مشروع الحكم الذاتي في الصحراء.. إلى أين؟
إعلان المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية عن مشروعه للحكم الذاتي للصحراء الغربية، لا يعني أن هذا النزاع المُـؤرق لمنطقة المغرب العربي قد دخل في مسار التسوية النهائية..
.. بقدر ما يعني أن المغرب يعد لتحرك يأمل من خلاله تحقيق مكاسب دبلوماسية تحسن شروطه في المفاوضات حول حل النزاع، إذا ما أقبلت هذه المفاوضات أو ارتأت الدول الكبرى والفاعلة أن الأوان آن لإخماده ودخول المنطقة مرحلة الاستقرار واللا تنازع.
المشروع الذي أعلن عن استكماله يوم الأربعاء 6 ديسمبر الماضي خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية وأحد أبرز الوجوه الصحراوية المؤيدة لاندماج المستعمرة الاسبانية السابقة بالمغرب بقي طي الكتمان، مع أن إعلان ولد الرشيد جاء في مؤتمر صحفي حرِص منظِّـموه على أن يحضره صحفيون يمثلون وسائل الإعلام المغربية والعربية والدولية المعتمدة، لإبراز أهمية ما تم انجازه.
عدم الإعلان عن مضمون المشروع ينسَـجم مع التقاليد الملكية المغربية. فالمجلس الذي أعد المشروع، هو مجلس استشاري للملك، أسِّـس بداية الثمانينات كهيئة تقدم لملك البلاد أفكارا لمستقبل المنطقة، وترفع إليه قضاياها ومشاكل سكانها.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس جدد في مارس الماضي هيكلة المجلس، الذي يضم 142 عضوا يمثلون مختلف القبائل والفئات الاجتماعية في المناطق الصحراوية، إلا أن تشكيلته أثارت لغطا بين الصحراويين، واختتم المجلس الجلسة الثانية من دورته الاستثنائية الثانية والأخيرة، التي كانت مخصَّـصة لدراسة مقترح مشروع الحكم الذاتي.
التقاليد الملكية في المغرب الأقصى لا تسمح بالإعلان عن مقترحات أو استشارات تقدّم للملك، لذلك كان ما قاله خليهن ولد الرشيد في المؤتمر الصحفي، لا يخرج عن الخطاب الرسمي المغربي أو الرؤية المغربية لنزاع دام أكثر من ثلاثة عقود، دون أن تظهر في الأفق حتى الآن، بوادر أو مؤشرات على تسويته.
“جرأة سياسية وتاريخية ودبلوماسية”
وأكد رئيس المجلس الاستشاري الصحراوي أن مسودة الخطة تطرح حلا لمشكلة الإقليم على أساس الحكم الذاتي، لكنها لا تقترح حق تقرير المصير الذي يؤدّي إلى الانفصال والاستقلال، وقال إن الخطّـة ستُـصبح “حلا نهائيا وكاملا للصحراء الغربية، لأنها تلبّي كل المطالب التاريخية للصحراويين”، على حد تعبيره.
وقال ولد الرشيد، إن مقترح مجلسه حول مشروع الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الغربية، الذي يجسِّـد جُـرأة سياسية وتاريخية ودبلوماسية، من شأنه أن “يغير معالم المغرب، وليس الصحراء فقط”، وبدل إن يقدم تفاصيل المشروع أو يخرج بالدفاع عنه من الفكرة المبدئية إلى التفاصيل التي يجب أن تكون محل نقاش، شن الهجوم المغربي التقليدي على جبهة البوليساريو، التي تسعى لإقامة دولة مستقلة بالصحراء الغربية، وعلى الجزائر طبعا، التي تتبنّـى وتدعم طموحات الجبهة.
وتُـصر جبهة البوليساريو والجزائر على أن أي حلّ للنزاع الصحراوي، يجب أن يؤدّي إلى منح الصحراويين حقّـهم في تقرير المصير وإجراء استفتاء، قالت به قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، لتقرير مصير المنطقة بين الاندماج بالمغرب أو إقامة دولة مستقلة، وترفض أي حلول للنزاع الصحراوي، بما فيها حل الحكم الذاتي، إذا لم يؤدِّ إلى تلبية مطالبها.
وقال ولد الرشيد، “إن الاستقلال غير مُـمكن، لأن الصحراويين منتشرون عند الحدود وداخل أربعة بلدان، هي الجزائر ومالي وموريتانيا والمغرب”.
