مصر.. تكامل المصلحة الوطنية والقومية
في تقليد جديد، طرح مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر في مؤتمره السنوي الرابع ورقتين مستقبليتين.
الأولى، عن الأمن القومي والطاقة. والثانية، حول رؤية مستقبلية مصرية للشرق الأوسط والمنطقة العربية.
في تقليد جديد، طرح مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر في مؤتمره السنوي الرابع ورقتين مستقبليتين. الأولى، عن الأمن القومي والطاقة. والثانية، حول رؤية مستقبلية مصرية للشرق الأوسط والمنطقة العربية.
في كلتا الورقتين، بدت نزعة عملية تمزج بين التطلّـع إلى إحداث نقلة تنموية من خلال الولوج إلى مجال الطاقة النووية السلمية، وبين استعادة الروح القومية لدور مصر الإقليمي، بعد استيعاب المتغيّـرات الجارية في المنطقة وما تتضمنه من مخاطر شتى.
نزعتان جديدتان
هاتان النزعتان تمثلان جديدا إلى حدّ ما، رغم أن بعض الكلمات والمفاهيم تعود إلى حقبة سابقة. ولذا، إن قدَّر لهما أن تتحوّلا إلى سياسات عملية، فمن المرجّـح أن يُـضفيا قدرا من الحيوية على الدور المصري، إقليميا ودوليا، بعد أن خَـبا كثيرا وانحصر في دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديدا الدائرة الفلسطينية الإسرائيلية، وبحيث قلّ تأثيره ـ بالرغم من بعض التحرّكات المصرية الرّسمية والشعبية بين الحين والآخر ـ في قضايا حيوية أخرى تمَـس الأمن القومي المصري مباشرة، كالوضع في العراق والسودان والعدوان الإسرائيلي على لبنان وأمن الخليج والأزمة النووية الإيرانية الغربية، وذلك بالرغم من حقيقة أن علاقات مصر الدولية والعربية تسُـودها حالة سلمية وتعاونية لا يمكن إنكارها، لكنها في بعض الأحيان تبدو كعِـبء أكثر منه ميزة.
الداخل والخارج
قيمة الورقتين المُـشار إليهما، وكذلك ما جاء في خطاب الرئيس مبارك حول إجراء تعديلات دستورية تُـتيح مساحة أكبر أمام الأحزاب والمرأة، وإنهاء العمل بقانون الطوارئ، أنهما تُـعبِّـران عن العلاقة الوطيدة بين تفاعلات الداخل وتأثيرات الخارج. فلا أمل في تنمية شاملة تحقّـق نقلة في حياة المصريين، دون مصادر للطاقة المتجدِّدة والنظيفة، وكذلك لا دور فاعل إقليميا دون إصلاحات سياسية كبرى.
وهنا، تأتي قيمة الإشارة إلى البحث في إحياء البرنامج النووي السلمي المصري، الذي توقّـف منذ عام 1986، وحالت ظُـروف وضغوط عديدة دون إحيائه مرّة أخرى، في وقت بات فيه البرنامج النووي الإيراني لتوليد الطاقة، رغم كل الضغوط الدولية، حقيقة مؤكدة.
والمسألة هنا، ليست مجرّد توليد لطاقة نظيفة تدفع ببرامج التنمية إلى الإمام، بل أيضا مكانة دولية وإقليمية ونتائج مباشرة على توازُن القوى الشامل في المنطقة، وهو ما تحتاجه مصر بكل قوة، لاسيما وأن خريطة التوازن الإقليمي، إن استمرت على وتيرتها الراهنة لعقد قادم على الأقل، ستكون لها تأثيرات سلبية شديدة على الدور المصري.
المؤيدون لمثل هذا التحوّل يرغبون في أن يكون هناك تحرك عملي سريع، ويرون أن علاقات مصر المتوازنة مع كل القوى الكبرى وإستراتيجيتها القائمة على الاستقرار والسلام، وكذلك التزامها بمُـعاهدة منع الانتشار النووي وسجلّـها النظيف في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُـتيح لها المُـطالبة بحقِّـها المشروع في طاقة نووية سِـلمية لخدمة التنمية، وأيضا لتأكيد دورها في بناء توازن ـ وِفقا لمعايير القوة الشاملة ـ مع كل الأطراف الكبرى في إقليم الشرق الأوسط.
