“مركز إسلامي في برن”: المشروع غـامض والمعارضون يهاجمونه
استنكر الدكتور فرهاد أفشار المتحدث باسم جمعية أمة الإسلامية في برن، ما وصفه بالتشهير الإعلامي للمشروع الذي تعتزم الجمعية القيام به بإنشاء مركز إسلامي ضخم، هو الأول من نوعه أوروبيا.
وكانت الأحزاب اليمينية قد أعلنت معارضتها الفورية للمشروع فور تسريب الخبر إلى وسائل الإعلام، ووصفته بأنه لن يتحول إلى واقع في جميع الأحوال.
أطلت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في طبعتها الأسبوعية ليوم الأحد 28 إبريل وعلى صدر صفحتها الأولى عنوان ضخم يقول: “المسلمون السويسريون يعتزمون بناء مركز إسلامي ضخم” ثم تتابع “من المفترض أن تضم برن أكبر مركز إسلامي في أوروبا”.
ويقول الصحفي شتيفان بولر في مقاله إن المشروع الذي تعتزم جمعية “أمة” تنفيذه في العاصمة الفدرالية، يتضمن متحفا للثقافة الإسلامية ومسجدا وفندقا أربعة نجوم، ومركزا للمؤتمرات ومن المفترض أن تتراوح تكاليفه بين 60 و 80 مليون فرنك سويسري.
وقد أعرب الدكتور فرهاد افشار، مدرس علم الاجتماع في جامعة برن ورئيس جمعية (أمة) لسويس انفو عن استيائه لتسريب الخبر ورأى “أن له أهدافا خفية، ويأتي في وقت غير مناسب على الإطلاق، إذ تنتظر الجالية المسلمة في سويسرا هذا الأسبوع قرار حاسما بشأن بناء المئذنة الرمزية لمسجد الأتراك في قرية فينغن، المتاخمة لمدينة أولتن”، ورأى أنه “من المبالغة اغفال جميع جوانب المشروع والتركيز فقط على المسجد الذي يمثل 8% من البرنامج المتوقع لنشاط هذا المركز”، حسب قوله.
ويقول افشار في حديثه لسويس إنفو “إن المشروع أسهل من النظر إليه بهذا الشكل الذي وصفه بالمريب، إذ يعتمد على إنشاء مؤسسة (لم يحدد من هم القائمون عليها أو هويتها) تقوم بإدارة المشروع المتكامل الذي يضم فندقا ومركزا للمؤتمرات، وعقارات يمكن استخدامها للسكن أو كمقار للشركات الاقتصادية، ومركزا ثقافيا من بين اهتماماته الحضارة الإسلامية من خلال المعارض والندوات، ومتحفا دائما للحضارة الإسلامية ومسجدا، يليق بمقام برن كعاصمة فدرالية.
تساؤلات حول التمويل
وكانت الصحيفة قد التقت مدير المكتب الاستشاري المعماري الذي يتولى إعداد الرسومات الهندسية الخاصة بالمشروع، وقال إنه يعتزم تقديم تصميم يجمع بين السمات الشرقية للحضارة الإسلامية والخصوصية الأوروبية، حتى أن الفندق لن يضم قاعة ساونا Sauna وإنما حماما عربيا تقليديا ومطعما على الطراز الشرقي الإسلامي، في حين يقوم مكتب آخر بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع.
ويشرح افشار لسويس انفو الفكرة، وهي أن المؤسسة المنبثقة من اتحاد المنظمات الإسلامية في برن (التي لم يحدد المساجد التابعة لها أو هيكلها القانوني)، تعتزم تأسيس شركة مساهمة، تتولى إدارة هذا المشروع المتكامل، على أن تفتح الباب للشركات المتخصصة في الفندقة وإدارة المؤتمرات والعقارات للمشاركة فيها وتدخل شريكا في هذا المشروع، إلا أنه لم يفصح عن شكل العلاقة القانونية أو المالية بين المؤسسة الدينية وبقية الشركات التي يعتزم فتح المجال أمامها للمشاركة في المشروع.
فإذا كان المشروع سيتكلف ما بين 60 – 80 مليون فرنك، وفقا لتقرير الصحيفة (وهو ما أكده أفشار لسويس إنفو)، ووقوف المؤسسة الدينية المرتقبة وراء هذا المشروع واختيار من سيلتحق به، فإن هذا قد يعني بأن تلك المؤسسة ستكون صاحبة أكبر حصة من رأس المال في الشركة (وإلا فمن الذي سيمنحها الحق في اختيار الشركاء والمفاضلة بينهم؟).
الدكتور فرهاد افشار ينفي وجود ميزانية كبيرة بهذا الحجم لدى المؤسسة الدينية، وهو ما يفتح باب التكهنات مجددا أمام هذه العلاقة غير الواضحة في تمويل المشروع، إلا أنه يقول بأنه “يتوقع تمويلا من حكومة برن، لأن البعد الاقتصادي للمشروع هام، إذ سيعمل على فتح فرص عمل جديدة، وسيروج لمزيد من السياحة الثقافية للمنطقة”، حسب رايه.
إسلامي ثقافي أم تجاري يهتم بالإسلام؟
ولا يتضح تماما من خلال الحوار مع الدكتور أفشار إذا كان المشروع يهدف إلى التعريف بالثقافة الإسلامية من خلال فعاليات متوالية وله رسالة واضحة، أم أنه مشروع اقتصادي بحت يمكن أن يكون على هامشه قاعة للصلاة لإستقطاب زائري برن من المسلمين من حين إلى آخر كلما حط بهم الرحال في العاصمة؟.
فوفقا لتصريحات الدكتور افشار إلى سويس انفو، فإن إدارة الفندق يمكن أن تؤول إلى شركة سويسرية متخصصة في هذا المجال، “وبالتالي لن نستطيع أن نفرض عليها نمطا معينا من الإدارة، وهو ما يعني أنه سيكون فندقا بالمفهوم الغربي المطلق تقدم فيه المشروبات الروحية”، ويحق لها بالطبع افتتاح ملهى ليلي أو قاعة للرقص، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، لتصب أيضا في تلك الشركة، التي يفترض أن يتم منها تمويل المسجد والمتحف الإسلامي.
إلا أن الدكتور افشار رفض التعليق على مثل هذه الإحتمالات، وقال بأن المشروع “مركز ثقافي كبير متشعب ومتعدد الأغراض يهدف إلى تقديم الإسلام في صورة حضارية تهتم بالجانب الثقافي والفكري من خلال المعارض والندوات والمؤتمرات المتخصصة، وأن من شأن الدول الإسلامية أو رجال الأعمال المسلمين المساهمة فيه وبالتالي فسيكون المشروع إسلاميا تماما، لا يتم فيه تداول المحرمات”، حسب قوله.
وقد اختار افشار ضاحية فانكدورف على أطراف شمال العاصمة برن لإقامة هذا المشروع فيها، في نفس الحي الذي يقع فيه الملعب الرياضي السويسري، الذي يضم أيضا سوقا تجارية كبيرة وبجواره فندق ضخم، لكن افشار يعتقد أن المنطقة تستوعب أيضا فندقا إضافيا وقاعة للمؤتمرات، ويعتقد أن الإقبال عليه سيكون جيدا، “فسفارات الدول العربية والإسلامية يمكن أن تستضيف فيه كبار الزوار، وأن تعقد فيه جلساتها، فضلا عن الساحة الاقتصادية الجيدة التي يمكن أن يوفرها هذا المكان”، حسب رأيه.
أما المتحف الإسلامي فمن المفترض – حسب فرهاد افشار دائما – أن يضم أجنحة مختلفة تعرض تسلسل الحضارة الإسلامية تاريخيا وعلميا وثقافيا، ويمكن لكل دولة أن يكون لها فيه جناح تعرض فيه ثقافتها وحضارتها من الجهة الإسلامية، ويعتقد افشار أن فكرة المتحف مهمة لتعريف الرأي العام السويسري والأوروبي بالوجه الحضاري والثقافي للإسلام، ليعتمد على المحاضرات والندوات المتخصصة.
