مصير الجندي المخطوف مثار جدل في إسرائيل
لا تتوقف تداعيات عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي من طرف فلسطينيين عند التوغل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة وما ينجم عنه من ضحايا مدنيين واستنكار دولي متباين.
ففي داخل المجتمع الإسرائيلي، وبمرور الأيام يحتدم الجدل حول كيفية الخروج من هذه الأزمة وأفضل السبل لإطلاق سراح الجندي جلعاد شليط.
تحت أغصان شجرة وارفة في بلدة متسبيه هيلا المقامة على أراضى قرية معليا الفلسطينية بالقرب من الحدود اللبنانية جلس صحفي اسرائيلي هارب من حر الشمس ينظر من بعيد إلى بيت عائلة شليط، عائلة الجندي الاسرائيلي المخطوف.. “هناك شيئ غريب عندما تنظر إلى البيت من هنا”.. “البيت يبدو وحيدا ومعزولا وبعيدا، ربما يذكر بحال غلعاد في الأسر”.
“أتعرف، ربما يذكر اكثر بحال العائلة التي تقطنه”، أجاب صحافي آخر جلس قريبا.. “لو أن العائلة تعرف كيف تصرخ وكيف تقلب الطاولة وكيف تثير الشارع على الحكومة والجيش ربما كان جلعاد في طريقه للبيت الآن”.
بعد دقائق قليلة خرج الأب نوعم شليط للصحفيين ليقول: “نحن نعطي الحكومة كل الدعم لاستخدام كل الوسائل المتاحة لإعادة ابني من الأسر” في معرض الرد على سؤال لسويس انفو إن كان راضيا عن الجهود التي تبذلها الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح ولده المختطف لكنه أضاف “ولكن على الجميع أن يعلم أن الوقت المتاح لإعادته سالما قصير جدا”.
الصحفيون الذين تواجدوا في المكان فهموا أن الجملة الأخيرة تحمل في طياتها رسالة مبطنة تنم عن عدم رضى العائلة عما يدور حولها وعن تصرف المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل إزاء خطف ولدهم.
انتقادات لأولمرت وبيرتس
مندوبو الجيش الإسرائيلي، وخاصة ممثلين لطاقم المفاوضات التابع لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يتواجدون طيلة ساعات النهار والليل في بيت العائلة بحجة تامين احتياجاتها وفي نفس الوقت “لمساعدة” العائلة على صياغة رسائلها اليومية إلى الإعلام من خلال الأب الذي يخرج عادة مرة أو مرتين في اليوم للقاء الصحفيين المتواجدين خارج المنزل. فهذه الرسائل يجب أن تتوافق مع الخط الرسمي الإسرائيلي في الموضوع وان تكون جزءا من المجهود الإسرائيلي في مواجهة الخاطفين.
بعد يومين من زيارتنا إلى بيت العائلة، أتى دان حلوتس رئيس الأركان الإسرائيلي لزيارة العائلة. التصريحات التي أدلى بها الوالد هذه المرة كانت حادة إلى درجة أن أوساط في اليمين بدأت تهاجمه قائلة “إذا كان الجيش يريد اعادة قوة الردع امام الفلسطينيين، فهذا لا يعني ان الامر يجب ان يتم على اكتاف جلعاد الضيقة”.
الإعلام الإسرائيلي سبق والد الجندي المخطوف في توجيه الانتقادات لرئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه على تعاطيهم مع ملف الجندي المخطوف، أما تصريحات الأب فقد أعطت زخما لهذا التوجه. محطات التلفزة الإسرائيلية بثت تقارير متواصلة عن عمليات تبادل الاسرى بين اسرائيل وبين “المنظمات الارهابية” والمعلقين وجهوا انتقادات حادة لايهود اولمرت الذي أعلن أنه لن ينصاع “لمجموعة من الإرهابيين المجرمين” وأنه “لن يجري أية مفاوضات مع الخاطفين”.
من جهة أخرى، دلت استطلاعات الرأي التي حملتها صحف نهاية الأسبوع الماضي أن اكثر من نصف الإسرائيليين يؤيدون إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق سراح غلعاد شليط وان ما يقارب الستين بالمائة منهم يعارضون القيام باية عملية عسكرية في غزة لاطلاق سراح جلعاد لان هذه العملية ستشكل خطرا على حياته.
الظروف الناضجة
“لا تستطيع أية حكومة في إسرائيل مهما كانت يسارية أم يمينية أن تتجاهل موضوع جندي إسرائيلي مخطوف”، يقول داني روبنشتاين المعلق في صحيفة هارتس الإسرائيلية لسويس انفو ويضيف “هذا الموضوع في غاية الحساسية بالنسبة للإسرائيليين”.. “أعتقد أن الموضوع سينتهي باطلاق سراح اسرى فلسطينيين مقابل إطلاق سراح جلعاد ولكن قد يتطلب الأمر بعض الوقت إلى حين أن تنضج الظروف”.
“الظروف الناضجة” قد تعني المزيد من الحراك في الرأي العام الإسرائيلي من خلال حملة مكثفة للعائلة للضغط على حكومة اولمرت لإنجاز صفقة لإطلاق سراح ولدهم والتجارب السابقة دلت على أن ضغطا من هذا النوع أطلق في الماضي حتى سراح الحنان طننباوم الضابط الذي احب الإسرائيليون أن يكرهوه بشدة والي كان حينها مختطفا لدى حزب الله في لبنان.
