مصر.. أزمة خبز أم أزمة نظام؟!
اتفق خبراء اقتصاديون مصريون، على أن أزمة رغيف الخبز التي بلغت أشدها في مصر أكبر دليل على فشل حكومة الدكتور احمد نظيف في القيام بدورها في توفير الحد الأدنى الذي يضمن للمواطن حياة كريمة.
وشدد الخبراء على ان الأزمة كشفت عن خلل كبير في السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة؛ معتبرين أن مطالبة الرئيس بتدخل الجيش لحل الأزمة اعتراف ضمني بفشل الحكومة في إدارة الأزمة…
وكشف الخبراء في مداخلاتهم أن أهم أسباب الأزمة تتمثل في الاعتماد على استيراد القمح، وهو سلعة إستراتيجية، وتقليص مساحة زراعته، مع نقص المخزون الاستراتيجي نتيجة زيادة الأسعار ثلاث مرات في السوق العالمي للقمح، فضلا عن سوء التوزيع وسوء التصرف، في المنتج وسوء إدارة الأزمة؛ نتيجة تفشي الفساد، مع الزيادة الكبيرة في السكان التي تلتهم الإنتاج والمخزون.
وأوضح الخبراء أن مطالبة الرئيس المصري حسني مبارك للجيش بالتدخّـل، للإشراف على ملف خاص بالحكومة، هو اعتراف ضمني منه بفشل الحكومة في إدارة الأزمة، غير أنهم استبعدوا قيام الرئيس بتغيير الحكومة الآن، ربما لسبب يتعلق بقرب إنتخابات المحليات، المقرّرة يوم 8 أبريل الجاري أو ما قد يتلوها من تصاعدات جماهيرية متوقّـعة، فيما لم يستبعد بعضهم أن يكون القرار دالاّ على تصدّع العلاقة بين الرئيس ورئيس الحكومة.
وللوقوف على أهمية الموضوع وبيان أسباب وأبعاد الأزمة الحالية ومناقشة الحلول المقترحة، التقت سويس إنفو مع الخبير الاقتصادي الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع اليساري، كما التقت الخبير التنموي والمصرفي الدكتور عبد الحميد الغزالي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة الاقتصادية لجماعة الإخوان المسلمين، والمستشار السياسي لمرشدها العام، وأخيرًا التقت المحلل الاقتصادي أحمد النجار، المتخصص في الشؤون الاقتصادية بصحيفة الأهرام، والخبير الاقتصادي في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام.
الرغيف.. حياة أو موت!
في البداية، يوضّـح الدكتور عبد الخالق أن الخُـبز ركيزة اقتصادية واجتماعية هامة، يتمحور حولها الكثير من الأمور، لدرجة أن المصريين لا يسمّـونه “الخبز”، كما هو الحال في كل الشعوب العربية، وإنما يسمّـونه “العَـيش”، وهي كلمة تُـرادف كلمة “الحياة”، معتبِـرًا أن هذا الأمر جدير بأن يكشِـف أهمية الخبز لدى المواطن المصري على وجه الخصوص.
ويقول عبد الخالق في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “اقتصاديًا.. موضوع الخبز له جوانب تتعلّـق بالعرض، وجوانب أخرى تتعلّـق بالطلب، والأزمة المستحكمة الآن، لا يمكن إرجاعها الى زيادة فجائية في الطلب على الخبز، لأن عدد السكان معروف ولم تحدث طفرة في معدّل النمو السكاني، كما لم تحدُث طفرة في زيادة استهلاك المواطنين للخبز”، مشيرًا إلى أن “سياسة استجداء المعُـونات، نتَـج عنها ضغوط لتصريف القمح الأجنبي، في الصدارة منه القمح الأمريكي”.
ويتفق مع عبد الخالق فيما انتهى إليه، الخبير الاقتصادي أحمد النجار، الذي يستهِـل حديثه الخاص مع سويس إنفو متسائلا: لماذا يحتاج المواطن المصري إلى الدعم الحكومي بهذا الإلحاح؟ ويجيب بنفسه قائلا: “لأن مستوى الفقر لدَينا مروّع جدا، فهناك حالة من انهيار الدخل الحقيقي، سببه أن نظام الرواتب في مصر لا علاقة له بالاحتياجات الحقيقية، وفقاً لحركة الأسعار بالنِّـسبة للسلع والخدمات”.