صعوبات نووية متوقعة
وبالرغم من ذلك، فالأمر لن يخلُـو من صُـعوبات متوقّـعة، أولها، التردّد الأمريكي، إن لم يكن الرفض المُـبطن لأن تدخل مصر عصر الطاقة النووية السلمية، سيكون له تأثيره حتى على الدول الغربية التي قد ترغب في التعاون مع مصر فئ هذا المجال.
وثانيها، موقف مؤسسات التمويل الدولية الرافض لتمويل مثل هذه المشروعات باهظة التكاليف. وثالثها، الدور الإسرائيلي المتوقّـع في تعطيل أي تعاون مصري مع أي بلد غربي في الإطار النووي. ورابعها، غياب الوعي الشعبي العام بضرورة الولوج إلى هذا المجال العلمي والتقني والصناعي الهام.
ومع ذلك، فإن إرادة سياسية واعية بالضرورات وبالعقبات كفيلة بأن تقفِـز على هذه الصعوبات، ولمصر كما لغيرها عِـبرة في أزمة البرنامج النووي الإيراني. فإرادة طهران وقُـدرتها على المناورة وتوظيف كل الأوراق المتاحة، تجعل عبُـور الأزمة مُـمكنا.
روح قومية.. مرة أخرى
وإذا كان تأثير البرنامج النووي الإيراني لا يمكن إغفاله في إعادة الوعي بضرورة استعادة المبادرة النووية السلمية المعطلة منذ عقدين، فإن المشروعات الأمريكية، وأيا كان اسمها، والمتعلِّـقة بإعادة هيكلة الشرق الأوسط، والتي تقوم في جوهرها على تجاهُـل الهوية الذاتية والحضارية للمنطقة العربية والضرب بها عرض الحائط، أثارت بدورها إشكالية الخيارات الإستراتيجية المطروحة أمام مصر.
وكان التساؤل الذي فرض نفسه، هو هل يُـمكن لمصر أن تدخل في معمعة الشرق الأوسط الأمريكي بعيدا عن جذورها العربية أو أن تطرح نفسها كقوة شرق أوسطية، دون أن تكون مسنُـودة ببُـعدها العربي وبتعاونها وريادتها في الجامعة العربية والعمل العربي المشترك؟
وليس بسِـرّ أن هناك من تصوّر أن مصر، إذا ما خلعت عنها رداء العُـروبة وأعلنت عن هويتها الشرق أوسطية وكفى، وعن تعاون مع واشنطن في بلورة ما تُـريده من هيكلة جديدة للمنطقة ككل، سوف يُـعطيها ميزات إستراتيجية عديدة وسيجعلُـها في عين الرعاية الأمريكية، وهو تصوُّر لم تكُـن تسنده أيّـا من خِـبرات التعامل مع الولايات المتحدة نفسها، ولا تراث مصر العربي ولا الضرورات القومية، ولو في حدّه الأدنى.
تطوير الفكر القومي
لذلك، حين ركّـزت الورقة الحزبية عن رُؤية مصرية لمستقبل الشرق الأوسط، انطلاقا من أن المنطقة العربية هي القلب وهي الأساس لأي تحرّك مصري، وهي المجال الذي يُـمكن لمصر أن تُـؤثر فيه وأن تلعب فيه دورا قوميا مستندا إلى العمل العربي المشترك، في الوقت نفسه رفض المشروعات الآتية من خارج رحِـم المكان، يكون الخِـيار قد حُـسِـم لصالح التوجّـهات العروبية، ولكن الواعية بمُـجمل التغييرات التي لحِـقت بالمنطقة العربية وبالفكر القومي نفسه، وبأهمية رفده بروح جديدة ومفاهيم تُـلائِـم طبيعة العولمة وحالة الانفتاح العالمي المتبادل، وكذلك مخاطر الانكفاء على الذات أو التمسّـك بمفاهيم الصِّـراع الدائم مع المختلف قوميا. والأهم، أن تكون المُـراجعة القومية نابعة من الذات ويحفِّـزها التطلّـع نحو تعزيز التكامل العربي الطوعي، دون قسر أو إجبار.