والآن يدور الحديث عن شاب في مقتبل العمر، ابن لعائلة يهودية اشكنازية، أي ذات أصول غربية، متوسطة ذات توجهات سياسية تتراوح بين الوسط واليسار وتبدو في “غاية اللطف” على حد تعبير الإسرائيليين. أي أنها تبدو في ظروف أخرى منتجا سهل التسويق في الرأي العام الإسرائيلي.
“كبرياء الجيش لا يسمح أن تقوم عصابة من الشارع بتوجيه ضربة قوية له وان تخطف جنديا منه وان تقتل اثنين آخرين وتفر هاربة. هذه الحقيقة تجعل الجيش والحكومة غير قادرين على الاعتماد على الوسائل الدبلوماسية، أحد ما يجب ان يتلقى ضربة مزلزلة، ضربة تلقن الجميع درسا ألا يفكروا حتى بسرقة جندي وان فشلت هذه الضربة بتحقيق هدفها هذا فلتكن إذن لمنعهم من إطلاق صواريخ القسام أو حتى عقابا لهم ( أي للفلسطينيين ) على اختيارهم لحماس في الانتخابات الأخيرة”.. هكذا كتب تسفي برئيل في صحيفة هارتس الإسرائيلية منتقدا سلوك الحكومة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتعاطيها مع الأزمة.
وأضاف تسفي برئيل “صحيح أن أية حكومة لا تستطيع أن تقف غير مبالية إزاء الوضع الراهن وإزاء انفلات الإرهاب في القطاع ولكن هذا لا يناقض فكرة أن نعترف بان الجيش غير قادر على إطلاق سراح جلغاد شليط، وإننا في هذه المرحلة نحتاج أكثر لحكومة ذكية من جيش منفلت”.
سيناريو “عناقيد الغضب”؟
الإسرائيليون بشكل عام يشعرون بإهانة كبيرة بعد عملية اختطاف الجندي كحالة الحكومة والمؤسسة العسكرية في إسرائيل.
صواريخ القسام المتساقطة على مدينة سديروت قبل الاختطاف زادت الضغط على ايهود اولمرت باتخاذ خطوات عسكرية لوقفها غير ان الاصابات الكبيرة في اوساط المدنيين الفلسطينيين وخصوصا ما حدث مع عائلة غالية التي خرجت لشاطئ بحر غزة وبدل أن تعود إلى بيتها عاد جزء منها إلى المقبرة والآخر إلي المستشفيات في القطاع هذه الإصابات ذكرت الإسرائيليين بحقيقة أن عملياتهم العسكرية في قطاع غزة في السنين الماضية انتهت بأخطاء اضطرت إسرائيل إلى إنهاء عمليتها والخروج تحت ضغوطات دولية وتحديدا أمريكية متزايدة عندما كانت تقتل بالأساس مدنيين.
كما حدث في رفح قبل سنتين عندما قصفت دبابة إسرائيلية مظاهرة فلسطينية سلمية نددت باجتياح رفح حينها أو تحت ضغوط داخلية بعد مقتل جنود إسرائيليين قلب ميزان الربح والخسارة للعملية كما حدث عام ألفين وثلاثة عندما انفجرت عبوة فلسطينية بمدرعة إسرائيلية وقتل حينها خمس جنود إسرائيليين وخطفت أشلاء بعضهم من قبل الفلسطينيين بهدف المساومة على إطلاق سراح أسرى لهم في السجون الإسرائيلية.
هذه المرة تبدو الظروف مختلفة. فمقابل الرغبة الإسرائيلية في الشارع وفي المؤسسة السياسية والمؤسسة الأمنية بتوجيه ضربة قاصمة للفللسطينيين وبتلقينهم درسا لن ينسوه على الرغم من النتائج غير المشجعة للعمليات العسكرية الاسرائيلية السابقة في غزة، مقابل هذه الرغبة هناك جندي إسرائيلي مختطف.. وبحسب “الشيفرة الداخلية” للمجتمع في إسرائيل فسلامة الجندي فوق أي اعتبار آخر.
ولكن حقيقة أن الحكومة هناك هي برئاسة حماس التي ترفض إسرائيل الاعتراف بها وتود لو أن جنديها ليس موجودا بين يديها بل أن تسقط هذه الحكومة (خصوصا وان الدعم الأمريكي لهذا الأمر متوفر) تجعلها عاجزة وتجعل العملية العسكرية المستمرة في القطاع منقوصة وتكبل أيدي الجيش الإسرائيلي.
وكون هذه المعطيات واضحة للإسرائيليين، فقد تزيد من ضغط الشارع الإسرائيلي لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين للخروج من هذه المتاهة أو باتجاه “إطلاق سراح الثور الإسرائيلي الجامح من أسر من يقبض على أنفه”، على حد تعبير أحد الصحفيين الجالس بالقرب من بيت عائلة شليط في الجليل على أراضي قرية معليا الفلسطينية بالقرب من الحدود اللبنانية .
وإذا لم تتحرك الحكومة الإسرائيلية سريعا مستغلة نداءات رئيس الحكومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار و”العودة إلى مربع التهدئة” وتبادل أسرى في صفقة سياسية شاملة تشبه تفاهمات “عناقيد الغضب” حينها بين إسرائيل وحزب الله، فقد يضطر أيهود أولمرت وعمير بيرتس دفع حياتهما السياسية في الانتخابات القادمة ثمنا للتفريط بحياة جلعاد وعجزهما عن تحقيق الأمن للإسرائيليين كما يعتقد العديد من المحللين السياسيين في إسرائيل.
قاسم الخطيب – القدس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.