ثورة جُـياع أم أزمة مفتعلة؟!
وفيما يحذِّر المفكر اليساري الدكتور عبد الخالق من أن مصر مُـقبلة على ثورة جـياع بسبب قلّـة إنتاج القمح، يُرجـع المحلل الاقتصادي النجار الأمر إلى غِـياب الشفافية في البيانات الحكومية حول المخزون الاستراتيجي للقمح، وانتشار الفساد في قطاع المحليات، يقول المفكر الإسلامي الدكتور الغزالي، “إن مشكلة الخبز مفتعلة وليست حقيقية، وأن الهدف من ورائها إلهاء الناس عن انتخابات المحليات المقبلة”!
ويوضِّـح الغزالي في تصريحات خاصة لسويس إنفو، أنه رغم شحّ القمح في السوق العالمية، إلا أنه متوافر بكثرة في المخازن المصرية، معتبِـرا أن “الأزمة وقعت بسبب التلاعب في توزيعه، سواء عن طريق استخدامه كبديل أرخص لعلف الماشية من قِـبل المواطنين وتجّـار المواشي أو بسبب قِـيام أصحاب المخابِـز بتهريبه وبيعه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة لمصلحة شركات ومحال القطاع الخاص، التي تنتج الخبز الفاخر والحلوى”.
ويقول الغزالي: “أزمة الخبز ستكون البِـئر الذي حفرته الحكومة بيدها لتقع فيه، لأن المواطن المصري يستطيع أن يتحمّـل أي عواقب، إلا الجوع أو الاقتراب من لُـقمة عيشه”، مشيرًا إلى أن “هذه الأزمة كشفت عن مدى فشل الحكومة في إدارة أزماتها، وبالتالي ربما تكون إقالتها هي كبش الفداء الذي سيقدّمه الرئيس للشعب، إن آجلا أم عاجلا”.
ويستشهد الغزالي بتدخّـل الجيش في حلّ الأزمة، كدليل على قُـرب الإطاحة بالحكومة الحالية، لأن تدخل الجيش يعني أن الجهاز الإداري القائم على الأمر فشل في إدارة الأزمة، وهو ما اقتضى اللجوء إلى حلول استثنائية للتعامل معها، معتبرًا أن الفساد هو السبب الرئيسي وراء الأزمة وأن تدخّـل الجيش لِـحل أزمة الخُـبز يعني أننا مُـقبِـلون على أيام خطيرة تسود فيها كلمة العسكريين، لتعود الدولة ذات الحكم العسكري إلى الشارع، ليضمن النظام بقاءه وعدم ثورة الجماهير.
55% من القمح!!
ومن جهته، يؤكد الدكتور عبد الخالق أن الإنتاج المصري من القمح، لا يمثِل سوى 55% فقط من الاحتياج الغذائي، فيما تستورد الدولة الباقي من أوروبا وأمريكا، أضف إلى ذلك ارتفاع السّعر العالمي للقمح، الأمر الذي أدّى إلى زيادة تكلفة رغيف العيش، وهو الأمر الذي عاد بالوَيْـلات على المواطن العادي، الذي بات يتهدّد في قُـوت يومه الذي يسُـد رمَـقه بالكاد، وهو ما يحذّر من أن مصر مُـقبلة على “ثورة جياع”.
ويقول عبد الخالق: “إن اعتراف الحكومة بأن دعم الخبز يذهب إلى غير مستحقِّـيه، هو أبرز دليل على فشل الحكومة الحالية في إدارة الشأن العام في مصر”، ويشكك فيما تعلنه الحكومة من أن معدل النمو الاقتصادي تجاوز حد الـ 7%، مستدِلا بطوابير الخُـبز، التي تزداد طولاً على مدار الساعة، في طول البلاد وعرضها.
