مسيرة النساء تعبـُر سويسرا بحُلوها ومرّها
تعبر مسيرة النساء العالمية من 10 إلى 14 يونيو الجاري الأراضي السويسرية حاملة ميثاقا عالميا من أجل الإنسانية يطالب بالحرية والمساواة والتضامن والعدل والسلام.
وتسعى قافلة النساء التي انطلقت من البرازيل يوم 8 مارس الماضي باتجاه خمسين دولة إلى تعبئة الرأي العام من أجل القضاء على الفقر والعنف تجاه النساء.
“نحن النساء، نسير منذ أمد طويل لإدانة ما نتكبده من قمع بصفتنا نساء وللمطالبة بوقفه، وللقول إن ثمة نهاية للسيطرة والاستغلال والأنانية والسعي الجامح إلى تحقيق الربح المفضي إلى المظالم والحروب والغزوات والعنف”.
هكذا تستهل مسيرة النساء العالمية “ميثاق النساء العالمي من أجل الإنسانية” الذي تمت المصادقة عليه يوم 10 ديسمبر 2004 أثناء الملتقى الدولي الخامس لمسيرة النساء العالمية في كيغالي برواندا.
ويهدف الميثاق إلى تحقيق مشروع طموح يتمثل في تغيير العالم عبر ترسيخ واحترام خمسة قيم هي: المساواة والحرية والتضامن والعدل والسلام.
وتـُقدم مسيرة النساء العالمية نفسها كـ”حركة مكونة من مجموعات نساء من مختلف الأصول العرقية والثقافية والدينية والسياسية والشرائح الإجتماعية والأعمار والتوجهات الجنسية”.
وتوضح التصور الذي تقوم عليه بالقول: “بدل أن يُفرقنا هذا التنوع، فهو يوحدنا في تضامن أشمل”.
“إن عالما آخر ممكن”
وقد حددت مسيرة النساء العالمية لدى انطلاقها في عام 2000 برنامجا سياسيا يتضمن 17 مطلبا ملموسا من أجل القضاء على الفقر في العالم، وتحقيق تقاسم الثروات، واستئصال العنف تجاه النساء، وضمان احترام سلامتهن الجسدية والمعنوية.
وقدمت مسيرة النساء العالمية تلك المطالب إلى المسؤولين في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والأمم المتحدة. لكنها أكدت أنها “لم تتوصل بأي رد ملموس”، مذكرة أنها سلمت نفس المطالب أيضا إلى نواب ورؤساء الدول التي تنتمي إليها مختلف مجموعات المسيرة.
عدم الاستجابة لمطالب المسيرة من طرف الهيئات الدولية أو الوطنية لم يكبل أيدي النساء ومختلف الجمعيات المشاركة في المسيرة (ليس بالضرورة نسائية)، بل دفعها إلى مواصلة المشوار للدفاع عن مطالبها من دون توقف.
وتقول مسيرة النساء العالمية في هذا السياق: “نحن نقترح بدائل لبناء عالم آخر. وننشط داخل حركات اجتماعية بالعالم وبمجتمعاتنا. ونعمل على تعميق الوعي حول مكانة النساء في العالم وما يجب أن تكون عليه. وبميثاق النساء العالمي من أجل الإنسانية وبتحركاتنا المستقبلية، نؤكد مجددا أن عالما آخر ممكن، عالما مفعما بالأمل والحياة (…)”.
ومن هذا المنطلق، تم تنظيم مسيرة النساء العالمية الثانية التي شدت الرحال يوم 8 مارس الماضي (الذي يصادف يوم المرأة العالمي) من البرازيل باتجاه 50 دولة وإقليم بهدف الترويج لمضمون الميثاق وتجميع المطالب الخاصة بكل بلد.
ويذكر أن مسيرة النساء العالمية الأولى كانت قد انطلقت كذلك يوم 8 مارس 2000 لنشر الوعي بضرورة القضاء على الفقر والعنف تجاه النساء. وجاء تنظيمها كرد فعل على محن نساء العالم التي برزت أثناء انعقاد المؤتمر العالمي الرابع حول المرأة في بيكين في سبتمبر 1995. وسرعان ما تحولت مسيرة النساء العالمية إلى حركة واسعة جمعت في عام 2000 أكثر من 5500 مجموعة التحقت بمسيرة عبرت 163 دولة وإقليما للتعبير عن مطالب مشتركة.
“مفاجئة سعيدة” و”عبور رمزي”
ومازال القضاء على الفقر والعنف إزاء النساء المطلبين الرئيسيين لحركة مسيرة النساء العالمية التي وصلت يوم الجمعة 10 يونيو الجاري إلى مدينة بازل السويسرية قادمة من بلغاريا، في جولة ستقودها إلى عدد من الكانتونات إلى غاية يوم الثلاثاء 14 قبل أن تغادر جنيف باتجاه إسبانيا.
ولا تعد المسيرة حدثا جديدا في سويسرا، فهي قد شاركت بأكثر من 200 مجموعة نسائية في مسيرة النساء العالمية الأولى عام 2000. ونظمت تلك المجموعات لمدة ثمانية أشهر جملة من الفعاليات على مستوى البلديات والكانتونات وعلى المستوى الوطني (من حلقات دراسية وعروض مسرحية في الشوارع ومعارض…).
وفي يناير عام 2002، قدمت هذه المجموعات مطالبها إلى الحكومة الفدرالية. ولمواصلة النشاطات الوطنية بجد وفعالية، أنشأت الفرق والجمعيات النسائية “التنسيق السويسري لمسيرة النساء العالمية”.
عن المشاركة السويسرية الثانية في مسيرة النساء العالمية، صرحت ميشيل شبيلر، عضو فريق التنسيق في سويسرا: “إن هذه الحركة اكتست أهمية تفوق بكثير ما كنا نتصوره في البداية. (…) في عام 2000، كان الأمر يتعلق بحدث فريد تطلب 8 أشهر من العمل، ونحن الآن نستمتع بمفاجأة سعيدة إذ نرى أن النساء مستعدات مرة أخرى للقيام بمجهود مماثل”.
وقد أشار التنسيق السويسري للمسيرة في موقعه على الإنترنت إلى أنه أراد أن تكتسي جولة قافلة النساء في سويسرا طابعا رمزيا بانطلاقها من منطقة حدودية (بازل) واختتامها في منطقة حدودية أيضا (جنيف). ويسعى التنسيق من خلال هذه البادرة إبلاغ رسالة مفادها أن “سويسرا بلد متضامن يفتح حدوده وأبوابه لضحايا الحروب السياسية والاقتصادية والأبوية” (نظام الأبوية).
وقد توجهت القافلة بعد زيارتها يوم الجمعة لبازل وأراو وزيورخ، إلى لوسيرن وبرن وبيين يوم السبت، قبل توقفها في نوشاتيل يوم الأحد. وتواصل المسيرة رحلتها يوم الإثنين في فريبورغ ولوزان ومورج ونيون، قبل أن تختتم جولتها السويسرية يوم الثلاثاء في جنيف حيث ستغادر إلى إسبانيا.
مطالب نساء بلد غني…
ولن تمر قافلة النساء في سويسرا مرور الكرام إذ حرص المنظمون على الابتكار للفت انتباه الجمهور أينما حلت القافلة، حيث تم اختيار ألوان ناصعة وجذابة لتزيين مواكب القافلة، كما تمت برمجة فعاليات متنوعة، من مسيرات وجولات بالدراجات الهوائية ووجبات وتظاهرات في الهواء الطلق ومعارض وأفلام… وسيأخذ الكلمة خلال تلك الفعاليات ممثلون عن السلطات السياسية والنقابات والمدافعين عن حقوق المرأة.
وضمن هذا الإطار شبه الاحتفالي سيتقدم التنسيق السويسري لمسيرة النساء العالمية بقائمة المطالب الوطنية التي ستلتحق بالمطالب العالمية لنساء كافة الدول والأقاليم المشاركة في المسيرة.
