مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مرة أخرى.. وسائل الإعلام الأمريكية تفشل في الإختبار

تجنبت وسائل الإعلام الأمريكية التركيز في تغطيتها للحرب على الدمار الهائل الذي ألحقته الآلة العسكرية الإسرائيلية بالمدنيين والمنشآت والمباني والبنى التحتية اللبنانية Keystone

نظم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة لمناقشة أبعاد مساندة الإعلام الأمريكي لإسرائيل في حربها على لبنان، وتكاتفه مع اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة.

أحد المشاركين في الندوة لخص تقييمه لتغطية وسائل الإعلام بالقول: “إبحثوا عما لم تتطرق إليه وسائل الإعلام الأمريكية في تلك التغطية وما تعمّـدت حذفه، وليس ما عرضته”..

نظم مركز الحوار العربي يوم الجمعة 11 أغسطس في واشنطن ندوة لمناقشة أبعاد مساندة الإعلام الأمريكي لإسرائيل في عدوانها على لبنان، وتكاتف ذلك الإعلام مع اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة.

وتحدث في الندوة المحلل السياسي والباحث الأكاديمي علاء بيومي، مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير”، فقال إنه ما أن قام حزب الله بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين، حتى سارعت المنظمات اليهودية الأمريكية الموالية لإسرائيل إلى إصدار سيل من البيانات الصحفية لتصوير العملية على أنها تهديد لأمن إسرائيل المحاطة ببحر من الأعداء، وسارعت اللجنة اليهودية الأمريكية، التي تقود اللوبي الموالي لإسرائيل بالاتصال بسفراء عدد كبير من الدول في واشنطن لحشد تأييد تلك الدول لإسرائيل، فيما هرع مئات من النشطاء المتخصصين في الضغط السياسي إلى مقابلة أعضاء الكونغرس لتأمين موقف موحد يساند إسرائيل بلا حدود.

وسرعان ما تبارى أعضاء الكونغرس في إصدار البيانات الداعمة لموقف إسرائيل والمبررة لعدوانها على لبنان، بل وصل الأمر بتأثير اللوبي الإسرائيلي على الكونغرس إلى حدّ كتابة مسودّة مشروع القرار الذي مرّره مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 18 يوليو الماضي تأييدا لإسرائيل.

ونظرا لإدراك اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية الأمريكية لأهمية التأثير المباشر على الرأي العام الأوروبي، سارعت “عصبة مكافحة التشويه” اليهودية إلى شراء مساحات لأربعة إعلانات ضخمة في صحيفة “إنترناشيونال هيرالد تريبيونّ” الواسعة الانتشار في أوروبا.

وعندما بدا أن إسرائيل مستمرّة في حرب واسعة النطاق على البنية التحتية اللبنانية وعلى المدنيين بحجة تقويض قوة حزب الله، سارعت شبكات التلفزيون الأمريكية إلى إرسال مراسليها لمرافقة القوات الإسرائيلية ونقل وجهات النظر العسكرية الإسرائيلية.

الترويج لفكرة نهاية العالم

وفيما يشبه التنسيق غير المسبوق بين قنوات تليفزيونية متنافسة، خرجت تلك القنوات في يوم واحد بتساؤل مريب: هل الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد “القوى الشريرة”، التي يمثلها حزب الله، هي مقدمة لبداية نهاية العالم وتوطئة لانتصار الدولة العبرية على قوى الشر، تمهيدا لعودة السيد المسيح ليقيم على الأرض السلام لمدة ألف عام قبل نهاية العالم. واستضافت تلك الشبكات عشرات من زعماء الكنيسة الإنجيلية، الذين يرون في تأييد إسرائيل ودعمها واجبا دينيا على المسيحيين، وشرعوا في حشد تأييد المسيحيين المتشدّدين في أمريكا لصالح إسرائيل.

ومن العجيب، أنه وفقا لتلك النظرية الدينية، فإن من شأن عودة السيد المسيح ألا يبقى على وجه الأرض بعد تلك الحرب مع القوى الشريرة إلا حوالي مائة وأربعين ألف يهودي يتعيّـن عليهم التحوّل إلى اعتناق الديانة المسيحية، وإلا تعرّضوا للقتل.

وعندما سألت إحدى تلك القنوات السفير الإسرائيلي في واشنطن، دان ايالون عن رأيه قال: “المهم في كل ذلك الجدل، أنه يحشد المزيد من التأييد لإسرائيل في الولايات المتحدة، وهذا هو كل ما يهمنا”.