ويضيف عبد الخالق، أنه إذا كان هناك بالفعل نمو اقتصادي وبهذا المعدل الكبير، فإنه يستأثر به بعض الأشخاص، بينما يُـحرم منه باقي المواطنين، معتبرًا أن 7% معدل خُـرافي. فإذا نما الاقتصاد بهذا المعدّل مع وجود قَـدر معقول من عدالة التوزيع، فسوف تقِـل الحاجة إلى الدعم الحكومي، وأن ما يحدُث لا يخرج عن أمرَين: إما أن يكون هذا المعدّل المُـعلن للنموَ غير صحيح، وإما أنه لا يصل إلى الأغلبية الساحقة من الجمهور المستحق للدّعم.
ويتعجّـب عبد الخالق من أنه، على الرغم من أن رجال الأعمال هم الذين يتصدّرون الحكومة التي تُـدير الشأن العام في مصر، والمفروض أنهم – بحكم خبرتهم في السوق – يُـجيدون قراءة تطوّرات المستقبل والاستعداد لهذه التطورات، وخاصة ما يتعلق منها بالأسواق العالمية وتقلبات الأسعار، مؤكدا أن هناك “تخبّـط حكومي واضح في التعامل مع هذا الملف الأكثر حساسية”.
غياب الشفافية!!
ويعتبر المحلِّـل الاقتصادي النجار أن أحد أهم أسباب أزمة الخبز التي تعيشها مصر اليوم، يتعلّـق بغِـياب الشفافية المعلوماتية، خاصة فيما يتعلق بالمخزون الاستراتيجي من القمح، ويقول: “ليس لدينا سوى البيانات الحكومية، التي تقول دائماً إن المخزون يكفي لستة شهور قادمة، بينما الحقيقة غير ذلك تمامًا”.
ويتَّـهم النجار أصحاب المخابِـز بتهريب الدقيق وبيعه في السوق السوداء بأضعاف ثمنه لصناعة أنواع الخبز الراقي (الفينو) والحلويات، وهو نوع من الإنتاج لا يخدِم سوى 10% على الأكثر من عدد سكان مصر، الذي قارب الثمانين مليونًا، مشيرًا إلى أن “الفساد والمحسوبية قد استشرى في الإدارات المحلية حتى وصل للرُّكَـب”!
ويتّـفق مع النجار، الخبير الاقتصادي عبد الخالق مضيفا، أن تخبّـط السياسة الاقتصادية للحكومة، هو السبب الرئيسي للأزمة وأن هذا التخبّـط يرجع إلى أمرَيْـن هما: إهمال زراعة القمح في مصر، والارتماء في أحضان أمريكا، وذلك من خلال عدم تقديم حوافز للفلاّح المصري المنتج المحلّي للقمح، وتفضيل الاستيراد من الخارج.
ويذكُـر عبد الخالق من ضِـمن الحلول المقترحة، (خلط القمح بالذرة)، ويتعجّـب من أنه رغم أن هذا المشروع قد خضع للدراسات والبحوث ونزل إلى الأسواق، إلا أننا فوجئنا بقرار حكومي بوقف عملية الخلط، دون إبداء أسباب، ويقول مستغربًا: “لم يقولوا لنا لماذا اتّـخذوا قرارا بالوقف ولم يقولوا لنا أيضًا لماذا يعلن وزير التضامن الاجتماعي اليوم أنه سيتم العودة إلى خلط القمح مع الذرة لإنتاج رغيف الخبز”؟!
ويشير عبد الخالق إلى أنه، من المعروف أن السِّـلع في الأسواق العالمية تتعرّض لدورة الأسعار، وبما أن الحكومة تسير بمنطق رجال الأعمال، فكان لابد أن تتوقّـع ارتفاع السعر العالمي للقمح، ومن ثَـمَّ تقوم بشِـرائه من السوق الآجلة، ولكن، هذا للأسف لم يحدث، وهو ما تسبب في هذا الارتباك الحاصل الآن، معتبرًا أن السياسات الاقتصادية للحكومة هي المسؤول الأول عن الأزمة.
الرغيف والمحليات!!
