مستقبل السعودية “غامض ومشروط”
يستأثر الوضع الأمني المتفاقم في المملكة العربية السعودية باهتمام خاص من لدن المراقبين والمحللين الخليجيين، بالنظر إلى ما تمثله المملكة من ثقل إقليمي هام.
وعلى الرغم من اختلاف التقييمات إلا أن معظم المراقبين يُقرون بأن الإصلاح بات “ضرورة مستعجلة لا تحتمل التسويف ولا التردد”.
قال الدكتور منصور الجمري، رئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية لسويس انفو إن “العالمين العربي والإسلامي برمتهما يتأثران بما يحدث في المملكة العربية السعودية، وليس فقط البلاد الواقعة على حدودها الجغرافية المباشرة”.
وقد اشتد الانتباه لما يجري في المملكة منذ زهاء عام، عندما تكاثرت أصوات الاحتجاج والمطالبة بالإصلاح، والتي سرعان ما تحوّلت إلى أصوات رصاص متسارعة الوتيرة في قلب المدن السعودية، وفي عز النهار، فغطّـى صوت الأمن على أصوات “الحوار” مؤقتا، على الأقل، ولم يعد بمقدور أحد من المراقبين استشراف ما يحمله المستقبل على وجه الدقة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، إن “هذه الظاهرة المُـخيفة كانت تستهدف قوى أجنبية، ثم انتقلت لمواجهة قوى أمنية وطنية.. وما يدرينا ماذا سيحدث غدا”، ثم استطرد المسفر قائلا “من يعلم؟ فقد تطول قوى الشر مقر ولاة الأمر، بالرغم من كل الاحتياطات التي يُـمكن أن تُـتّـخذ”. ففي رأيه، “تظل الحركات السرية أكثر قدرة على إلحاق الأذى بجحافل الجيوش ومواكب قوى الأمن، وطوابير الجواسيس”.
ثم تخلى المتحدث عن غموضه قليلا، وقال لسويس انفو، إن “المستقبل يتوقّـف على كيفية مُـعالجة هذه الظاهرة المُـتفاقمة في المملكة”، وبأكثر وضوح، يُـشير الدكتور المسفر إلى أن “الأمريكان يريدون تغيير الصيغ والخرائط في المنطقة، وتفادي ذلك يتوقّـف على مدى وعي الجميع بالتحدي الخطير”.
خـلاف في التقييم
ولا يبتعد تحليل الدكتور الجمري حول مستقبل المملكة العربية السعودية كثيرا عن تساؤلات الدكتور المسفر المعلقة، إذ يقول “فعلا، هناك بعض الغموض”، ثم يستطرد “لا محالة، هناك إرادة واضحة في مواجهة المتطرفين على المستوى الأمني، لكنها غير كافية”.
وغير بعيد عنهما، يقف مدير مركز الدراسات للخليج بجامعة قطر، الدكتور حسن الأنصاري الذي يعتقد أن مستقبل المملكة يتوقّـف على مدى جدية أصحاب القرار فيها بشأن عملية الإصلاح الشاملة والعاجلة. لكن آراء النخب الخليجية تتفارق عندما تلج إلى التفاصيل.
وفي حين يعتقد الدكتور المسفر أن “السبيل إلى إيقاف هذا العمل الباغي، علينا جميعا الحوار مع من يعتقد أنه يمثل هذه الفئة من أصحاب العنف”، مواصلا الاستدلال على صحة طرحه بالقول إن “الله عز وجل تحاور مع إبليس وجادله من عليائه السامية”. ويعتقد الأستاذ المسفر أن “مواجهة العنف بالعنف أمر في غاية الخطورة”.
أما الدكتور الأنصاري، فإنه يعارض محاورة الإرهابيين، لكنه ينصح “بالتعامل السريع مع البيئة التي أفرزت الإرهاب”. ومن جانبه، ينصح الدكتور منصور الجمري “بفتح قنوات الحوار مع المعتدلين لتطويق المتطرفين في المملكة”، ويرى أن هناك “مؤشرات جدية من طرف الأمير عبد الله بن عبد العزيز في هذا الاتجاه.
