مسار الاتفاقيات الثنائية يُواجه خيار الربح الكامل أو الخسارة
إذا أقر السويسريون التمديد للاتفاقية حول التنقل الحر بين بلادهم والإتحاد الأوروبي، فإنهم بذلك يقرون آليا بتوسيع نطاقها لتشمل رومانيا وبلغاريا اللتين التحقتا مؤخرا بالمنظومة الأوروبية.
ومع أن هذا الرابط الذي أقره مجلس الشيوخ مؤخرا بين المسألتين أثار حفيظة اليمين المتشدد، إلا أنه يحد في الوقت نفسه من مخاطر تنظيم أي استفتاء شعبي محتمل حول المسألة في المستقبل.
وتمثل سنة 2009، محطة هامة بالنسبة للسياسة الأوروبية التي تتبعها سويسرا. ومن خلال الاستفتاء على التمديد لاتفاقية التنقل الحر وتوسعة مجاله ليشمل البلدان الأعضاء الجدد في الإتحاد، سوف يتحدد مصير الاتفاقيات الثنائية التي تم التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى المستوى السياسي، تجري الاستعدادات على قدم وساق لخوض هذه المنازلة الجديدة. فقد أقر مجلس الشيوخ في دورة خاصة عقدها نهاية أبريل الماضي جمع المسألتين في حزمة واحدة حتى إذا ما نظّم استفتاء عام بشأنهما فلا يمكن للشعب إصدار حكمه عليهما كمسألتين منفصلتين.
ويكون مجلس الشيوخ بقراره هذا قد خالف ما اقترحته الحكومة الفدرالية، إذ عرضت على البرلمان في البداية قرارين منفصلين. وسيحدد مجلس النواب موقفه من المسألة في يونيو، خلال دورته الصيفية.
ولقد آثر أعضاء مجلس الشيوخ (الذي يُمثل فيه كل كانتون بنائبين وكل نصف كانتون بنائب واحد) إتباع إستراتيجية من شأنها تحويل أي اقتراع قد ينظم في المستقبل إلى ما يشبه استفتاء عاما وشاملا على الاتفاقيات الثنائية مع بروكسل. وهي إستراتيجية يمكن النظر إليها على اعتبار أنها خطوة استباقية في مواجهة تهديدات حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) بالدعوة لتنظيم استفتاء عام.
التعدّي على حقوق الشعب
ويشير أندرياس لادنار، وهو محلل سياسي من برن إلى أن “حزب الشعب يشعر بضيق كبير. لقد كان يرغب في التصويت بنعم على الاتفاق الأساسي المتعلق بحرية التنقل، وتنظيم حملة سهلة لمعارضة توسعة نطاق ذلك الاتفاق حتى يشمل البلدين العضوين الجدد”. وبالنسبة لهذا المحلل السياسي، فقد كان الهدف من الخطوة التي أقدم عليها مجلس الشيوخ، تضييق دائرة المناورة أمام حزب الشعب.
وخلال المناقشة انتقد نواب اليمين المتشدد “التدابير التكتيكية ” لأعضاء مجلس الشيوخ. واعتبر أعضاء حزب الشعب أن جمع المسألتين في حزمة واحدة لا يحترم حقوق المواطنين، بل ذهب كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة السابق، إلى حد وصف الربط بين المسألتين “بالخطوة الحقيرة”.
ويعود الأمر إلى سنة 2000، إذ ظهرت خلال التصويت على الاتفاقيات الثنائية الأولى، مخاوف قوية لدى الرأي العام حول مضاعفات تلك الاتفاقيات على سوق العمل المحلية، وهو ما أرغم الساسة على تقديم ضمانات بأن يتاح للمواطنين التعبير عن رأيهم مجددا بعد انقضاء فترة تجريبية سواء حول الاتفاقيات المتعلقة بالتنقل الحر، أو بخصوص توسيعها لتشمل الأعضاء الجدد الملتحقين بالإتحاد الأوروبي.
ويرى الداعمون للاتفاقيات الثنائية أن الخيار الوحيد المتاح هو ربط المسألتين ببعضهما البعض. وشدد ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ من الحزب الراديكالي والعضو باللجنة المعنية داخل مجلس الشيوخ إلى عدم وجود خيار بين اتفاق التنقل الحر للأشخاص مع أعضاء الإتحاد الأوروبي الخمسة والعشرين، وأعضاء الإتحاد الأوروبي السبعة والعشرين.
كما يؤكد ديك مارتي على أهمية مبدأ عدم التمييز، وهو مبدأ أساسي بالنسبة لسياسة الاتحاد الأوروبي التي لا تقبل حرية التنقل “بحسب بطاقة الهوية” كما يُفترض أن يكون الحال عليه في صورة رفض السويسريين توسعة مجال حرية التنقل لتشمل كلا من رومانيا وبلغاريا.
البند المقصلة
بدوره يشير كلاوس أرمينجيون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برن، إلى سلامة موقف حزب الشعب في اعتباره أن المسألة تتعلق بملفين مختلفين تماما، لكنه، يقر أنه في حالة الفصل، سيكون التصويت بمثابة عملية خداع، لأن رفض توسعة حرية التنقل لرعايا رومانيا وبلغاريا، سيعني بالنسبة للإتحاد الأوروبي، عمليا رفض التمديد لاتفاقيات التنقل الحر بين سويسرا والإتحاد الأوروبي.