ويربط الدكتور الغزالي، المستشار السياسي للمرشد العام للإخوان، بين افتعال أزمة الخبز وانتخابات المحليات المقررة يوم 8 أبريل الجاري، معتبرًا أن هناك ترابُـط قوي بينهما، خاصة إذا صدّقنا بما تُـعلنه الحكومة من أن القمح متوافِـر في المخازن، وهو ما يعني أنها تريد شغل الناس عن انتخابات المحليات، لتتمكّـن من الحيلولة دون مشاركة جماعة الإخوان، التي كانت قد أعلنت أنها جهّـزت 10 آلاف عضوا للمنافسة على 52 ألف مقعد في هذه الانتخابات.
ويستطرد الغزالي مبيِّـنًا أنه، عندما تضمن حكومة الحزب فوز حزب الحكومة بالأغلبية الساحقة للمجالس (الشورى/ الشعب/ المحليات)، فإن هذا يعني أن الحكومة قد ضمنت أن تحكُـم في غياب الرقابة والمحاسبة، وهو ما يضمن لها مزيدا من النّـهب للمال العام، موضِّـحًا أن الفساد الاقتصادي هو البوابة الرئيسية للفساد السياسي.
ويتفق مع د. الغزالي فيما ذهب إليه، المحلل الاقتصادي أحمد النجار، والذي يعتقد أن الذي أدّى إلى نقص رغيف الخبز وتكاثر الطوابير للحصول عليه، أمريْـن هما: زيادة عدد مَـن يحتاجون إلى الخبز المدعوم، بسبب انتشار الفقر على نطاق واسع، حتى لمَـن يعملون بالفعل، فضلا عن وجود زيادة ضخمة في الرقم الخاص بالدّعم، لا علاقة له بالتضخم وليس له علاقة بزيادة حقيقية في حصّـة الفرد من الدّعم الحقيقي.
إنشاء معهد للخبز!
ويستهل د. عبد الخالق حديثه عن الحلول المقترحة، بالإشارة إلى تقرير مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، الذي يقول إن الفجوة الغذائية في العالم العربي وصلت إلى 15 مليار دولار وأن مصر تتقدّم الدول المستوردة للحبوب، مؤكِّـدًا على أهمية أن “يكون لدينا سياسة واضحة ومحددة”، بمعنى أن نضع الأهداف الوطنية، ثم نحدّد الوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف.
ويطالب عبد الخالق الحكومة المصرية بتشجيع الفلاّحين على زراعة المواد الأساسية من القمح والفول والذرة، لأن مؤشرات السّوق العالمي تؤكِّـد أن الأسعار ستزداد أكثر فأكثر خلال السنوات القادمة، خاصة مع التوجّـه العالمي لإنتاج الوقود من القمح وغيره من المواد الغذائية، موضحًا أن “المستهدف الآن، ليس تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وإنما تحقيق حد آمن من الإنتاج المحلي يُـعزز باستيراد من الخارج تحت السيطرة”.
ويبيِّـن الخبير الاقتصادي عبد الخالق أن هذا المستهدف يمكن تحقيقه بثلاثة طرق وهي:
1- زيادة الإنتاج المحلي، من خلال تحفيز الأداة السعرية بتحفيز الفلاح على الإنتاج، وزيادة ميزانية البحث العلمي لتطوير واستنباط سلالات ترفع غلّـة الفدان من الإنتاجية، وهو أمر ليس بمستحيل، فأمامنا تجارب لبلدان كثيرة في هذا المجال.
2- السّـعي لإنتاج رغيف وطني لا يقوم على استهلاك القمح كاملا، وإنما يعتمد على خلط القمح بالذرة، لتوفير كمية من القمح. فعلى الرغم من أن القمح والذرة حبوب، إلا أن مصر ليس لديها ميزة نسبية في إنتاج القمح، بينما لديها ميزة نسبية في إنتاج الذرة.
3- التدقيق في صناعة الخُـبز لحماية هذه الصناعة من التّـدهور من خلال التأكيد على المواصفات والاشتراطات التي يجب أن تلتزم بها المخابز وعدم التهاون فيها، وهنا، نقترح إنشاء معهد للخبز يتكفّـل بكافة المراحل المختلفة.
28% دقيق مدعوم للبيع!!