لكن المفكر الكويتي، الدكتور محمد الرميحي يختلف مع هذه الآراء، إذ يرى أن “قنوات الوصل والاتصال ليست مقفلة بين الحاكم والمحكوم لمن يعرف المملكة العربية السعودية”، ويضيف “بل إنها تطورت من علاقات الوجه بالوجه إلى مساحات أوسع من وسائل الاتصال الحديثة، وخاصة في الصحافة والإنترنت”. ولذلك، يتساءل الرميحي “لماذا يحدث هذا؟” ويسرد شواهد عما يعتبره تواصلا بين القيادة والشعب في السعودية، لكنه يُـلمّـح إلى ثلاثة عناصر يعتقد أنها ساهمت في خلق بيئة الإرهاب وهي “التثقيف، والتمويل والتدريب”.
ويرى الرميحي أن “تثقيفا طويل المدى مركّـزا من قبل البعض لا يزال مع الأسف تنسحب ذيوله على طائفة كبيرة من الشباب”، ثم يستعرض في معرض حديثه عن باب “التمويل والاحتضان” حاجة الإرهابيين إلى الكثير من الدعم المالي و”الاحتضان المعنوي”، ومنها يمر إلى التدريب، مستخلصا أن الإرهابيين “أقلية نشيطة عالية الصوت والفعل تتغذى على حلقات أوسع منها تساعدها، إما بسذاجة أو بقصد”.
وينصح المتحدث تخفيض درجة التعاطف إلى الصفر “بإدانة العنف العشوائي المشاهد، واستعمال العقول قبل الألسن وتحويل المتفجرات إلى شفرات حراثة وكراسي تعليم”.
صوت الأغلبية الصامتة..
الدكتور محمد المسفر له رأي آخر في الأسباب، ويعود إلى الوجهين، السياسي والعسكري اللذان عمّـا منطقة الخليج منذ تواجدت بها القوات الأجنبية، بحجة إخراج العراق من الكويت بالقوة. وينتهز الفرصة ليقول “لقد نبّـهت بالصوت وبالصورة إلى المخاطر المحدقة، وتحدثت في أكثر من منبر، فلم يُـصدق القوم ولم يعتبر صاحب القرار في العالم العربي بأحداث التاريخ”.
ويضيف المسفر أنه “نتيجة لذلك، أدخلت إلي المنطقة ثقافة العنف المسلح، وأخذت تتجذر في المجتمعات الخليجية، وأصبح لها جنودها وممولوها والناطقون باسمها، حتى جاءت الطامة الكبرى بالغزو الأمريكي للعراق”. ويخلّـص الدكتور المسفر إلى نتيجة أنه “في ظل هذه الأجواء، استشرت قوى الشر في المملكة العربية السعودية”.
وفي ضوء الاختلاف في التشخيص وفي توصيف العلاج بين النخب الخليجية المنقسمة بين التفاؤل المشوب بالحذر، وبين التشاؤم من المستقبل المنظور في المملكة العربية السعودية، يدعو الدكتور الرميحي إلى “إسماع صوت الأغلبية الصامتة ذات المصلحة الحقيقية في تطوير المجتمع والسير به نحو الأفضل”.
لكن مراقبين كثيرين يتوجسون من البطء الشديد البادي على مسيرة الإصلاح السعودي، ويعتقد بعضهم أنه قد يكون فات أوان العلاج وسط التناقضات والضغوط المحلية والإقليمية والدولية، التي باتت ترزح تحتها المملكة العربية السعودية.
ويقول الدكتور حسن الأنصاري إن “الإصلاح بات ضرورة مستعجلة لا تحتمل التسويف ولا التردد، لأن الوقت ليس في صالح المملكة”.
غير أن الدكتور منصور الجمري يُـقلل من خطورة ذلك، ويطلب تفهم البطء العائد “إلى طبيعة النظام السعودي وإلى طبيعة السعودية الصعبة والمعقدة”. فالتحالفات القبلية والدينية تبرر البطء في نظره، والمستقبل يظل محفوفا بالغموض، رغم أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تناست تناقضاتها وخلافاتها مع الرياض، وهبت للإدانة ولإبداء المساندة، وهو أمر يعكس إلى حدّ كبير الخوف من “الآثار المباشرة التي ستُـلحق الجميع، خيرا أو شرا يُـلحق المملكة العربية السعودية”، حسب تعبير الدكتور الجمري.
فيصل البعطوط – الدوحة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.