وقد أصرت نساء سويسرا المشاركات في المسيرة على التذكير -قبل عرض مطالبهن- بانتمائهن إلى بلد من أغنى بلدان العالم. لذلك فهن لم يترددن في دعوة دولتهم إلى الالتزام بإلغاء ديون الدول الأكثر فقرا. وتتضمن قائمة المطالب أيضا:
العيش دون خوف (مثل العنف الجسدي والنفسي والجنسي داخل الأسرة، وفي الشارع وفي العمل)، والحصول على وسائل العيش بكرامة (سواء تعلق الأمر بالأجور أو معاشات التقاعد أو المساعدات العائلية…)، والحرية (حرية السفر والإقامة والعمل دون تمييز حسب الجنسية والوضع العائلي أو القانوني…) وضمان مساواة الحقوق، والاعتراف بحقوق المثليين، والإبقاء على خدمات القطاع العام وتحسينها، والعيش بشكل أفضل (على مستوى السكن، وخفض سن التقاعد على سبيل المثال)، والحفاظ على الطبيعة والكائنات الحية، والترويج للسلام والتعاون الدولي.
فسيفساء..بين المثالي والواقعي
جدير بالذكر أن مسيرة النساء العالمية الثانية -التي تُعتبر محاولة لعولمة التضامن وتعزيز قوة التحالف بين النساء والحركات الإجتماعية في العالم- ستُختتم بيوم أطلق عليه “24 ساعة للتضامن العالمي للنساء” في 17 أكتوبر بدولة بوركينا فاسو الإفريقية.
واتفقت المسيرة العالمية على أن تُنتظم في الساعة الثانية عشر ظهرا –حسب التوقيت المحلي لكل الدول المشاركة- أنشطة محلية عامة تعبيرا عن التضامن مع نساء العالم اللاتي تحاربن العنف والفقر.
ومن الأنشطة المثيرة المقترحة خلال مسيرة النساء العالمية الثانية دعوة المنظمين لنساء كافة الدول المشاركة إلى تجسيد تصورهن لـ”العالم المثالي” على مربع من القماش بهدف تجميع كافة القطع الفنية في ختام المسيرة لتكوين غطاء كالفسيفساء. وسيقوم الغطاء بدوره بمسيرة عبر الدول المشاركة لتكتشفها باقي نساء العالم.
العبرة من قماش الفسيفساء تكمن بلا شك في أن تنوع الثقافات والديانات واللغات والأصول لا يتعارض مع إمكانية تضامن ووحدة الإنسانية لتحقيق سعادة مشتركة، لكن فكرة الفسيفساء المثالي ستصطدم بلا شك بواقع الخلل الهائل القائم في العالم على المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، والذي بات يرسخ يوما بعد يوم هوة متنامية بين الشعوب.
إصلاح بخات – سويس انفو
10 ديسمبر 2004: تمت المصادقة على “ميثاق النساء العالمي من أجل الإنسانية” خلال الملتقى الدولي الخامس لمسيرة النساء العالمية في كيغالي برواندا.
يتضمن الميثاق خمسة مطالب: المساواة، الحرية، التضامن، العدالة والسلام.
انطلقت مسيرة النساء العالمية الثانية يوم 8 مارس الماضي (يوم المرأة العالمي) من البرازيل. وستُختتم في بوركينا فاسو يوم 17 أكتوبر القادم (اليوم العالمي للقضاء على الفقر).
في سويسرا، تنطلق قافلة ميثاق النساء العالمي من بازل يوم 10 يونيو لتعبر عدة كانتونات قبل أن تصل إلى جنيف يوم 14 يونيو، ثم تغادر الكنفدرالية باتجاه إسبانيا.
انتظمت مسيرة النساء العالمية الأولى عام 2000.
جاءت فكرة مسيرة عاليمة للنساء من المسيرة التي نظمتها رابطة النساء في كيبيك بكندا عام 1995 ضد الفقر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.