وجهة النظر هذه يتقاسمها أيضا لورانت غوشال، من المعهد الأوروبي بجامعة بازل الذي يعتقد هو الآخر أن “الربط بين المسألتين يجعل الموقف أكثر صدقية وموثوقية، لأنه إذا أرادت سويسرا اتفاقا للتنقل الحر، فيتوجب عليها، على المستويين المتوسط والبعيد، إبرام ذاك الاتفاق مع جميع الدول الأعضاء في الإتحاد”.
و يثير المحللون السياسيون أيضا، إلى جانب رفض التمييز بين البلدان الأعضاء في الإتحاد، البند الشهير الذي ينص على إبطال الاتفاقيات الثنائية الست الأولى إذا ما رفض التمديد للاتفاقية الأساسية حول حرية تنقل الأشخاص.
ويعلق على ذلك لورانت غوشتال بالقول: “في تلك الحالة، لا يمكن تصور ما سيكون عليه رد فعل الإتحاد الأوروبي”. فبالنسبة للإتحاد، فإن التنقل الحر للأشخاص يمثل ركنا أساسيا في مسار العلاقات الثنائية.
وأما كلاوس أرمينجيوم، فيخشى من أن ينظر الأوروبيون إلى رفض توسعة مجال اتفاقية التنقل الحر على أنه “إهانة، فيكون لها مضاعفاتها على علاقات التعاون الجيدة بين الإتحاد الأوروبي وسويسرا”، بما في ذلك العلاقات على المستوى الاقتصادي.
توحد كلمة الفاعلين الاقتصاديين
الدوائر الاقتصادية من جهتها أيضا رفعت صوتها مبرزة إيجابيات اتفاقيات التنقل الحر. وبحسب استقصاء أجرته مؤسسة رابطة الشركات السويسرية، أزيد من 80% من الشركات السويسرية تدعم تمديد العمل بهذه الاتفاقيات، وتعتبرها مفيدة ومجدية بالنسبة للاقتصاد.
وترى أكثر من 60% من الشركات التي أعربت عن رأيها بأن حرية التنقل لم تفرز ضغوطا على الأجور. في المقابل، يعبر النقابيون عن وجهة نظر أخرى ويطالبون باتخاذ جملة من الإجراءات المرافقة من أجل تجنب إغراق الأجور.
وفي هذا المستوى، يُبدي الساسة بدورهم قدرا كبيرا من الحذر. ذلك أن اتفاقية العمل المشتركة التي تم التوصل لها أخيرا في قطاع البناء (بين أرباب العمل وممثلي العمال) قد أبرمت تحت طائل الخوف من رؤية النقابيين يلتجئون إلى سلاح الاستفتاء العام.
ويحذّر كلاوس أرمنجيون من أن “أي قرار سلبي تتخذه سويسرا، ستكون له مضاعفاته على المستوى الاقتصادي”، وذكّـر بالمناسبة بأهمية العلاقة مع الإتحاد الأوروبي كشريك تجاري، إذ أن كل فرنك من ثلاث فرنكات تحصل عليها في سويسرا حاليا، يأتي من التبادل التجاري مع دول الإتحاد.
سويس انفو – كارول فالتي.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
تنظم العلاقة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي بشكل ثنائي. وتتعلق الاتفاقيات الثنائية الأولى (1999) أساسا بفتح متبادل للأسواق. وتشمل سبعة ميادين: التنقل الحر للأشخاص، رفع العوائق التقنية أمام التبادل التجاري، فتح الأسواق العمومية، الزراعة، والنقل الجوي والبري، ومشاركة سويسرا في برامج الأبحاث الأوروبية.
أما الاتفاقيات الثنائية الثانية، فتغطي مجالات اقتصادية إضافية، وتوسع التعاون السويسري الأوروبي إلى ميادين سياسية تشمل قضايا الأمن الداخلي، واللجوء، والبيئة والثقافة. وتتعلق أيضا بالملفات التالية: اتفاقيات شيغن ودبلن، و الضريبة على الادخار، والمنتجات الزراعية الموجهة للتصنيع، والتعاون في المجال الإعلامي، والبيئة والإحصاء ومكافحة الغش، ونظام التقاعد، والتعليم والتكوين المهني.
يمثل اتفاق التنقل الحر جزءً من المجموعة الأولى من الاتفاقيات الثنائية. وهو يتعلق في الأصل بالدول الخمسة عشر الأولى التي كانت تشكل الإتحاد الأوروبي. ودخل هذا الاتفاق حيز النفاذ في فاتح يونيو 2002.
وفي سبتمبر 2005، قبل السويسريون بتوسعة إطار هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى الإتحاد الأوروبي في مايو 2004.
وينتهي العمل باتفاقية التنقل الحر بين سويسرا والإتحاد الأوروبي مع موفي 2008. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمكن تمديد العمل بهذا الاتفاق آليا، لكن الأمر يتطلب من الجانب السويسري إجراء استفتاء اختياري. ويصبح الاستفتاء إجباريا إذا طالب به 50.000 مواطن سويسري. عندئذ يجب تنظيم الاستفتاء في ربيع 2009. ولكن، حتى الآن، لم يطالب بذلك لا حزب الشعب ولا النقابات.
من ناحية أخرى، يتطلب انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الإتحاد الأوروبي في فاتح يناير 2007، إجراء استفتاء آخر لتوسعة نطاق اتفاقية التنقل الحر. وحول هذه النقطة، من المرجح أن يطالب حزب الشعب بعرضه في استفتاء شعبي عام، ولكن التهديدات التي أطلقها الحزب صدرت قبل اتخاذ مجلس الشيوخ لقراره الداعي إلى ربط هذه التوسعة بالاتفاقية الأساسية للتنقل الحر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.