مشاعرُ العداء لأمريكا نارٌ لم تخمد..
من يسبر أغوار تقرير لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر الإرهابية يتأكد من إقرار اللجنة بتزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي.
في الأثناء، أظهرت دراستان أمريكيتان لاستطلاع الآراء في عدد من الدول العربية زيادة متواصلة في مشاعر العداء للولايات المتحدة ولسياساتها في الشرق الأوسط.
مع أن الأنظار تركزت في تقرير لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر الإرهابية على توصيات خاصة بإعادة تنظيم أجهزة المخابرات الأمريكية ووضعها تحت إشراف مسؤول واحد بدرجة وزير، إلا أن من يسبر أغوار التقرير يتأكد من إقرار اللجنة أيضا بتزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي والتوصية بزيادة التفاهم والحوار مع الدول العربية والإسلامية ومواجهة حرب الأفكار لكسب العقول والقلوب في تلك الدول.
وفي تعبير اللجنة عن قلقها إزاء خسارة معركة العقول والقلوب ذكر تقريرها أن استطلاعات الراي العام في الدول العربية والإسلامية في عام 2002 أظهرت أن نسبة من يحتفظون بمشاعر مواتية نحو الولايات المتحدة تراوحت بين 21 إلى 15%، فقط حتى في الدول الصديقة للولايات المتحدة مثل السعودية ومصر.
وبحلول عام 2003، توسعت رقعة المشاعر المعادية للولايات المتحدة لتغطي أرجاء أخرى من العالم الإسلامي. وانخفضت نسبة المحبين لأمريكا في إندونيسيا من 61 % إلى 15%. ولم تغفل اللجنة أن تنسب تلك الخسائر في معركة العقول والقلوب إلى السياسة الأمريكية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي والحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق.
ولكنها أوصت كذلك بأن توضح الحكومة الأمريكية من خلال عملها أنها تسعى إلى أن تمثل الولايات المتحدة مثالا للزعامة الأخلاقية في العالم من خلال التعامل الإنساني مع الشعوب واحترام القانون والاهتمام بالآخرين، وأن بالإمكان التوصل إلى اتفاق مع أصدقاء أمريكا من المسلمين على احترام الكرامة الإنسانية والعمل مع الزعماء ذوي الأفكار الطيبة في العالمين العربي والإسلامي للتوصل إلى القواسم المشتركة، والتوقف عن التعاون مع الحكومات القمعية في العالم العربي والعالم الإسلامي.
ونبه تقرير لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر إلى أهمية القيام بجهود جسورة لإعادة تعريف العرب والمسلمين بالمبادئ والقيم الأمريكية، وكيف أنها دافعت عن المسلمين ضد الطغاة والمجرمين في كل من الصومال والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان والعراق، وإلا فسيتولى المتطرفون رسم صورة أمريكا كما يريدون.
واستشهد التقرير بمقولة للسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة ريتشارد هولبروك قال فيها “كيف يمكن لرجل يعيش في الكهوف مثل بن لادن أن يتغلب في معركة الإعلام على الولايات المتحدة قائدة مجتمعات الإعلام؟”.
ولم يخف نائب رئيس اللجنة عضو الكونجرس السابق لي هاميلتون قلقه من تزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي وفي مصر بالتحديد حيث وصلت نسبة من يشعرون بتك المشاعر إلى 98 %!
خسائر جديدة في معركة العقول والقلوب
أظهرت دراستان لاستطلاع آراء المواطنين العرب في عدد من الدول العربية زيادة متواصلة في مشاعر العداء للولايات المتحدة ولسياساتها في الشرق الأوسط خاصة الحرب التي شنتها على العراق ومساندتها لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون.
وكشف الدكتور شبلي تلحمي أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية بجامعة ميريلاند النقاب عن نتائج الدراسة التي أجراها في كل من الأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وشملت 3300 مواطنا عربيا.
وقال الدكتور تلحمي إن زيادة المشاعر المعادية للولايات المتحدة بينهم انعكست في إجاباتهم عن سؤال عن الزعيم السياسي الذي لا يكنون له الإعجاب فجاء شارون في المركز الأول بنسب متفاوتة أعلاها في لبنان والإمارات بنسبة 64%، ثم المغرب بنسبة 63%، فالأردن بنسبة 61% والمملكة السعودية بنسبة 49%.
وكان من الملفت للنظر أن الرئيس بوش جاء في المركز الثاني بعد شارون. وكانت أعلى نسبة من غير المحبين له في السعودية حيث وصلت إلى 39%، ثم المغرب بنسبة 27%، فلبنان والأردن بنسبة 21%، ثم الإمارات بنسبة 19%.
وأضاف الدكتور تلحمي أن غالبية من شاركوا في الاستطلاع في خمس من الدول العربية الست التي شملها البحث قالوا إن السياسة الأمريكية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي كانت عاملا بالغ الأهمية في تشكيل مواقفهم إزاء الولايات المتحدة، غير أنه أشار كذلك إلى أن شن الحرب على العراق أجج مشاعر الشك في النوايا الأمريكية إزاء المنطقة فقد عبرت غالبية من شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم بأن الحافز الرئيسي لشن الحرب كان للسيطرة على ثروات العراق البترولية، وجاء في المركز الثاني حماية أمن إسرائيل.
أحب الزعماء..جمال عبد الناصر
وعندما سئلوا عن أثر الحرب بالنسبة لمستقبل عمليات الإرهاب عبرت نسبة تراوحت بين 64% (في لبنان) إلى 90% (في السعودية) عن اعتقادهم بأن الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق ستسفر عن اتساع نطاق عمليات الإرهاب، كما عبرت نسب تراوحت بين 57% (في لبنان) و82% (في المغرب) عن اعتقادهم بأن تلك الحرب ستؤدي إلى تراجع مسيرة الديمقراطية في العالم العربي.