وحدث ما تمناه السفير، فقد دعت منظمة “المسيحيين المتّـحدين من أجل إسرائيل”، أنصار إسرائيل من القيادات الدينية ومن أعضاء الكونغرس لحضور مؤتمر حاشد لمناصرة الدولة اليهودية في 19 يوليو الماضي، حضره السفير الإسرائيلي ورئيس الحزب الجمهوري كين ماكميلان وثلاثة آلاف مدعو آخرين من شتى أنحاء الولايات المتحدة، لإظهار التعاطف والمساندة لإسرائيل في حربها ضد لبنان.

وسرعان ما نجح اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية الأمريكية في شن حملات لجمع التبرعات، أظهرت صور الدمار الذي ألحقته صواريخ حزب الله بمسكن ومتاجر المدنيين الإسرائيليين وتدفقت عشرات إن لم يكن مئات الملايين من الدولارات لنُـصرة العدوان الإسرائيلي.

ولم تكن مفاجأة، بطبيعة الحال، أن تسعى مجلات المحافظين الجدد مثل مجلة ويكلي ستاندارد إلى تصوير العدوان الإسرائيلي على لبنان بأنه حرب أمريكية على الإرهاب الذي يقوم به حزب الله بمساندة من إيران وسوريا، وبأنها مراحل أولية “للحرب العالمية الثالثة” تقف فيها إسرائيل في موقع القاعدة المتقدمة للحضارة الغربية في مواجهة التطرف الإسلامي.

التحيز بالحذف والاختيار

وتحدث في ندوة مركز الحوار العربي الكاتب الصحفي عماد مكي، مراسل وكالة أنباء إنتر بريس الأمريكية، والذي سبق له العمل في عدة صحف أمريكية من بينها صحيفة نيويورك تايمز، فقال “إن ملكية معظم وسائل الإعلام الأمريكية لعائلات يهودية متعاطفة مع إسرائيل، هو أحد الأسباب الرئيسية وراء تحيّـز الإعلام الأمريكي لإسرائيل، كما أن نفوذ اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة يحد بشكل كبير من فرص النقاش الموضوعي حول سياسات إسرائيل، مما يسهم إلى حدّ بعيد في تدنّـي قدرة الأمريكيين على فهم حقائق الصراع العربي الإسرائيلي، بالإضافة إلى جهل عدد كبير ممن يكتبون عن الشرق الأوسط بحقائق الوضع فيه، وتعمّـد مراسلي بعض وسائل الإعلام الأمريكية في المنطقة غلى تشويه صورة المواقف العربية بسوء نية مبيت، ومن الأسباب الأخرى، أن باب العمل الصحفي والإعلامي يغلق بقوة في وجه كل من يجسر على انتقاد إسرائيل أو التحيّـز الأمريكي لها على حساب المصالح الأمريكية”، على حد تعبيره.

ونقل عن رئيس مكتب واحدة من أكبر الصحف الأمريكية في واشنطن قوله: “لقد تعرّضت للدغة مُـؤلمة من اللوبي الإسرائيلي عدة مرات بسبب ما كتبته، بحيث لن يمكنني معاودة نفس التجربة”.

وضرب الكاتب عماد مكّـي مثالا على التعاطف مع إسرائيل في الصحف الأمريكية الكبرى، بالكاتب الأمريكي توماس فريدمان، الذي تفرد له بعض الصحف العربية الرئيسية مساحات لنشر ترجمات لمقالاته فقال: “إن توماس فريدمان الذي فاز ثلاث مرات بجائزة بوليتزر الأمريكية للامتياز في الكتابة الصحفية، يحرص على إقامة علاقات ودّية حميمة مع عدد كبير من الكتاب والصحفيين والمفكرين في العالم العربي، ويستمع باهتمام شديد إلى آراء وتحليلات كل من يُـناصر القضايا العربية لمجرّد التفنن في إعمال فكره في دحض تلك الآراء والنيل منها”.