الكلمة الأخيرة لسكان برن
وقد بدأت ردود الافعال تتوالي منذ الإعلان عن الخبر، فقال أحد ممثلي حزب الشعب (يمين متشدد) بأن “تنفيذ هذا المشروع في عداد المستحيل لأن سويسرا دولة ذات طابع مسيحي ويجب الحفاظ عليه، وعدم السماح للثقافات الدخيلة بأن تغير من هذه الصورة”، حسبما ورد في تصريح له بثه تلفزيون برن المحلي مساء الأحد 29 ابريل، الذي قال فيه أيضا “إن هذا المشروع سيراوح مكانه ولا يعتقد أنه سيتعدى الورق المرسوم عليه”.
قد يراوح مشروع افشار فعلا مكانه ويبقى على الورق، فقد سبق للجالية المسلمة في برن وأن تقدمت بمشروع لبناء مركز إسلامي في أطراف العاصمة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، ورفضه السكان خوفا من “أسلمة برن” حسب وصفهم آنذاك، ومن المتوقع إذا حظي المشروع بموافقة السلطات المحلية أن تطالب أحزاب اليمين بالرجوع إلى سكان برن للدلاء برأيهم، الذي لن يختلف على الأرجح عن رأيهم قبل أكثر من عقدين.
لكن نشر هذا الخبر في هذا التوقيت وقبل أيام معدودة من إطلاق اليمين المتشدد لمبادرة شعبية تدعو إلى حظر تشييد المآذن في سويسرا وقبل بضعة أشهر من موعد الإنتخابات البرلمانية في الخريف، سيفتح الباب أمام وسائل الإعلام للتقصي عن حقيقة عمل الجمعيات الإسلامية في كانتون ومدينة برن، التي يتهمها البعض بالغموض، ومدى الشفافية التي تتعامل بها مع السلطات والمسلمين على حد سواء، لاسيما وأن قاعات الصلاة والمراكز التي يلتقي فيها مسلمو برن تشكو دائما من نقص المال اللازم لإدارتها، فأين لها بعشرات الملايين للمشاركة في مثل هذا المشروع؟، ثم ما هي تلك المؤسسة التي تحدث عنها فرهاد أفشار كثيرا دون أن يخبر أحدا عن مؤسسيها وأعضائها ومن أين لهم بتلك الملايين التي يرغبون في المساهمة بها في هذا المشروع؟
أسئلة كثيرة لا زالت بدون جواب تحيط بمشروع مثير أثار فور لحظة الإعلان عنه جدلا كبيرا ومعارضة ملفتة.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
يتضمن المشروع المزمع إقامته في برن فندقا كبيرا بسعة 120 غرفة ، يتضمن مطعما وحماما على الطراز الشرقي، وقاعة للمؤتمرات والإحتفالات ومكاتب للشركات والمؤسسات ومتحفا ومسجدا.
يقول الدكتور فرهاد افشار أن وراء المشروع جمعية (أمة) التي تمثل حسب زعمه 11 من المنظمات والجمعيات الإسلامية في كانتون برن وهو يعتزم إطلاق اسم ابن رشد عليه.
من المفترض أن يتكلف المشروع ما بين 60 و 80 مليون فرنكا، وسيبدأ افشار في البحث عن مساهمين وممولين بعد انتهاء دراسات الجدوى والتصميمات الهندسية.
عارض حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) فكرة المشروع على الفور وطالب بحماية القيم المسيحية السويسرية، وهدد باللجوء إلى استفتاء عام لمنع المشروع، إذا وافقت عليه السلطات.
من المفترض ان يقام المشروع في ضاحية فانكدورف شمال العاصمة برن، على مساحة تتجاوز 8000 متر مربع، وتصل مساحة جميع المرافق التي من المفترض أن يتضمنها المشروع إلى أكثر من 23000 متر مربع، وتخصص بلدية برن مساحات شاسعة في تلك الضاحية للأنشطة الإقتصادية الجديدة.
يرى بعض المراقبين أن اختيار أطراف المدينة لإقامة هذا المشروع الإسلامي، موفق لأنه قد لا يثير حفيظة المعترضين، لاسيما إذا كان المبنى بطابع معماري إسلامي ومن المحتمل أن تكون به مئذنة رمزية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.