ويواصل الخبير الاقتصادي عبد الخالق طرحه للحلول المقترحة، فيُـطالب الحكومة بإلزام المخابز بإنتاج كل الكِـمية المخصصة من الدقيق وبالمواصفات المحدّدة، مع القيام بمراقبة ذلك جيِّـدا، لضمان عدم تسرّب الدقيق إلى السوق السوداء، مشيرًا إلى أن هناك تقرير أصدره معهد بحوث سياسات الغذاء، وهو معهد أمريكي مقره واشنطن، يقول إن 28% من الدقيق المدعوم في مصر، يُـباع في السوق السوداء بأضعاف ثمنه!
ويضم الخبير التنموي د. الغزالي صوته إلى صوت د. عبد الخالق في ضرورة وأهمية وجود رقابة من حديد على هذا القطاع الحيوي، ويضيف أن الحلّ يكمُـن في جدّية الحكومة في القضاء على الفساد المستشري في الجهاز الإداري للدولة، وخاصة في القطاع الغذائي، كخطوة لتوفير الخبز للمواطنين، كما أن عليها أن تزيد الطاقة الإنتاجية للمجتمع وتخفض الواردات وتزيد الصادرات، مشددًا على أن توزيع رغيف العَـيش عن طريق الداخلية والجيش، ليس بحل، وإنما سيزيد الأزمة تعقيدًا، كما أنه يعمل على زيادة الفساد المستشري أصلا في جسد الدولة بغزارة.
ويضم المحلل الاقتصادي أحمد النجار صوته لما طالب به عبد الخالق والغزالي، ويضيف، أن الحل يبدأ بفصل إنتاج رغيف الخبز عن توزيعه، مع التوسع في زراعة القمح والحبوب بصفة عامة والتقليل من إنتاج الكَـم الهائل من الخضار والفواكه، التي تتعرّض أحيانًا للتّـلف في أماكن إنتاجها أو تخزينها!
ويختتم النجار مشدّدًا على ضرورة التأكيد على وصول الدّعم المخصص لرغيف الخبز إلى مستحقيه، وذلك بتعقّـب تجار السوق السوداء الذين يُـتاجرون في قُـوت الشعب، مع مطاردة الفساد المنتشر في مختلف أجهزة الدولة وإعادة الاعتبار لقطاع الزراعة وإعطاء حصّـة أكبر للقمح وتشجيع الفلاحين برفع أسعار شراء القمح، لتحفيزهم على زيادة الإنتاج.
وختامًا، هل تنجح مصر، ليس فقط في حل أزمة الخبز الآنية، وإنما في وضع سياسة رشيدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، السلعة الإستراتيجية الأولى أو على الأقل توفير الحدّ الآمن منها؟ وإذا كان الله قد وهَـب مصر أرضًا ونِـيلا، فإنه لا ينقصها سوى الإرادة ووضع سياسة إستراتيجية واضحة ومحدّدة. فهل تنجح؟ أم يكون “الرّغيف” هو القِـشة التي قصمت ظهر “النظام”… هذا ما ستُـسفر عنه الأيام القادمة.
همام سرحان – القاهرة
تعتبر مصر من أكبر دول العالم استيرادًا للقمح، حيث تستورد 6 ملايين طن قمح سنويًّا وتنتج محليًّا 6 ملايين طن، ومعدل الاستهلاك 13 مليون طن.
الحد الأدنى للفقر في مصر بالقانون، 35 جنيه، وبالإضافة إلى العلاوة، يصل إلى 45 جنيه، وهو حدّ أدنى غير أخلاقي، يعني يشتري الشخص في الشهر كيلو الحد الأدنى للفقر في مصر عام 1952، في اليوم كان 18 قرش، وهو مبلغ كان من المُـمكن أن يشتري به المواطن 2 كيلو لحمة في اليوم.
وفي عام 1970، كان مرتّـب خرّيج الجامعة 17 جنيه، وكان هذا المبلغ يشتري 68 كيلو لحمة، وكان كيلو اللحمة بربع جنيه.
الآن، خريجو الجامعات في مصر الذين يعملون في الجهاز الحكومي للدولة يصرفون راتبًا بالبدلات، قيمته 200 جنيه شهريًا، وهو ما يعادل قيمة 4.5 كيلو غرامات من اللحمة.