وبالنسبة لعملية نقل السلطة من قوات التحالف بزعامة الولايات المتحدة إلى الحكومة الإنتقالية في بغداد، عبرت غالبية من شملهم استطلاع الرأي عن اعتقادهم بأنها عملية تجميلية وغير حقيقية.
وخلصت الدراسة التي أجراها الدكتور شبلي تلحمي إلى أنه سواء تعلق الأمر بالسياسة الأمريكية في العراق أو بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي،، فإن غالبية من شملتهم الدراسة من المواطنين العرب أكدوا أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام هي التي تحدد اتجاهات الرأي العام إزاء الولايات المتحدة.
ولذلك عكست إجابات من شملهم البحث حول سؤال عن أحب الزعماء السياسيين إلى نفوسهم مؤشرا هاما، فقد جاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في المركز الأول كأحب شخصية سياسية للمواطنين العرب وخاصة في المملكة العربية السعودية (46%)، ثم الإمارات العربية(21%)، ولبنان والأردن (20%)، ثم المغرب (12%).
وجاء في المركز الثاني ضمن قائمة أحب الشخصيات السياسية للمواطنين العرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وكانت أعلى نسب التأييد له في لبنان (23%)، ثم المغرب (16%). أما في الأردن فجاء الرئيس العراقي السابق صدام حسين في المركز الأول، بينما احتل أسامة بن لادن المركز الثاني في الإمارات، واحتل الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله المركز الثاني بين أحب الشخصيات السياسية في السعودية بعد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ويفسر الدكتور شبلي تلحمي ذلك التنوع الغريب في قائمة أحب الشخصيات السياسية إلى المواطنين العرب، والذي يجمع بين عبد الناصر وجاك شيراك مع الشيخ نصر الله والرئيس صدام حسين وبن لادن فيقول: “لا يوجد قاسم مشترك بين هذه الشخصيات السياسية إلا تحديهم للولايات المتحدة ولذلك تعكس هذه النتائج الغضب الشعبي العربي من السياسة الأمريكية”.
استطلاع المعهد العربي الأمريكي
أما الاستطلاع الذي أجراه المعهد العربي الأمريكي في مصر والسعودية والأردن ولبنان والإمارات العربية والمغرب، فكان متابعة لاستطلاع سبق للمعهد أن كلف به مؤسسة زغبي الدولية لبحوث الرأي العام لقياس اتجاهات الرأي العام العربي إزاء الولايات المتحدة.
وجاء الاستطلاع الجديد ليرصد التغيرات التي طرأت على تلك الاتجاهات خلال العامين الماضيين والتي لخصها الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد بقوله: “لقد زادت المشاعر المناهضة للولايات المتحدة بسبب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط”، وكشف النقاب عن أن أكبر ارتفاع في نسبة المشاعر المعادية للولايات المتحدة خلال العامين الماضيين كان في مصر حيث ارتفعت نسبة من لا يكنون المودة للولايات المتحدة من 76% إلى 98%، وفي المغرب من 61% إلى 88%، وكذلك في الأردن من 61% إلى 78%.
واتفقت نتائج استطلاع المعهد العربي الأمريكي مع نتائج بحث الدكتور شبلي تلحمي في أن المحدد الرئيسي لمشاعر المواطنين العرب إزاء الولايات المتحدة هو مواقف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وتساوت نسبة من عبروا عن قلقهم إزاء السياسة الأمريكية في العراق مع أولئك الذين تقلقهم المواقف الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين.
كيف يمكن تحسين صورة واشنطن؟
وقال الدكتور زغبي إنه عندما سئل المشاركون في الاستطلاع عن أول وصف يأتي إلى خواطرهم عندما تأتي سيرة الولايات المتحدة كانت التعبيرات الأكثر شيوعا بينهم هي: سياستها الخارجية الظالمة، اهتمامها بالبترول أولا، سوء تعاملها مع العالم العربي.
وأوضح أن أغلبية من تم استطلاع آرائهم يعتقدون أن مجموعة من التغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية يمكن أن تحسن صورة الولايات المتحدة في العالم العربي وتغير المشاعر المعادية لها بين المواطنين العرب وتشمل هذه التغيرات:
1- تغيير السياسة الخارجية إزاء الشرق الأوسط.
2- التوقف عن المساندة المنحازة لإسرائيل.
3- الانسحاب الأمريكي من العراق.
4- الالتزام بالعدالة.
5- إظهار الاحترام الأمريكي للعرب.
وردا على سؤال لـ”سويس إنفو” عن فعالية جهود الحكومة الأمريكية من أجل كسب قلوب وعقول العرب من خلال جهود الدبلوماسية العامة وتوجيه إذاعة وقناة فضائية أمريكية باللغة العربية، قال الدكتور جيمس زغبي:
“لا يهم ما يشاهده الناس على شاشة مثل تلك القناة التليفزيونية الأمريكية، بل الأهم هو كيف يشعرون إزاء الطريقة التي تتعامل معهم بها الولايات المتحدة والتي تحدد توجهات آرائهم إزاء الولايات المتحدة. ولذلك تتناقص باطراد نسبة من يكنون مشاعر الود للولايات المتحدة في العالم العربي بسبب السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط”.
وشدد الدكتور جيمس زغبي على أنه لن يكون بوسع الدبلوماسية العامة الأمريكية وحدها أن تحقق إنجازا في تغيير المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي إذا تجاهلت الولايات المتحدة ما يقلق الرأي العام العربي من مواقفها السياسية.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.