مروان البرغوثي: مقاومة لكل المواسم
لا يكاد مروان البرغوثي، امين سر حركة فتح في الضفة الغربية، يغيب عن الاضواء حتى يطل ثانية، سواء من خارج الاسر الاسرائيلي او من داخله..
وهكذا كان حاله هذه المرة مع نطق الاحتلال بحكمه بالسجن المؤبد خمس مرات وبالسجن الاضافي 40 عاما.
ترجو اسرائيل ان يعمل الحكم القاسي بحق البرغوثي، التي تمنى رئيس وزرائها ارييل شارون، موته على اعتقاله، على اسكات هذا الصوت القوي الذي طالما ارتبط بالانتفاضة والمقاومة الشعبية الفلسطينية على مدار سنوات عمره الخمس واربعين.
لكن سيرة البرغوثي، صاحب الترتيب الثالث بين ستة اشقاء لعائلة فلاحين فقيرة من قرية كوبر المجاورة لمدينة رام الله، تنطق بعكس ما تتمناه الدولة العبرية وتضج بمشوار حافل لرجل لا يعرف الكلل ولا تدرك الهزيمة لعزيمته سببا.
بل ان توقعات المراقبين تنبئ بما هو لصالحه، اذ يضعه اخر استطلاع للراي اجري في الاراضي المحتلة في المرتبة الثانية بعد الرئيس ياسر عرفات بعد ان ارتفعت شعبيته مع محاكمته وهي قد تشهد ارتفاعا اضافيا بعد صدور الحكم الجديد بحقه.
واذا كان نجم البرغوثي، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني ايضا، قد لمع مع بداية الانتفاضة، فانه استطاع ومنذ اعتقاله في منتصف نيسان/ابريل عام 2002، ان يحول أسره ومحاكمة اسرائيل له الى سبب اخر يضاف لتك التي تغذي شعبيته وتدفعها صعودا باطراد.
ولعل في تصريحاته المقتضبة بعد تلاوة الحكم الاسرائيلي ضده، ما يخبر كثيرا عن قدرته على تحويل حبسه ومحاكمته الى وسيلة اخرى مجازية لمقاومة الاحتلال والطعن في ادواته.
بل انه ذهب متحديا يقول ان “مواصلة الانتفاضة هي السبيل الوحيد نحو الاستقلال. هذا الاحتلال هو اسوأ احتلال استعماري شهدته البشرية لكنه يزول وعلى (الاسرائيليين) ان يستعدوا لجنازته”.
عدم الاعتراف بشرعية المحتل
منذ اللحظة الاولى لاعتقاله قرر البرغوثي عدم الرضوخ، بل انه واصل التحدث باسم الانتفاضة التي ارتبطت باسمه منذ اندلاعها في ايلول/سبتمبر 2000.
وفي اول فرصة سانحة للتحدث الى الصحافة التي جاءت لتغطي بدء محاكماته، قلب البرغوثي الامور راسا على عقب، وبدل ان يمتثل لسلطة المحكمة راح يعد لمحاكمة الاحتلال رافضا الاعتراف باعتقاله وجلبه للمحاكمة.
واستنادا الى المحامي جواد بولص، فان البرغوثي لايريد ان يحصر عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال في محاكمته فقط، بل في محاكمة جميع الاسرى الفلسطينيين وفي التاكيد ان هولاء جميعا ليسوا معتقلين بل اسرى اخضعوا بسبب الاحتلال.
وراح البرغوثي الذي واصلت اسرائيل عزله في زنزانة انفرادية معظم فترة حبسه الاخيرة في تحويل جميع جلسات محاكمته الى مناسبة لمحاكمة الاحتلال والتاكيد على حق الفلسطينيين في مقاومته.
ولم يترك فرصة سانحة الا وراح يردد فيها ان الانتفاضة مستمرة حتى زوال الاحتلال ومضى يقول بعد صدور الحكم ضده “مهما قتلوا واعتقلوا اشخاصا فانهم لن يثبطوا من عزيمة الشعب الفلسطيني” مضيفا “دعم مروان البرغوثي يعني دعم الكرامة والعدالة”.
لقد بنى البرغوثي قدرته هذه خلال مشوار طويل منذ لحظة اعتقاله الاولى على يد الجيش الاسرائيلي حينما لم يكن قد بلغ الخامسة عشرة بتهمة تنظيم تظاهرات واحتجاجات مناضهة للاحتلال في مدارس رام الله وبيرزيت.
ولم تكن تلك سوى بداية الرحلة التى امتدت على مدار ثلاثين عاما وقال فيها المدعي الاسرائيلي الياكيم روبنشتاين “لقد راجعت ملفات البرغوثي طوال ثلاثين وأستطيع القول انه لايتراجع ابدا”.
خلال ذلك تقدم البرغوثي ليشارك في تاسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية ولجان العمل الشعبي المنبثقة عنها في بداية الثمانينات والتي لعبت لاحقا دورا اساسيا في تفجير وادارة الانتفاضة الاولى (1987-1994).
شعبية في صفوف جميع الفصائل
يملك البرغوثي قدرة عالية على جمع الجماهير من حوله، وهو الذي كان اصغر اعضاء المجلس الثوري لحركة فتح سنا عند انتخابه لهذه الهيئة الوسيطة بين اللجنة المركزية والمؤتمر العام للحركة، وتمكن دوما من المبادرة الى المقاومة والدفاع عن الحقوق.
واذا كانت دعواته الاصلاحية ونداءاته الملحة وتجاربه، خلال سنوات الحكم الذاتي الاولى، لاجراء انتخابات داخلية في حركة فتح قد جرت عليه غضب المتنفذين الكبار في هذه الحركة الفلسطينية الاولى، فانها ساعدت في تكريسه قائدا جماهيريا قريبا من جميع الفصائل والحركات الوطنية والاسلامية على حد سواء.
وهو لم يابه لتلك المعارضة القوية، بل بادر الى تنظيم اول انتخابات داخلية في حركة فتح في داخل الاراضي المحتلة بالرغم من انه كانت انتخب نائبا للراحل فيصل الحسيني وامين سر الحركة في الضفة الغربية بعد عودته من المنفى عام 1994.
وتعززت شعبية البرغوثي لاحقا بشكل كبير بعد تبوئه المنصب غير المعلن، متحدثا باسم الانتفاضة، وكذلك علاقاته الوثيقة مع جميع قادة الفصائل الاخرى لاسيما حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة الجهاد الاسلامي.
وقد استطاع ان يجمع مندوبين من هذه الفصائل والحركات المختلفة الرؤى والاجتهادات في اطار ما بات يعرف باسم “لجنة القوى الوطنية والاسلامية” التي تدير فعاليات الانتفاضة اليومية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع اندلاع الانتفاضة الثانية في اواخر ايلول/سبتمبر 2000 عمت صورة وصوت هذا الفلسطيني الاسمر، الرشيق القصير القامة، الذي يحمل اجازة في العلاقات الدولية من جامعة بيرزيت، وسائل الاعلام المختلفة متحدثا عن اهداف الانتفاضة ومطالب الفلسطينيين بالاستقلال.
ومن الملفت ان البرغوثي الذي يتحدت العبرية بطلاقة بعدما تعلمها في السجون الاسرائيلية، كان احد ابرز الشخصيات الفلسطينية التي ظلت على اتصال دائم مع نشطاء السلام الاسرائيليين حتى اندلاع الانتفاضة الاخيرة.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.