منذ نحو 20 عامًا، تحافظ الحكومة على سعر الرغيف بواقع 5 قروش للرغيف ولا تزيد سعره، خوفًا من انطلاق “انتفاضة خبز ثانية”، بعدما قابل ملايين المصريين عام 1977 قرار الرئيس الراحل أنور السادات زيادة سعر الخبز من 5 مليمات إلى قرش، باحتجاجات تحوّلت إلى انتفاضة “خبز”، كما أطلقت عليها الصحف المصرية والعالمية.
ارتفع سعر رغيف الخبز، ليصل في بعض مناطق القاهرة إلى 25 قرشا، والسبب هو الزيادة المفاجئة في أسعار دقيق الخبز الذي قفز سعر الطن منه من 1600 إلى نحو 2600 جنيه.
كما ارتفعت أسعار العديد من السلع الغذائية، منها السكر الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 325 قرشا والأرز 250 قرشا وعبوة “المكرونة” زنة 400 غرام 175 قرشا.
كما ارتفع سعر الفول، حيث وصل سعر الإردب من 270 جنيها عام 2006 إلى 600 جنيه عام 2007، فأصبح ثمن الكيلو 4 جنيهات (الدولار= 5.5 جنيهات مصرية).
أنفق الأمريكيون 300 مليون دولار في الثمانينات في إطار مشروع اسمه “المشروع القومي للبحوث الزراعية”، بهدف تفكيك البنية الأساسية لقطاع الزراعة المصري، وكان ضمن هذا المخطط، التخلي عن الدورة الزراعية، في مجتمعٍ الزراعةُ فيه تعتمد على الري.
“مصرع 2 وإصابة 7 في مشاجرة بسبب أولوية الحصول على الخبز”، هذا عنوان صحيفة الأهرام الحكومية يوم 2 مارس2008، والتفاصيل تقول، إن معركة بالأسلحة النارية نشبت بين عائلتي المحجوب والحمادية في منطقة حلوان جنوب القاهرة، بسبب الاختلاف على أولوية الوقوف في طابور العيش انتهت بمصرع شابين من عائلة المحجوب، بينما أصيب 7 من أفراد العائلتين نقِـلوا جميعا لتلقي العلاج في مستشفى حلوان العام.
وفي نفس اليوم، كانت قرية “أوليلة” التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بدِلتا مصر، تودع ماسح الأحذية الحاج عبد الحميد 62 عاما الذي أطلقت عليه بعض الصحف المصرية “شهيد الخبز”، بعد أن صعدت روحه في أثناء انتظاره لدوره في طابور العيش، حيث اعتاد شراء الخبز الذي تحتاجه أسرته المكوّنة من أربعة أبناء.
كما أفادت تقارير صحفية أن رجلا تنكّـر في زي امرأة منقبة ووقف في طابور النساء في مخبز بحي عابدين وسط العاصمة بسبب قلة الازدحام عليه، أملا في الحصول على أرغفة الخبز، ولكنه تعرض للضرب من النساء بعد أن كشفن أمره.
القاهرة (رويترز) – قال شهود ان مصر نشرت يوم الأحد 6 أبريل أعدادا كبيرة من قوات الأمن في ميادين وشوارع بالقاهرة وعدد من المدن لاحباط اضراب عام دعت إليه حركات وأحزاب سياسية وعمال شركة كبرى للغزل والنسيج.
وقالت وزارة الداخلية في بيان أصدرته يوم السبت انها “تحذر من أن أجهزتها ستقوم باتخاذ ما يلزم من اجراءات فورية وحازمة ازاء أى محاولة للتظاهر أو تعطيل حركة المرور أو اعاقة العمل بالمرافق العامة أو التحريض على أى من هذه الافعال.”
وقال نشطون في صفوف عمال شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى ان قوات الأمن أحبطت اضراب عمال الشركة الذين يبلغ عددهم حوالي 20 ألفا بأن نشرت المئات من رجال الأمن الذين يرتدون الزي المدني في مصانع الشركة.
وقال كريم البحيري وهو مدون يعمل في شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى التي تبعد حوالي 100 كيلومتر إلى الشمال من القاهرة ان قوات الأمن حالت دون تنظيم الاضراب.
