يؤخذ بعين الاعتبار في قضية تخص وزارتها بالدرجة الأولى”، مثلما جاء في عموده الأسبوعي.
مطار جنيف وطائرات السي أي آي
على صعيد آخر، أثارت صحيفة لوتون الصادرة في جنيف يوم الثلاثاء 12 يوليو موضوعا آخر من المحتمل أن يسبب المزيد من الإزعاج للحكومة السويسرية ويتعلق باحتمال استعمال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لطائرات مدنية تمر عبر مطار جنيف لنقل من يشتبه في انتمائهم إلى جماعات إرهابية وتسليمهم إلى دول مثل مصر وسوريا والمغرب والأردن وأفغانستان والعربية السعودية لإخضاعهم للاستنطاق بل حتى للتعذيب.
وكان النائب البرلماني الإشتراكي عن سولوتورن، بوريس بانغا، قد أثار الموضوع في ختام الدورة الصيفية الأخيرة للبرلمان السويسري يوم 17 يونيو الماضي عندما أشار في أسئلة توجه بها إلى الحكومة إلى “أن طائرتين على الأقل استعملتا في هذه العمليات شوهدتا فوق أرضية مطار جنيف في نهاية عام 2003 وبداية عام 2004”.
وقد علل النائب البرلماني طرح هذا السؤال على الحكومة الفدرالية بأن “مثل هذه العمليات مخالفة لبنود معاهدة جنيف، وثانيا أنها تنتهك السيادة الوطنية لسويسرا”.
ما المطلوب من سويسرا؟
المكتب الفدرالي للطيران الذي كلف بالتحقيق في هذه العملية للرد على تساؤل النائب البرلماني وعلى استفسارات وسائل الإعلام، أوضح على لسان دانيال جورينغ، الناطق باسمه “إننا بصدد تسليط كل الأضواء على هذه القضية لتحديد هل هي خرق لقوانين الطيران أم انتهاك لقانون العقوبات”.
ويشير الناطق باسم المكتب الفدرالي للطيران، إلى أنه “في حالة الرحلات الخاصة المدنية، لا يمكن لسويسرا مراقبة حمولة الطائرة المتوقفة بل كل ما عليها التحقق منه هو صحة رخصة الطيار، وحالة الطائرة من حيث الإيفاء بمتطلبات الطيران، وأن عدد الركاب المسجل سيغادر دون نزول أو إضافة ركاب جدد”.
هانس فير، مدير جمعية “من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة”، ومع أنه أبدى بعض التفهم لإمكانية السماح باستعمال مطار جنيف في إطار عملية لمحاربة الإرهاب، إلا أنه يصر على ضرورة “أن تبدي الحكومة السويسرية قبولها أو رفضها لمثل هذا التوقف فوق أرضية أحد مطاراتها وألا تجد نفسها أمام فرض الأمر الواقع”.
أما من وجهة نظر القانون الدولي وحقوق الإنسان فيرى الحقوقي السويسري أدريان كلود زولر من “منظمة جنيف لحقوق الإنسان”، أن “بلدا مثل سويسرا صادق على معاهدة منع التعذيب، حتى ولو تم ذلك بدون علمه، عليه أن يفتح تحقيقا على الأقل وأن يحتج رسميا لدى الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الممارسات”.
ويضيف الخبير السويسري في مجال حقوق الإنسان في حديث مع سويس إنفو: “إن على سويسرا أن تتأكد دبلوماسيا من أن الأشخاص الذين تم نقلهم عبر ترابها لم يتعرضوا لتعذيب او معاملات مخلة”.
ولعل الأمر المزعج في العملية أن وزيرة الخارجية السويسرية، ميشلين كالمي راي كانت قد أثارت أثناء زيارتها الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في شهر يونيو الماضي، موضوع نقل بعض الأسرى والمعتقلين خارج نطاق معاهدات جنيف وعبرت عن القلق بهذا الخصوص لنظرائها الأمريكيين.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.