وأضاف، أن الجزائر التي تقول إنها ليست طرفا في قضية الصحراء، “ليس لها أدنى حق في رفض أو قبول مقترح مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمغرب”، وأن الجزائر “توجد في تناقض، إذ من جهة، تقول إنها ليست معنية بنزاع الصحراء – ونحن نفضل هذا الموقف لأنه يسمح بحل المشكل عن طريق السلم والتفاوض – ومن جهة أخرى، تعمل على تقديم المساعدة السياسية والدبلوماسية لجبهة البوليساريو، التي تعيش أزمة سياسية خانقة”، حسب قوله.
وأكّـد ولد الرشيد، أن الاتحاد الأوروبي، ومن خلال الاتصالات التي أجراها المجلس، يُـبدي تأييده لمقترح مشروع الحُـكم الذاتي كحل وحيد، من شأنه أن يجنِّـب القارّتين، الأوروبية والإفريقية، مخاطر عدم الاستقرار.
نزاع وتسوية متعثرة
ويأمل المغرب بمشروعه للحكم الذاتي للصحراويين، توجيه أنظار الأطراف الدولية المعنية والمؤثرة بالنزاع، من قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة (والتي كان آخرها القرار رقم 1720، الذي صدر في شهر أكتوبر الماضي، وما أصبحت تحمله منذ منتصف الثمانيات من عبارات عن حق الصحراويين في تقرير المصير)، إلى مقترحه بمنح الصحراويين حكما ذاتيا تتمتّـع هيئاته بسلطات وصلاحيات ومشروع مشاورات مع الأحزاب السياسية والفعاليات المغربية، ليصبح ما قدمه المجلس مقترحا مغربيا رسميا يحمله مبعوثون مغاربة إلى عواصم الدول الأعضاء بمجلس الأمن، على أمل أن يكون مِـحور مُـناقشات المجلس في دورته القادمة حول الصحراء الغربية، التي يعقدها نهاية شهر أبريل 2007.
لكن السؤال التقليدي في نزاع الصحراء الغربية وتسويته المتعثرة، هو عن موقف الطرف الآخر، ورسميا عن موقف جبهة البوليساريو ومعها الجزائر، التي تعتبِـر نفسها معنِـية بالنزاع بحكم التاريخ والجغرافيا.
هذا الطرف الآخر، نظر دائما للمقترح المغربي حول الحكم الذاتي، على اعتبار أنه محاولة مغربية للالتفاف على قرارات الشرعية الدولية. فقد أصبحت جبهة البوليساريو متمسِّـكة أكثر بموقفها، بعد أن نجحت في تجيير أجواء انفتاح سياسي يعرفه المغرب منذ بداية العقد الحالي، لتحريض النشطين الصحراويين المؤيِّـدين لها، في الخروج إلى الشارع وتنظيم فعاليات سياسية وحقوقية، تظهر وكأن الجيل الجديد من الصحراويين يصطفّـون وراءها ويؤمنون بما تطالب به من حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، خاصة وأن الوجوه البارزة التي تقود هذا التحرك تنتمي إلى فئة الشباب المغمور، الذي لم يستفد من نمط علاقات الريع والمكافأة الذي ساد بين السلطات المغربية والنخبة التقليدية الصحراوية.
وإلى جانب هذا، لابد قبل الحكم على المشروع المغربي لحل النزاع الصحراوي والقدرة على تحليله والبحث في إمكانية نجاحه، من الإعلان عن تفاصيله وقراءتها وتقدير مواقف الأطراف المعنية بالملف إقليميا ودوليا منها.
محمود معروف ـ الرباط
يندرج تعيين المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في إطار تفعيل ما أعلنه العاهل المغربي في خطاب العرش لسنة 2005 وفي الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء.
وقد تم تخويل المجلس ثلاثة مهام أساسية هي:
– الدفاع عن مغربية الصحراء.
– المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية.
– صيانة خصوصياتها الثقافية في نطاق الهوية الوطنية الموحدة الغنية بتعدد روافدها.
تم تمكين المجلس من صلاحيات واسعة للنهوض بهذه المهام:
– مهمة استشارية : إبداء الرأي في القضايا الكبرى التي يستشيره فيها الملك.
– إنجاز المهام المسندة إليه.
– قوة اقتراحية : النهوض بأوضاع الشباب والمرأة والتعبير عن طموحاتهم عبر إنعاش التربية والتكوين والتشغيل.
– تقوية التضامن الجهوي والوطني وتعزيز حقوق الإنسان في نطاق سيادة القانون وكذا صيانة الخصوصيات الثقافية للمنطقة.
– العمل على عودة واندماج المغاربة المحتجزين بتيندوف.
التعريف بعدالة قضية الوحدة الترابية للمملكة في نطاق دبلوماسية موازية فاعلة.
رفع تقرير سنوي عن حصيلة وآفاق عمل المجلس.
(المصدر: نقلا عن وكالة الأنباء المغربية بتصرف بتاريخ 25 مارس 2006)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.