وقال لرويترز “احتلوا المصنع من الخارج والداخل. العمال الذين تمكنوا من الوصول أخذوهم إلى الآلات واحدا بعد اخر وأجبروهم على العمل.”
وأضاف “عمال كثيرون لم يتمكنوا من الوصول إلى المصانع من الأصل بسبب الحصار الأمني.”
وكانت مجموعة من العمال في الشركة دعت العمال في مصر للاضراب تضامنا مع مطالب لهم بزيادة الاجور في مواجهة الزيادات في الأسعار.
وقفز مؤشر أسعار المستهلكين في الحضر بمصر إلى نسبة 12.1 في المئة حتى فبراير شباط وهو معدل لم يصل إليه منذ 11 شهرا. ويكابد المصريون الأشد فقرا آثار زيادة أسعار الطعام أكثر من غيرهم من الفئات الاجتماعية.
وتبنت الدعوة للاضراب الجماعات والأحزاب الصغيرة المناوئة للحكومة. ويقول نشطون في الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) وحزب العمل المجمد بسبب نزاعات على القيادة بين أعضائه وحزب الكرامة العربية تحت التأسيس ان الاضراب يهدف لأن يكون بداية حملة عصيان مدني هدفها حمل الحكومة على تغيير سياساتها.
وأيدت جماعة الإخوان المسلمين الدعوة إلى الاضراب ضمنيا.
وبحلول صباح يوم الأحد بلغ عدد من أيدوا الاضراب على الموقع الاجتماعي فيسبوك Facebook على الإنترنت أكثر من 60 ألف شخص.
وقالت مصادر أمنية ولجنة من القانونيين الذين يراقبون الاضراب ان الشرطة ألقت القبض يومي السبت والأحد على 28 في القاهرة والاسكندرية والمنصورة بتهمة توزيع منشورات تدعو إلى الاضراب.
وقال المحامي جمال عيد وهو نشط في مجال حقوق الإنسان لرويترز “من بينهم المدون المعارض مالك مصطفى وأعداد من أعضاء حزب العمل.”
وقال شاهد في مدينة الاسكندرية الساحلية ان الوجود الأمني كثيف في مختلف الميادين بالمدينة وفي عدد من الشوارع التي توجد بها مكاتب حكومية مهمة أو قنصليات أو مراكز ثقافية لدول أجنبية.
وأضاف أن أسر تلاميذ عدد كبير من المدارس منعوا ابناءهم من الانتظام في اليوم الدراسي خوفا عليهم من حدوث صدامات بين الشرطة ونشطين دعوا إلى مظاهرة في المدينة إلى جانب الدعوة للاضراب.
ويحتج النشطون على غلاء الأسعار وضعف أجور العاملين في الحكومة وشركات القطاع العام وما يقولون انها انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقال شاهد في مدينة المحلة الكبرى ان المدينة بدت خالية إلا من قوات الأمن التي تنتشر في الميادين والشوارع “على نحو يبدو غير مسبوق.”
واستجابت الحكومة لبعض مطالب العمال بالمدينة في وقت سابق تحت ضغط اعتصامات تسببت في توقف العمل.
وقال شاهد في وسط القاهرة ان الوجود الأمني “كثيف جدا.” وأضاف أن قوات أمن كبيرة العدد انتشرت في الأماكن التي اعتاد المعارضون تنظيم احتجاجات فيها وهي ميدان التحرير وميدان طلعت حرب وخارج نقابتي المحامين والصحفيين.
وقال عبد الوهاب المسيري المنسق العام لحركة كفاية “حاولنا أن نتظاهر في ميدان التحرير لكنهم تعقبونا وألقوا القبض على البعض منا.”
وأضاف “لذلك قررنا الغاءها (المظاهرة) لأننا لا نريد صحايا.”
وألغى منظمون اضرابين ومظاهرتي احتجاج في مدينتي كفر الدوار وشبين الكوم شمالي القاهرة. وطلبت بعض المدارس الخاصة في القاهرة من التلاميذ عدم الحضور خوفا من حدوث اضطرابات في الشوارع.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 أبريل 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.