ولعل قراءة عمود توماس فريدمان الصادر عقب توصل مجلس الأمن بالإجماع إلى قرار لوقف القتال في لبنان يوضح ذلك المسلك حيث كتب فريدمان: “اليوم التالي لليوم الذي يتوقف فيه إطلاق النار، يعرف الجميع ما سيحدث، وما سيحدث باختصار، هو أن حسن نصر الله، زعيم «حزب الله»، سيخرج ويعلن تحقيق «انتصار كبير»، مهما كان حجم الضربة التي تلقّـتها قواته والدمار الذي تعرض له لبنان بسبب حربه المتهوّرة. سيقول نصر الله، إن «حزب الله» قاتل إسرائيل داخل لبنان وأطلق صواريخ على شمال إسرائيل، وسيكتب المحللون العسكريون في كل مكان أن إسرائيل «خسرت قوتها الرادعة» في مواجهة القوات العربية…. الخ. سمعت مثل هذه الأحاديث، إلا أن المهم في الحرب هو التوازن الذي يفرضه الدمار على أرض الواقع والثقل السياسي الذي يفرضه بمرور الزمن. أما اليوم الذي يلي يوم وقف إطلاق النار، فسيشهد عودة مئات الآلاف من لاجئي الحرب اللبنانيين، الذين كانت لديهم وظائف وبيوت، وغالبية هؤلاء اللاجئين من الشيعة، للأسف سيجد هؤلاء أن الحرب ألحقت أضرارا بالغة بمنازلهم وأعمالهم إن لم تكن قد دمّـرتها تماما. إنهم بالتأكيد سيلعنون إسرائيل. إلا أن هؤلاء وعرباً آخرين سيسألون حسن نصر الله علنا عمّـا ظل يسأل عنه كثيرون سرا: «حول ماذا دارت كل هذه الحرب؟» و«ما الذي جنيناه من هذه الحرب وبأي ثمن»؟ و«لدى إسرائيل أيضا قتلى وأضرار مادية، إلا أن الاقتصاد والدولة هناك لم يتأثرا بالحرب، وستتجاوز أي آثار للحرب بسرعة. نحن اللبنانيين أرجعتنا الحرب إلى الوراء عشر سنوات، اقتصادنا وديمقراطيتنا تعرّضا للدمار، تماما مثل منازلنا. من أجل ماذا؟ هل كانت من أجل أسبوع لتعزيز «الشرف العربي»؟ وكي تستطيع إيران صرف أنظار العالم عن برنامجها النووي؟ هل فعلتم بنا كل ذلك من أجل دولة أخرى”؟

ومن واقع خبرته مع صحيفة النيويورك تايمز، أكبر الصحف الأمريكية وأكثرها توزيعا التي تمتلكها وتديرها عائلة يهودية متعاطفة تماما مع إسرائيل، نقل الكاتب عماد مكي للحاضرين في مركز الحوار العربي عن رئيس التحرير آنذاك قوله: “في القضايا الشائكة مثل الصراع العربي الإسرائيلي، إما تقرر هيئة التحرير سياسة خاصة بالصحيفة أو تستشهد بالسياسة الأمريكية المعلنة إزاء ذلك الصراع بجوانبه المختلفة”.

تغطية وسائل الإعلام الأمريكية

وفيما يتعلق بتغطية وسائل الإعلام الأمريكية للحرب في لبنان، لخص المراسل الصحفي عماد مكي تقييمه لها بقوله: “إبحثوا عما لم تتطرق إليه وسائل الإعلام الأمريكية في تلك التغطية وما تعمّـدت حذفه، وليس ما عرضته، وستلاحظون أنها لم تتحدث عن حجم الدمار الذي ألحقه العدوان الإسرائيلي بالبنية التحتية المدنية اللبنانية، ولم تركز على استهداف الطائرات الإسرائيلية للمنازل والمدنيين، ولم تركز على حقيقة أن معظم خسائر إسرائيل في الأرواح كانت بين العسكريين الإسرائيليين، بينما كانت معظم خسائر اللبنانيين بين المدنيين الأبرياء”.

وضرب الكاتب عماد مكي مثالا على التحيّـز بالحذف فقال” “إن من تابع تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للحرب في لبنان، أصبح من تكرار الحديث عن أسلحة حزب الله التي جاءت من إيران عبر سوريا، خبيرا بأنواع صواريخ الكاتيوشا والصواريخ الأطول مدى من طرازي زلزال وخيبر لتصوير إسرائيل في وضع الضحية التي تدافع عن نفسها، فيما أسدلت وسائل الإعلام الأمريكية ستائر التعتيم الإعلامي على استخدام إسرائيل لأنواع محرّمة من الأسلحة، مثل القنابل العنقودية وقذائف الفوسفور الأبيض الحارقة”.

وردا على سؤال لسويس إنفو عن تقييمه لفكرة مرافقة المراسلين الأمريكيين لوحدات القوات الإسرائيلية أثناء هجومها على قرى الجنوب اللبناني، كما فعلت شبكة سي إن إن، قال الصحفي المخضرم: “إن أقصى ما يمكن للمراسل عمله في هذه الحالة، هو أن يفقد توازنه في التقرير ويحاول تقديم وجهة النظر الإسرائيلية وتصويرها على أنه خبر متوازن”.

محمد ماضي – واشنطن

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية