مشكلات واضحة وحلول تنتظر التطبيق
"يتطلب التعامل مع الإسلام في أوروبا أسلوبا مختلفا عن الطرق المتبعة إلى الآن، التي أظهرت فشلها في قبول المسلمين في القارة".
هذه النتيجة هي واحدة من توصيات وتحذيرات، توصل إليها في فريبورغ 25 باحثا متخصصا في الحضور الإسلامي في الغرب، لكن التعامل معها يبقى شيئا آخر.
وكان البروفيسور اورس التيرمات مدير جامعة فريبورغ قال في كلمته التي افتتح بها أعمال المنتدى بعد ظهر يوم 13 ديسمبر، بأن الحديث عن الإسلام أصبح الآن ملازما للحياة اليومية في أوروبا سواء إثر التداعيات السياسية التي يمر بها العالمين العربي والإسلامي وانعكاساتها على أوروبا، أو من خلال المشكلات العامة التي تظهر من حين إلى آخر نتيجة زيادة أعداد ابناء الجالية المسلمة في مختلف الدول الأوروبية.
وأضاف التيرمات بأن المنتدى يمكن أن يتحول إلى ساحة جيدة لتبادل وجهات النظر المختلفة بين المتخصصين في المجالات السياسية والاجتماعية من جميع أنحاء العالم، لأن الحديث عن الإسلام لا يهم منطقة جغرافية محددة، بل يلقي بظلاله بعيدا ويدخل في مجالات مختلفة.
ومن هذا المنطلق، بدأ المنتدى أعماله بورقة ألقاها الصحفي السويسري المخضرم أرنولد هوتينغر شرح فيها خلفيات إصرار الغرب على ربط الإسلام بالإرهاب، في الوقت الذي يغفل فيه مؤيدو هذا الطرح عوامل كثيرة أخرى “لا علاقة لها بالإسلام كدين”، على حد قوله.
ثم تناول الباحث والأكاديمي الفرنسي جيل كيبل نتائج تهميش الجالية المسلمة في فرنسا، وكيف قادت إلى أعمال العنف التي شهدتها باريس ومدن أخرى في الآونة ألأخيرة، مؤكدا على انه لا علاقة لها بالأصولية، ولكن جذورها تعود إلى مشكلات الجالية المسلمة، التي لم ينظر فيها الغرب بجدية، لكنه حذر من أن الصورة ستبدو قاتمة في المستقبل، في ظل تراجع اهتمام الدولة بواجباتها الاجتماعية، في حين تحتاج الجاليات ذات الأصول غير الأوروبية بصفة عامة إلى العديد من المشاريع التي تساعدها على تثبيت مكانها في المجتمعات الأوروبي بشكل صحي سليم.
نقاط التلاقي والإختلاف
وقد استعرضت حلقات المناقشة التي نظمت في اليوم الثاني من المؤتمر خمسة محاور هامة، أولها أسباب ظهور الصور النمطية السلبية ضد المسلمين في الإعلام والرأي العام الأوروبي، وكيف تستخدمها التيارات اليمينية لكسب شعبيتها، وحذر المحاضرون من خطورة انعكاسات تلك التوجهات على الاستقرار الاجتماعي في أوروبا.
أما المحور الثاني فقد تناول الوضع القانوني للمسلمين في أوروبا، حيث اعترف خبراء القانون بأن هناك مشكلة في التوصل إلى معايير أوروبية موحدة للتعامل مع المسلمين، مؤكدين وجود اختلاف في فهم مصطلحات مثل “التعددية الثقافية” و”حرية اعتناق الأديان” و”قيم الحضارة الغربية” من بلد لآخر، مؤكدين على أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (مقرها ستراسبورغ) تختلف من حالة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، وهو ما يدعوا إلى دراسة تلك الأحكام بشكل قانوني، للخروج منها بفقه جديد في التعامل مع مسلمي أوروبا.
أكثر المحاور جدلا كانت تلك التي تناولت الحقوق الثقافية للمسلمين في المجتمع الأوروبي المتطور، حيث دعا من يعرفون أنفسهم بـ “مؤيدي الإسلام الليبرالي”، إلى ضرورة الزام المسلمين بالتخلي عما وصفوه بـ”الأفكار القديمة”، و”معايشة الواقع الأوروبي”، لكن عددا من المشاركين سواء من المسلمين أو من غيرهم رفضوا هذا التمشي ودعوا في المقابل إلى ضرورة الجمع بين قيم الإسلام الجيدة، وما تقدمه لهم الحضارة الغربية من فرص وإمكانيات.
المحور الرابع تركز على بحث اكاديمي متخصص في كيفية النظر إلى النصوص القرآنية، وكيف يمكن التعامل معها في ضوء العصر، وهنا برز أيضا اختلاف وجهات النظر بين المسلمين، الذين رأوا بأنه لا غبار على قراءة النص القرآني بروح العصر، وهو ما فهمه غير المسلمين بأنها إمكانية “تحديث الدين” لكن عددا من المتخصصين في علوم القرآن ردوا على ذلك بأن هذه القراءة العصرية، لا تعني تغييرا في ثوابت الدين، بأي حال من الأحوال. لينتهي النقاش إلى الاتفاق على مواصلة الحوار بين الطرفين، عسى أن يقنع أحد الطرفين الآخر بوجهة نظره.
أما المحور الخامس فقد ناقش بأسلوب علمي هادئ كيف يمكن للتسامح أن يكون جسرا للتواصل بين الأديان، وقدم المشاركون أمثلة مختلفة من التاريخ القديم والمعاصر، على قدرة التسامح في تجاوز نقاط الاختلاف بين المسلمين وغير المسلمين.
الإندماج مسؤولية مزدوجة
وقد اختتم المنتدى أعماله بمحاضرة للبروفيسور بسام طيبي، أكد فيها على أن أوروبا يجب أن تتعامل مع الحضور الإسلامي فيها على أنه واقع ثابت وحقيقة مؤكدة، ويرى الطيبي أن تجاهل هذه الحقيقة أدى إلى الفشل المسجل في ادماج المسلمين المقيمين في أرجاء الإتحاد، وقدم أمثلة مختلفة على ذلك سواء في ألمانيا أو فرنسا أو هولندا، محذرا من أن كل إهمال في الملف ليس في مصلحة أوروبا، لا على المستوى البعيد أو القريب.
أخيرا، كان ملفتا أن أغلب المحاضرين أكدوا على أن مطالبة المسلمين في الغرب بالإندماج تتطلب أيضا دعما غير قليل من جانب غير المسلمين، وهي المسألة التي لم يتم الخوض فيها بجدية حتى الآن، لا على الصعيد الإجتماعي والثقافي، ولا على المستوى السياسي.
تامر أبو العينين – سويس انفو – فريبورغ
انعقد المنتدى الدولي الأول للأديان في جامعة فريبورغ في الفترة ما بين 13 و 14 ديسمبر 2005.
شارك في فعالياته خبراء من سويسرا وألمانياوالنمسا وفرنسا وبريطانيا ومصر وتركيا وإيران.
استعرض المنتدى 10 ورقات بحثية تناولت التواجد الإسلامي في أوروبا من النواحي القانونية والثقافية والإجتماعية.
ليس من المستبعد أن يكون الإسلام محورا جديدا في فعاليات منتدى العام المقبل.
توصل المشاركون في المنتدى الدولي الأول للأديان إلى أن تواجد الإسلام في الغرب حقيقة واقعة لابد من التعامل معها بشكل جدي، لأن التراخي في حل المشكلات المتعلقة بالمسلمين يعني تفاقم الأوضاع بشكل درامي وقد يهدد السلم الإجتماعي في القارة. كما أكد الخبراء على ان الإندماج مسئولية مشتركة بين المسلمين وغير المسلمين، وتبدأ بالعمل على إزالة الصور النمطية السلبية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.