لذا، تبدو الإشارات الخاصة الواردة في هذه الورقة حول تطوير الفكر القومي الساعي إلى دولة الوِحدة العربية على المدى البعيد، والقائمة على خيارات شعبية طوعية وأُسُـس منفعية مُـتبادلة والانفتاح على الإقليم الأوسع، تبدو إشارات ذات مغزى، تعكس في جانبٍ منها تُـراثا قوميا مصريا بكل ما فيه من إنجازات وإخفاقات، وفي جانب آخر، التزام بتطوير المفاهيم القومية العربية، بما يتناسَـب مع التطورات الحادثة في العالم ككل.
هذه الأسُـس الفكرية، وهي تؤسِّـس لدور مصري إقليمي جديد، يرنو إلى التكامل العربي وإلى إحياء العمل العربي المشترك، في ظل وعي بمخاطر وتحدِّيات التطورات الجارية، التي لا تملك فيها مصر مداخل للتأثير الإيجابي، سيكون عليها أن تتحوّل إلى سياسات وإلى موارد وإلى توجّـهات إعلامية وتربوية، وقبل كل شيء إلى إرادة عمل تـنساب من قمّـة الهرم السياسي إلى باقي الطبقات والمؤسسات، نزولا إلى رجل الشارع العادي، وإن لم يحدث مثل هذا التكامل بين الفكرة والتطبيق، فلن تكون تلك الأفكار المهمّـة أكثر من مُـجرد كلِـمات وحسب.
د. حسن ابوطالب – القاهرة
عقد الحزب الوطنى الديمقراطى مؤتمره السنوى الرابع من 19 الى 21 سبتمبر الجاري تحت شعار “فكر جديد وانطلاقة ثانية نحو المستقبل”، بمقر مركز القاهرة الدولى للمؤتمرات فى مدينة نصر.
ناقش المؤتمر سياسات التشغيل والاستثمار، ومساندة الأسر الفقيرة والتأمين الصحى، وخدمات النقل وسلامة المواطن، والتعليم، والمرافق والتخطيط العمرانى، والشباب والنهوض بالرياضة، الى جانب سياسات الأمن القومى المصرى، والمواطنة والديمقراطية.
شاركت فى المؤتمر، بصفة مراقب، شخصيات عربية وأجنبية من ممثلى الأحزاب وأعضاء البرلمان وخبراء من مراكز البحوث.
“سيكون العام القادم.. عاماً للإصلاحات الدستورية التي طرحت معالمها العام الماضي، في خطوة جديدة تستكمل بنيان ديمقراطيتنا المصرية، تتجاوب مع التطلعات المشروعة لشعبنا، وتحفظ المصالح العليا للوطن ومصالح أبنائه. سنمضي في تحرير اقتصادنا بعد أن استرد عافيته، واستعاد قدرته علي جذب المزيد من الاستثمارات، وتحقيق معدلات متزايدة للنمو وإتاحة فرص العمل.. وقد حان الوقت لتنعكس ثمار ذلك علي الحياة اليومية للمواطنين”.
“سنمضي في تعزيز مقومات القوة الشاملة للدولة.. جيشا واقتصادا وشعبا.. لن نسمح بالنيل من دور مصر الإقليمي أو المساس بأمنها القومي.. أو بمصالحها العليا ومصالح أبنائها.. نعلم أننا نعيش في منطقة تموج بالأزمات، وعالم يزخّـر بالمخاطر والتحديات.. لن نسمح لهذه الأزمات بأن تُـعرقل مسيرتنا.. وسنُـواجه تلك المخاطر والتحديات.. بعزم ثابت وإرادة لا تلين..”.
“سنواصل هذه المسيرة بثقة وأمل، وتوجه ثابت للمزيد من تحرير حياتنا السياسية واقتصادنا.. نمضى في ذلك وفق رؤية وطنية خالصة.. تنبع من هذا الشعب وتستجيب لتطلعاته.. نحفظ لمصر سيادتها واستقلال إرادتها.. لا نفرط في شبر من أرضها.. لا نسمح بتدخل أجنبي في شئونها.. لا نقبل إملاءات أو مشروطيات.. لا نلتفت للمزايدات أو حملات التشكيك.. ونمضي نحو المستقبل دون رجعة إلي الوراء”.
“إن لدينا فكراً جديداً لا رجعة فيه، واقتناعاً راسخاً بمواصلة الإصلاح علي كافة محاوره، وبرنامجاً طموحاً نلتزم به ونتمسك بتنفيذه”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.